GuidePedia


بقلم محمد الفضيل جقاوة

الإسلام .. الدماء .. الإرهاب ..
.
((.. ألا و إن دماءكم و أعراضكم و أموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا .. اللهم إني قد بلغت , اللهم فاشهد ..)) .
كــــــــلمات تهز الوجدان من نبلها وروعة سبـــكها وعمق إنسانيتها , وتستدر الدمع شوقا إلى ذلك القائل النبيل و تبعث في النفس إحساسا مريحا جميلا ..
لا يوجد دين واحد سماوي أو وضعي يحترم الدماء و يصونها كالإسلام , هي بديهة يعرفها كل المسلمين إلا الجهلة منهم .. الدماء كلها محرمة في الإسلام إلا دم المحارب غير المسلم , تلك بديهة أيضا يفرضها الـــــعقل والمنطق والطبيعة قبل أن يفرضها الإسلام , والإسلام في واقع الأمر لا يمكن أن يخالف الطبيعة والفطرة ـ و قد اشرنا إلى ذلك في عديد المقالات ـ كل ما في الأمر انه ينظمهما ويهذبهما ..
ــ الدماء محرمة في إطار التصادم المسلح بين المسلمين, ذلك غير جائز, والقاتل والمقتول في النار كما قال الرسول الأعظم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم : ( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ..)
ــ و دماء المسلمين في مجتمعاتهم في الظروف العادية محرمة بينهم مخلدة  في النار , فما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ . لا مكان للقتل العمدي في الإسلام تحت أي ذريعة , والقتل هو وحده من يدرأ القتل لذلك كان من رحمة الله وعدله أن أوجب عقوبة القتل للقاتل , لان نفسه ليست أغلى من نفس المقتول من جهة ولنضمن السلامة من القتل في المجتمعات الإسلامية من جهة أخرى ..
ــ وقتل الخطأ  غير المقصود أوجب الله فيه  دية مسلمة إلى أهل القتيل وهي موجعة في مقدارها المادي, لا لسبب إلا ليعلم المسلمون أن للنفس المسلمة حرمة كبيرة لا تعوض  فلا يستهينوا بها ..
ــ والقتل لغير المسلمين غير المحاربين محرم في أوطاننا أو في أوطانهم سواء , وما تلك  التفجيرات الإرهابية التي تقوم بها الحركات الضَالة إلا جرائم لاعلاقة لها بدين الله , وقد شملت الآية القرآنية  كل الناس دون استثناء , يقول  الله تبارك وتعالى : (( و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ..)), وهذا الحق لا تحدده الجماعات الإرهابية المجرمة, وإنما يحدده القاضي الشرعي في الدولة المسلمة  ..
القاضي هو وحده المخول شرعا بإصدار أحكام الإعدام في إطار المرجعية الإسلامية غير متجاوز , وهو إن يخطئ بالعفو خير من أن يخطئ بالعقوبة ..
والإسلام لم يترك الأمور الموجبة للقتل عرضة للأهواء وإنما حدَدها , فالقتل للقاتل عمدا , والقتل للساحر الذي لا يرتدع ولا يتوب , والقتل للمرتد المفارق للجماعة خشية تسريب أسرار الجماعة الإسلامية ( الدولة ) , والقتل للجاسوس المسلم الخائن لأمته , والقتل للزاني الثيب، والقتل لمن يأتي البهيمة ..
تلك هي أهم موجبات القتل في الإسلام وهي بإمعان النظر والتفكير مسائل تقتضي القتل في إطار العقل والمنطق والطبيعة ,
ــ والقتل للحيوانات محرم  كذلك , ما لم تتسبب في أذى أو ضرر , والصبر عــــــــــلى أذاها وضررها أفضل إن لم يكن من النوع الذي يمس النفس البشرية ويلحق بها الموت كالأفاعي, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : (( حتى الطائر يقف على رأس قاتله يوم القيامة يقول يا ربي قتلني هذا بغير حق فخذ لي بحقي منه فيقتص منه ..)) يا الهي رحمتك ..
ما يهمني في هذا الموضوع أكثر هو هذه الحركات الإرهابية القاتلة المجرمة السفاحة التي شوهت الإسلام في أنظار العالم أجمع .
من أفتى لها  بالجهاد ؟ و من أجازه لها ؟؟ و ما هي النصوص المعتمدة لديها ؟؟ إن أي إرهابي تطرح عليه هذا الأسئلة سيجيب فورا محتجا بالآية الكريمة : (( قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ..)) إنهم يسمونها آية السيف , و يزعمون أنها ناسخة لــ: (124 ) آية  , وهذه الآية الكريمة مظلومة ظلما كبيرا , فهي لا تخاطب الإرهابيين والجماعات المتشددة أبدا  , ولا علاقة لها بهم , إنما هي تخاطب الأمة ممثلة في شخص إمام المسلمين الأعظم الخليفة الشرعي لرسول الله , وفي غيابه يمكن أن نقول أنها تخاطب حكّام الدول الإسلامية , وقد بينا في مقالة لنا سابقة أن الخطاب القرآني الوارد بضمير الجمع المخاطب , إنما هو موجه للأمة في شخص رئيسها , تؤجر الأمة جميعا إن فعل و يأثم هو فقط إن لم يفعل , و هو أدرى متى يقدم ومتى يحجم ..
إن الجهاد ما فُرض على الرسول و صحبه إلاّ لأن الكفار حالوا بينه وبين تبليغ  الدعوة , ولو تركوا له حرية الدعوة إلى الله وجادلوه بالحسنى لما كان الجهاد شرع في الإسلام  أصلا , ولا كان سيكون إلا لرد الغاصب لأرض المسلمين , وتلك أيضا قضية يفرضها العقل والطبيعة .
إن الجهاد الذي تتبناه الحركات الإرهابية ضد الغرب هو غير مؤسس شرعا وغير جائز , فالغرب أعطى الحرية في التواصل بين أبنائه وأبناء المسلمين , بل نحن مدينون لهذا الغرب كثيرا, فبفضله نتواصل اليوم , ونبلغ  ديننا للناس كافة , ونتحاور مع أبنائه في عقر دارهم ونحن في بيوتنا ننعم ببرد المكيفات ..
ــ إن الخروج عن الحاكم غير جائز في الإسلام , ما لم  يأمر بترك الصلاة , ذلك ما يراه  الراسخون في العلم .. وهم موفقون من وجهة نظرنا حتى لا نقع في وضع ألعن وأسوأ , فلا يجوز في الشريعة الإسلامية تغيير منكر بمنكر أكبر منه أو مساو له , ثم  أنه لا توجد نعمة أكبر من نعمة الأمن والأمان ..
إننا في زمن مختلف  عن القرن الأول وما تلاه ولا يمكن أن يدعي أحد فيه الأفضلية من  غيره دينيا , فنحن في الهم سواء . حــــــكامنا وأولي أمرنا هم منا و نحن منهم , نعرفهم ويعرفوننا , ونعرف آباءهم وأجدادهم ـ وهذا ما ينبغي أن يكون ـ وهمّنا هو همهم , و مشاكلنا ومعاناتنا هي مشاكلهم ومعاناتهم  سواء, والواجب يقتضي أن نتعاون جميعا يدا واحدة و كيانا واحدا للتوعية الشاملة بالكلمة الطيبة الصادقة والمعاملة الحسنة والصدق في العمل و الإخلاص لله والوطن والأمة , العالم العربي والإسلامي ليسا  في حاجة إلى سلاح واقتتال , إنما هما  في حاجة إلى وعي و تعليم و تثقيف , و من يحب وطنه و أمته  فليجاهد بالحكمة والموعظة الحسنة وليجادل بالتي هي أحسن، وليحمل قلما لا بندقية ..
ديننا في الزمن الحاضر لا يطلب أكثر من توفير أجواء الأمان والحرية لتبليغه , وهما متوفران , إن قوته في ذاته , و ليست في سلاح معتنقيه , هذه حقيقة يجهلها العديد من أدعياء العلم الشرعي . إن الجماعات الإرهابية هي التي تتسبب في انعدام الأمن والحرية فهي اكبر معيق لانتشار الإسلام . ولا أعتقد إلا أنها صناعة  أعداء الله , فما مستفيد منها غيرهم , وهذه حقيقة يجهلها أيضا العديد من أدعيا العلم الشرعي ..
الخلاصة هي أن كل جهاد في بلاد المسلمين محرم , إلا ما كان لتحرير الأرض الإسلامية المغتصبة , أو لإسقاط  الأنظمة المتعاونة جهارا نهارا مع الكيانات المغتصبة للأرض الإسلامية .
.
بقلم محمد الفضيل جقاوة
05/08/2019



 
Top