" لاتنهض الأمم المكبل شعبها"
بكتِ النوارسُ فرقةَ الشطآنِ
هجراً يحنُّ لموطنٍ وأمانِ
و الموجُ ودّعها و غارَ بجزرهِ
عنْ رفّةٍ عن ضمّةٍ وحنانِ
و الشطُّ كفكفَ في الخفاء رمالَهُ
زبداً يئنُّ بهدئةِ الطوفانِ
ناداهمُ البحرُ المزمجرُ غضبةً
لا تتركوا الشطآنَ للغربانِ
فأنا لأشرعةِ الوداع صديدُها
إنْ أبحرتْ برعونةِ الربّانِ
لا تتركوا دمعَ الموانئ هاطلاً
حزناً على الأطيار والخلّانِ
لم يأتِ نوحٌ والسفينةُ ما رستْ
والصبرُ نعمةُ صابرٍ حرّانِ
الكلُّ أبحرَ في الضياع مهاجراً
والكلُّ يندبُ غصّةَ الحرمانِ
لكنّهمْ ما أدركوا أنَّ الزنى
فقرٌ نهايتُهُ على الإنسانِ
قد ضاجعوا الوطنَ انكفاءَ عقيدةٍ
و تعوّذوا بالله منْ شيطانِ
خانوا الأمانةَ والترابَ وأمطروا
حقداً دفيناً كان في الأذهانِ
و بدتْ خيانتُهمْ ربيعاً مزهراً
متحولَ الأشكالِ والألوانِ
و غدا المقاتلُ إذ يدافعُ مؤمناً
عنْ أرضه عن عِرضه بتفاني
متساوياً بمَنِ استباحَ بلادَهُ
بالحرقِ والتدميرِ والعصيانِ
هدموا المساجدَ والكنائسَ واشتكوا
منْ ندرةِ الأجراسِ والأذانِ
عرّوا العروبةَ منْ رداءِ عفافها
و استبدلوا الرحمنَ بالأوثانِ
ما غَرّرتْ بهُمُ جحافلُ أقبلتْ
بلْ أثبتوا الأحقادَ بالبرهانِ
و مضى المشايخُ نصرةً لفعالهمْ
متبجّحينَ بثورةِ الثيرانِ
كمْ أسرفوا بضلالهم وجحودهمْ
للدينِ والأوطانِ والإنسانِ
قالوا التصالحَ كي نلملمَ شملَنا
وعَفُوا عنِ الزنديقِ والخوّانِ
لا بوركَ الصلحُ المزيّفُ حينما
يجزي البراءةَ منحةً للجاني
لا تنهضُ الأممُ المكبّلُ شعبَها
بالرعبِ والتفريقِ والخذلانِ
لا ترتقي و العدلُ فيها جثّةٌ
و الدينُ مطيةُ جوقةِ السلطانِ
خيراتُها محصورةٌ في قِلّةٍ
سَرقتْ بعهرٍ لقمةَ الجوعانِ
و الأكثريّةُ ذلُّ فقرٍ دافعتْ
واستبسلتْ في الزودِ و البنيانِ
و اليومَ تقبعُ في الظلامٍ حزينةً
منذورةً للجوعِ والأكفانِ
وأنا أشاطرها الخواءَ وعتمةً
مقروءةً في السطر والعنوانِ
ماهمّني نسبٌ يمجّدُ أمّتي
إنْ كانَ منْ غسّان أو عدنانِ
ماهمّني دينٌ يصنّفُ ملّتي
إنْ جاء بالإنجيلِ أو قرآنِ
ما همّني كلُّ الطوائف و المذا..
هبِ إنّهمْ في مهجتي وكياني
إنَّ المهمَّ منَ المذاهبِ أنْ تعي
حقَّ الشعوبِ وعزّةَ الإنسانِ
للنفسِ حرمةُ خالقٍ وقداسةٌ
ما خصّني بقداسةِ الأديانِ
أهوى الجمالَ كشاعرٍ أرنو إلى
ما خفَّ منْ لبسٍ و منْ إفتانِ
لكنّني تالله أحترمُ التي
قد حُجِّبتْ ما لي وللأبدانِ
فدعوا الديانةَ والسياسةَ والتجا..
رةَ أهلها داءٌ بكلِّ زمانِ
ثالوثُ قهرٍ للشعوبِ وخدعةٌ
مفضوحةٌ في السرِّ والإعلانِ
أمّا الحذاءُ العسكريُّ فإنّهُ
أبقى لردِّ النورِ للأجفانِ
يا أيّها الجيشُ العظيمُ قلوبنا
ترنو إليكَ بخفقةِ الوجدانِ
لم يبقَ غيركَ صامداً و مكافحاً
و مقارِعاً خَبِرَ الوغى كطعانِ
قد كنتُ منكَ وما أزالُ مقاتلاً
بحروفِ صدقٍ والوفاءُ بياني
و أنا كغيري ضائعٌ متناثرٌ
مثلَ الزجاجِ مزلزلَ الأركانِ
نضبتْ شرايينُ الحياةِ بخافقي
و تمرّغتْ بالصمتِ والهذيانِ
لهفي على طرطوسَ ثكلى عتمةً
عطشى تغطُّ بغفوةِ النسيانِ
هي للشهادةِ موئلٌ و مناسكٌ
و منارةٌ للعلمِ والإيمانِ
هي في الملاحمِ زئرةٌ وطنيّةٌ
و هبتْ نجيعَ الروحِ في الميدانِ
ما أنصفوها في الوفاء لجودها
بلْ قابلوا الإكرامَ بالنكرانِ
و خطابُهمْ شهدُ المقالِ وفعلهمْ
كالنائباتِ كلدغةِ الثعبانِ
و الكفرُ بعضُ خصالهمْ في أمّةٍ
حكّامها خطباءُ في الإيمانِ
تاريخُها زورٌ و حاضرُها غدا
رمزاً لفيضِ الذلِّ والإذعانِ
ماذا أقولُ لأمّةٍ مهزومةٍ
ما أطلقتْ للنصرِ ركبَ عِنانِ
و تقولُ لي إحدى الجميلات التي
تهوى التغزّلَ دعْكَ منْ عربانِ
هلْ يستوي وطنٌ تآكلَ فكرُهُ
بقصيدةٍ عصبيّةِ الأوزانِ
صِفْ شهدَ ثغري سحرَ صدري واقترفْ
ذنبَ الوِصالِ ونعمةَ الغفرانِ
واسكبْ على جسدي دِنانَ خطيئةٍ
برداً سلاماً في لظى النيرانِ
يا حلوتي ما كان عشقُكِ هاجسي
جفّتْ رضابُ الوجدِ منْ غدراني
ما دمتُ منْ وطنٍ أضاعَ كرامَهُ
في لوثةِ الفتيانِ والغلمانِ
يا أيّها الوطنُ المعذّبُ قُلْ لها
تبّاً على زمنِ الهوى المجّاني
يا أيّها الوطنُ المسافر في دمي
ستظلُّ دوماً زينةَ الأوطانِ
" البحر الكامل"
سليمان غانم 2022/8/30