بقلم محمد الفضيل جقاوة
صناع الكذب والشذوذ الجنسي :
.
قد يبدو العنوان مستفزا , فكيف يعقل أن يكون هناك من يصنع الكذب والشذوذ؟ والواقع أن الجهل يصنع كل شيء , و يدمر كل شيء من حيث لا يعلم صاحبه , يتعلق الأمر هنا بتربية الأطفال في مراحل حياتهم الأولى .
إن الطفل و منذ مولده يكون في حاجة ماسة إلى ما ينمي جسده في الشّق البيولوجي , و إلى ما ينمي وجدانه تنمية عاطفية حسنة صحيحة , وإلى ما ينمي حواسه وعقله , و إنني في هذه المقالة سأركز على الجانب الوجداني لخطورته من جهة, و لأنّنا أهملناه تماما في أوطاننا العربية من جهة أخرى , مركزين على الحاجات البيولوجية وحدها مساوين بين الإنسان و الحيوان , بل حتى هذا الجانب قد لا يرقى في أغلب الأسر إلى ما ترقى إليه معيشة بعض الحيوانات لدى الموسرين ..
لا أكون مغاليّا اذا قلت أنّ أهم الحاجات الوجدانية هي :
1 ـ الحاجة الى الحب والحنان: ولا اكون مغاليا مرة أخرى اذا قلت أن المحبة والحنان هما أهم ما يحتاجه الطفل من يوم مولده إلى نهاية مراهقته , الحب والحنان هما بمثابة التلقيح الواقي من كل الأمراض النفسية والعضوية المرتبطة بها , و الفراغ العاطفي الذي يبقيه الوالدان أو من يقوم مقامهما لا يمكن أن يمر دون البحث عن تعويض له , فلا يوجد فراغ في الطبيعة كما يقول الفيزيائيون , والتعويض يأخذ مظاهر متعددة لا يمكن أن تحصى , و قد توصل علماء النفس إلى العديد منها كالانطواء , و العدوانية , وبغض الآخر , والإغراق في الخيال , والشغف بالأغاني العاطفية , وحب المغنين والمغنيات ...وإضاعة الوقت في الأفلام والمسلسلات العاطفية .. الخ . وأخطر مظاهر التعويض:
أـ الميل المبكر إلى الجنس الآخر : فقد يفاجئك طفل في عامه الثاني عشر أو الثالث عشر حين يخبرك انه مغرم حد الجنون بفلانة , تكون هذه الفلانة في الغالب أكبر منه سنا , و تكون في الغالب معلمته أو أستاذته التي تعامله برفق , فهو يتلوع ويكتب فيها شعرا , ويتمنى أن تطلق من زوجها لتكون له هو الحبيب ..الخ , والواقع أن تعويض الفراغ العاطفي الذي أبقته الأم هو الذي أخذ هذا المنحى ليس إلا , وقد أخرجه اللاشعور في صورة مخادعة، ولا يختلف الأمر لدى الإناث , فالمحرومة تجد نفسها عاشقة في سن مبكرة , وعادة يكون المعشوق رجلا في سن والدها اسمعها كلمات محترمة حنونة , انه التعويض ليس إلا ..
ب ـ الشذوذ الجنسي أو السحاق , و عادة يميل المحروم إلى أن يكون مفعولا به , و كذلك هي الحال بالنسبة للسحاقية , كلاهما يميل إلى لعب دور الضعيف الذي يجد القوة والعطف والحنان في الطرف الآخر , الأمر في منتهى البساطة إنه مظهر من مظاهر التعويض ليس إلا ..
لا استطيع أنا و لا غيري أن يعرف أو يحصي كل المظاهر التعويضية للفراغ العاطفي في حياة الطفل , و لكننا نستطيع جميعا دون استثناء أن نحب أطفالنا.
إنّنا لن نخسر شيئا إذا قبلناهم , ولن نخسر شيئا إذا عاملناهم بالحسنى كما أوصانا رسول الله صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم .
قال الحبيب عليه الصلاة و السلام : (( أكرموا أولادكم وأحسنوا إليهم , فقد خلقوا لزمان غير زمانكم )) والمؤكد أننا سنخسر كل شيء إذا انعدم الحب والمعاملة بالحسنى .
ج ـ المخدرات : و هي انسب مجال تعويضي يلجأ إليه المصاب بنقص المحبة هروبا من واقعه إلى واقع مزيف يشعره بلذة كاذبة قاتلة .مع شلة من المرضى المحرومين الشاذين , إنهم يجدون التعويض العاطفي في ما بينهم في هذا الدمار الرهيب الذي جرهم إليه شيطان انسي .
2 ـ الحاجة إلى الإحساس بالأمان هو ثاني أهم ما يحتاجه الطفل , ولا تحسبن غيابه سينتهي دون أن يبحث الطفل عن بدائل يحقق بها أمنه .
غياب الأمن في حياة الطفل سيدفعه إلى البحث عن آليات دفاع تعويضية, تتعدد مظاهرها هي الأخرى , فهي فوق العد والإحصاء , كالانطواء و العدوانية والشرود الذهني في قاعة الدرس ... الخ , وأخطرها تماما :
أ ـ الكذب : فالكذب يعتبر أهم سلاح يدافع به الطفل ـ وحتى البالغ والكهل بل والشيخ ـ عن نفسه في المواقف الحرجة , خاصة التي تستوجب العقاب . الطفل حين يسأله معلمه خانقا غاضبا : لماذا لم تنجز الواجب يا كلب ؟؟ فإنه سيرد قائلا : كنت مريضا سيدي و حتى اسأل فلان ..
ب ـ الجريمة : واقصد هناك الجريمة المادية قصد التخلص من مصدر القلق والخوف , فقد يعجز عقل الطفل عن إيجاد آلية أخرى تحقق أمنه , وتضيق به السبل , فيلجأ إلى الجريمة البشعة , يظهر ذلك عند المراهقين والمراهقات خاصة , وغريب الأمر أنه لا يمر يوم دون أن تفاجئنا جرائدنا الوطنية بجرائم قتل واقعية أبطالها مراهقون . دون أن نفكر في السبب.
إن طفلا يتبول في فراشه ليلا , إنما يفعل ذلك لنقص المحبة والإحساس بالأمان وإن علاجه للتغلب على هذه المشكلة لا يكون إلا بتوفير هذه المحبة المفقودة وهذا الأمان , فما بالنا بأم جاهلة تلجأ مع أبنها إلى العقوبة البدنية المبرحة , إنها لا تزيد الظاهرة إلا استفحالا, فالقاعدة تقول: (أن العنف لا يزيد السوء إلا سوء)
أننا حين نرعب أبناءنا ونخيفهم فإننا ندمرهم دمارا كليا من حيث لا ندري , فما توجه الاستبداد إلى ناحية إلا أخذ معه الكذب الشقيق الحميم، أخذه مع كلّ مشتقاته من نفاق وخداع وغش ..
الكارثة أن هذا الكذب المرضي الذي تسببت فيه تربية خاطئة , يتجذر في شخصية الطفل و يكبر معه غير مبارح , ولهذا لا يمكن أن نجد مجتمعات أكذب من الشعوب العربية والإسلامية لتبني فلسفة العنف والاستبداد والترهيب في حياتها، تبدأ باستبداد الابوين ثم المعلمين والأساتذة، وتنتهي باستبداد المخافر، باسم المصلحة العليا للوطن أحيانا وباسم الاسلام أحيانا , والاسلام من كل ذلك بريء , فهو دين الرحمة و المحبة و اللين و التسامح والحسنى ..
والآيات والأحاديث في ذلك اكثر من إن تحصى
ـ يتبع ـ
بقلم محمد الفضيل جقاوة
17/02/2013