المرأة:
لقد لعبت المرأة من أقدم العصور الدور الأكبر وكان لها مكانة إجتماعية مميزة والصورة المرسومة في ضمير الجماعة دورا كبيرا في رسم التصور الديني والغيبي الأول وفي ولادة الإسطورة ..
فمن جسدها نشأة الحياة الأولى ومن صدرها ينبع حليب الحياة الجديدة وخصبها وما تفيض على أطفالها هو خصب الطبيعة...فقد كانت المرأة سرا صغيرا مرتبطا بسر كبير ..سر كانت خلف كل البدايات والأكوان فوراء كل ذلك أنثى كونية عظيمة هي منشأ الأشياء ومردها..عنها تصدر الموجودات وإلى رحمها يؤول كل شيء.
هي إنانة إلهة الطبيعة والدورة الزراعية وهي عشتار الأم الكبرى آلهة الخصب والجمال في سورية..وأفروديت في اليونان. وفينوس وديانا في روما..وأرتميس في مصر...واللاة والعزة ومناة الثالثة الأخرى في الجزيرة..وكالي في الهند..وبريجيت في أوروبا..تعددت أسماؤها وتنوعت تجلياتها وكانت لغز كل البدايات ..هي ربة الحياة وخصب الطبيعة..هي الهلاك والدمار..وهي الحياة ..هي الأم الرؤوم الحانية..هي راعية سرير الميلاد وسرير اللذة..هي كوكب الزهرة..هي العذراء الابدية..هي البتول.. وهي ربة الحكمة وسيدة الجنون..
إن التجمع الإنساني الأول والأقدم تبلور تلقائيا حول الأم التي شدت عواطفها ورعايتها للأبناء من حولها في وحدة إنسانية متكافئة..هي العائلة الأمومية خلية المجتمع الأمومي الأكبر.. وذلك لأن عاطفة الأم حول أبنائها والأبناء حول أمهم هي العاطفة الأصلية الوحيدة ..
في هذا المجتمع أي المجتمع الأمومي سلم الرجل القيادة للمرأة لا لتفوقها الجسدي بل لتقدير اصيل وعميق بخصائصها الإنسانية وقواها الروحية..وقدراتها الخالقة وإيقاع جسمها المتوافق مع إيقاع الطبيعة..
فبالإضافة إلى عجائب جسدها الذي بدا للإنسان الأول مرتبطا بالقدرة الإلهية.. كانت المراة بشفافية روحها أقدر على التوسط بين عالمين ..عالم البشر وعالم الآلهة..
المراة التي فاضت طبائعها وصفاتها لتصبغ حياة الجماعة وقيمها وعلاقاتها ونظمها وجمالياتها..
فحب المراة لأطفالها هو العاطفة التي ميزت علاقتها بالمحيط الأوسع وهو النموذج الأساسي للعلاقات السائدة بين افراد الجماعة بعضهم لبعض..ونظرتهم على أنهم اخوة في اسرة كبيرة تتوسع لتشمل المجتمع الأمومي صغيرا ام كبيرا..
إن مجتمعنا أعطى المرأة هذه المكانة على مدى آلاف السنين المتميزة بالإنجازات الحضارية لن يكون غريبا عليه أن يقدم للعالم اسطورة الخلق اطيب الناس وأشرفهم المعطاءة دوما ..وهي مصدر آلهام للشعراء والباحثين والأدباء والفلاسفة الذين يريدون الوصول إلى درجة العرفان والإبداع..إنها" المرأة"
د. غسان صالح عبدالله