GuidePedia



رسل سعد بن ابي وقاص الى رستم

ــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي - العراق- 1-11-2019
سار سعْد بن أبي وقاص بالجيش متمهلاً، وكان إذا مرَّ بحيٍّ من أحياء العرب نَدَبهم إلى الجِهاد. وكان المثنَّى بن حارثة قد انسحب من الحيرة، ونزل مع جنده بذي قار، ينتظر وصولَ سعد بن أبي وقَّاص إليه، فلمَّا وصل سعدٌ بالجيش إلى مكان يقال له "زرود" انتفض جُرْح المثنَّى بن حارثة، الذي أصابه يوم الجِسْر، فمات قبل أن يَلْتقي بسعد، وكان كلُّ واحد منهما مشتاقًا لرؤية صاحبه، واصَل سعد سيرَه، حتى بلغ مكانًا يقال له "شراف" فعَسْكر به. قدم المثنى بن حارثة الشيباني بوَصية أخيه إلى سَعْد وهو بـ"شراف"، وكان من وصية المثنَّى لسعد: ألاَّ يتوغَّل في بلاد الفُرْس، وأن يقاتلَهم على حدود أرْضهم، على أدْنى حجر من أرض العرب، وأدنى مَدَرة من أرض العجم، وقد أكَّد عمر ذلك في كتابٍ وصل إلى سعد وهو بـ"شراف".
كتب عمر إلى سعد وهو بـ"شراف" يأمره بنزول "القادسية"، وأن يأخذَ الطرق والمسالك على الفُرْس، وأن يجعل على أنْقاب "القادسية" مسالح لحراسة المسلمين، ومراقبة العدو، وأمَرَه أن يلزم مكانَه في "القادسية" فلا يَبرحْه، وأن يبدأهم بالشدِّ والضرب، وأن يصف له "القادسية"، ويكتب له بأخباره وأخبار عدوِّه كأنَّه ينظر إليه، وأمَره أن يكون محتاطًا حذرًا، مستعدًا للقاء عدوِّه .
سار سعْدٌ بالجيش من "شراف"، فنزل "العُذَيْب"، ثم سار حتى نزل "القادسية"، فعسكر على حائط "قديس"، بحيال القنطرة، وجعل الخندق وراءَه. انضمَّ إلى سعد في "القادسية" جندُ المسلمين وقادتهم في العراق، فأصبح عددُ جيش المسلمين في القادسية قريبًا من ستة وثلاثين ألفًا، منهم ثلاثمائة من الصحابة، منهم بِضعة وسبعون من أهل بدر، وسَبْعمائة من أبناء الصحابة، وعدد مِن أعلام العرب وقادتهم وفرسانهم ، يُعدُّ جيش المسلمين في "القادسية" أكبرَ جيش عبَّأه المسلمون لفتْح بلاد العراق .
ظلَّ سعدٌ مقيمًا بالقادسية شهرًا دون أن يرى أحدًا من الفُرْس، فأرسل عددًا من السرايا تُغير على شاطئ الفرات ما بين "كسكر"، و"الأنبار"، وتعود بالغنائم، أراد سعد أن يعلم خبرَ عدوِّه، فأرسل عيونًا إلى "الحيرة"؛ ليأتوه بخبر الفُرْس، فذهبوا إلى هنالك ورجعوا إليه، وأخبروه بأنَّ مَلِك الفرس "يزدجرد" قد أعدَّ جيشًا كبيرًا لمنازلة المسلمين وطَرْدِهم من العراق، وقد هيَّأ لهذا الجيش كلَّ ما تملكه دولةُ فارس من عَدد وعُدَّة وعتاد حربي، وضمَّ إليه خِيرةَ رجال الفرس وقادتهم العسكريين، أمثال: الجالينوس والهرمزان، ومهران رازي والبيرزان، وبهمن جاذويه، وغيرهم، وأسند قيادةَ هذا الجيش إلى رستم بن الفرَّخزاد الأرمني . كتب سعدٌ إلى أمير المؤمنين عُمرَ يصف له "القادسية" وما جاورها من البلدان، ويخبره أنَّ جميع مَن صالح المسلمين قبله من أهل السواد ألْبٌ لأهل فارس قد خفُّوا لهم، واستعدوا لقتالنا، ويخبره أيضًا أنَّ الفُرْس قد أعدُّوا جيشًا بقيادة رستم وأضرابه، وعسكروا في "ساباط" يحاولون إنغاضنا وإقحامنا، ونحن نحاول إنغاضهم وإبرازهم، وأمرُ الله بعدُ ماضٍ،
تتابعتْ تعليمات عمر لسعد بن أبي وقاص كأنه يُدير المعركة، ويتحكَّم في حركة الجيش وسعد يُنفِّذ ما يُؤمر به ، فقد كتب عمر لسعد يقول: "لا يكربنَّك ما يأتيك عنهم، ولا يأتونك به، فقد أُلْقي في رُوعي أنكم إذا لقيتم العدوَّ هزمتموهم، فاطرحوا الشك، وآثروا اليقين عليه، واستعِنْ بالله وتوكَّل عليه"، وأمره الوفاء بالعهد، وحذَّره من الغَدْر وعاقبته، وأمره أن يبعثَ إلى ملك الفُرس وفدًا من أهل الرأي والمناظرة والجلد، يدعونه إلى الإسلام
سرايا سعد أبي وقاص قبل القادسية:
1- القائد سعد بن أبي وقاص؛ يبعث بسرية إلى النجاف (النجف)، حيث استلقت هذه السرية ثلاثمائة دابة بين بغل وحمار وثور، وكميات كبيرة من الأسماك قام باصطيادها العدو، فحمّلها اسواد بن مالك على الدواب وعاد بها القادسية، وسمي هذا اليوم بيوم الحيتان.
 2- سعد بن أبي وقاص؛ يبعث بسرية إلى نصارى العرب من تغلب والنمر، فتصيب إبلاً لهم، وتستولي عليها وعلى من فيها، ثم تعود سالمة غانمة إلى القادسية، فقام المسلمون بنحرها في الناس وأخصبوا بها.
أرسل سعد إلى المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر وقرفة بن زاهر التيمي ثم الواثلي ومذعور بن عدي العجلي، والضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي – وكان من دهاة العرب– فقال: إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم؛ فما عندكم؟ قالوا جميعاً: نتبع ما تأمرنا به، وننتهي إليه؛ فإذا جاء أمكر لم يكن منك فيه سيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس؛ فكلمناهم به.

- فقال سعد: هذا فعل الحزمة، اذهبوا فتهيؤوا، فقال ربعي بن عامر: إن الأعاجم لهم آراء وآداب، ومتى نأتهم جميعاً يروا أنل قد احتفلنا بهم! فلا تزدهم على رجل؛ فمالؤوه جميعاًعلى ذلك، فقال: فسرحوني، فسرحه، فخرج ربعي ليدخل على رستم عسكره، .... فكلمه، فقال: ما جاء بكم قال: الله ابتعثنا، والله جاء بنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه يليها دوننا، ومن أبى قاتلنا أبداً؛ حتى نفضي إلى موعود الله.

- قال: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي. فقال رستم: قد سمعت مقالتكم؛ فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا! قال: نعم، كم أحب إليكم؟ أيوماً أو يومين؟ قال: لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا. وأراد مقاربته ومدافعته، فقال: إن مما سن رسول الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا، ألا نمكن الأعداء من آذاننا، ولا نؤجلهم عند اللقاء أكثر من ثلاث، فنحن مترددون عنكم ثلاثاً، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل، اختر الإسلام وندعك وأرضك، أو الجزاء، فنقبل ونكف عنك؛ وإن كنت عن نصرنا غنياً تركناك منه، وإن كنت إليه محتاجاً منعناك؛ أو المنابذة في اليوم الرابع؛ ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا تبدأنا؛ أنا كفيل لك بذلك على أصحابي وعلى جميع من ترى.
 - قال: لا؛ ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض؛ يجير أدناهم على أعلاهم. فخلص رستم برؤساء أهل فارس، فقال: ما ترون؟ هل رأيتم كلاماً قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل؟ قالوا: معاذ الله لك أن تميل إلى شيء من وتدع دينك لهذا الكلب! أما ترى ثيابه! فقال: ويحكم لا تنظروا إلى الثياب؛ ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة؛.... فلما كان من الغد بعثوا أن ابعث إلينا ذلك الرجل؛ فبعث إليهم حذيفة بن محصن، ... ما بالك جئت ولم يجيء صاحبنا بالأمس؟ قال: إن أميرنا يحب أن يعدل بيننا في الشدة والرخاء؛ فهذه نوبتي.
 - قال: إن الله عز وجل من علينا بدينه؛ وأرانا آياته، حتى عرفناه وكنا له منكرين. ثم أمرنا بدعاء الناس إلى واحدة من ثلاث؛ فأيها أجابوا إليها قبلناها... حتى أغضبهم وأغضبوه فلما كان من الغد أرسل: ابعثوا إلينا رجلاً، فبعثوا إليهم المغيرة بن شعبة.
  ثم دعا رستم بالمغيرة، فجاء حتى جلس على سريره، ودعا رستم ترجمانه -وكان عربياً من أهل الحيرة، يدعى عبود- فقال له المغيرة: ويحك ياعبود! أنت رجل عربي؛ فأبلغه عني إذا أنا تكلمت كما تبلغني عنه.
  فقال له الغيرة مثل مقالته، إلى إحدى ثلاث خلال كالتي ذكرناها من قبل. فقال رستم: لا صلح بيننا وبينكم. قال الطبري: ثم أرسل إليهم سعد بقية ذوي الرأي جميعاً، وحبس الثلاثة، فخرجوا حتى أتوه ليعظموا عليه استقباحاً، فقالوا له: إن أميرنا يقول لك: إن الجوار يحفظ الولاة، وإني أدعوك إلى ما هو خير لنا ولك، العافية أن تقبل ما دعاك الله إليه، ونرجع إلى أرضنا، وترجع إلى أرضك وبعضنا من بعض؛ إلا أن داركم لكم، وأمركم فيكم؛ وما أصبتم مما وراءكم كان زيادة لكم دوننا؛ وكنا عوناً على أحد إن أرادكم أو قوي عليكم.
   واتق الله يارستم؛ ولا يكونن هلاك قومك على يديك، فإنه ليس بينك وبين أن تغبط به إلا أن تدخل فيه وتطرد به الشيطان عنك؛ فقال: إني قد كلمت منكم نفراً، ولو أنهم فهموا عني رجوت أن تكونوا قد فهمتهم، وإن الأمثال أوضح من كثير من الكلام ثم استرسل رستم في الكلام إلى أن قال: أتعبرون إلينا أم نعبر إليكم؟ فقالوا: بل اعبروا إلينا، فخرجوا من عنده عشياً، وأرسل سعد إلى الناس أن يقفوا مواقفهم، وأرسل إليهم: شأنكم والعبور فأرادوا القنطرة، فأرسل إليهم لا ولا كرامة! أما شيء قد غلبناكم عليه فلن نرده عليكم؛ تكلفوا معبراً غير القناطر، فباتوا يسكرون العتيق حتى الصباح بأمتعتهم.
ذكرمحمد بن جرير الطبري في تاريخه تاريخ الأمم والملوك عند ذكره لأحداث سنة 14 للهجرة وفيها كانت معركة القادسية (أن سعد بن أبي وقاص لما جاءه أمر عمر بن الخطاب فيهم أي في أهل فارس جمع نفراَ عليهم نجار ولهم آراء ونفراَ لهم مناظر وعليهم مهابة ولهم آراء فأما الذين عليهم نِجار ولهم أراء ولهم إجتهاد فالنعمان بن مقرّن وبُسر بن أبي رُهم وحملة بن جُوية الكناني وحنظلة بن الربيع التميمي وفرات بن حيان العجلي وعدي بن سهل والمغيرة بن النباش بن حبيب وأما الذين لهم منظر لأجسامهم وعليهم مهابة ولهم آراء فعطارد بن حاجب والأشعث بن قيس والحارث بن حسان وعاصم بن عمرو وعمرو بن معد يكرب والمغيرة بن شعبة والمعنى بن حارثة , بعثهم دعاة الى الملك
يقول بعض سبيا القادسية ممن أسلم وحسُن إسلامه وحضر هذا اليوم الذي قدم فيه وفود العرب قال : وثاب اليهم الناس ينظرون اليهم ، فلم أر عشرة قط يعدلون في الهيئة ألف غيرهم ، وخيلهم تخبط ويوعد بعضها بعضاً  وجعل أهل فارس يسوءهم ما يرون من حالهم وحال خيلهم ، فلما دخلو على يزدجرد أمرهم بالجلوس ، وكان سيىء الأدب فكان أول شيء دار بينهم أن أمر الترجمان بينه وبينهم فقال : سلهم مايسمون هذه الأردية ؟ فسأل النعمان – وكان على الوفد- ماتسمي رداءك ؟ قال البُرد فتطير وقال (برد جهان) وتغيرت ألوان فارس وشق عليهم ثم قال سلهم عن أحذيتهم ، فقال ماتسمون هذه الأحذية؟ فقال النعال ، فعاد لمثلها فقال (ناله ناله) في أرضنا ثم سأله عن الذي في يديه فقال : سوط والسوط بالفارسية الحريق فقال أحرقوا فارس أحرقهم الله ! وكان تطيره على أهل فارس ، وكانوا يجدون من كلامه
ثم قال الملك : سلهم ما جاء بكم؟ وما دعاكم الى غزونا والولوع ببلادنا؟ أمن أجل أنا أجممناكم ، وتشاغلنا عنكم ، إجترأتم علينا! ، فقال النعمان بن مقرن : إن شئتم أجبت عنكم ومن شاء آثرته 0فقالو ، تكلم وقالوا للملك : كلام هذا الرجل كلامنا ، فتكلم النعمان فقال : أن الله رحمنا فأرسل إلينا رسولاً يدلنا على الخير ويأمرنا به ، ويعرفنا الشر وينهنا عنه ووعدنا على إجابته خير الدنيا والآخرة فلم يدعُ الى ذلك قبيلة الا صاروا فرقتين فرقة تقاربه وفرقة تباعده ولا يدخل معه في دينه إلا الخواص فمكث بذلك ماشاء الله أن يمكث ثم أمر أن يمبذ الى من خالفه من العرب ويبدأ بهم وفعل فدخلوا معه جميعاً على وجهين : مكره عليه فاغتبط ، وطائع أتاه فازداد فعرفنا جميعاً فضل ماجاء به على الذي كنا عليه من العداوة والضيق ، ثم أمرنا أن نبدأ بمن يلينا من الأمم فندعوهم الى الإنصاف ، فنحن ندعوكم الى ديننا وهو دين حسّن الحسن وقبّح القبيح كله فإن أبيتم فأمر من الشر هو أهون من آخر شر منه الجزاء فإن أبيتم فالمناجزة فإن أجبتم الى ديننا خلفنا فيكم كتاب الله وأقمناكم عليه على أن تحكموا بأحكامه ونرجع عنكم وشأنكم وبلادكم وإن أتقيتمونا بالجزاء قبلنا ومنعناكم وإلا قاتلناكم
قال فتكلم بزدجرد فقال: إني لا أعلم في الأرض أمة كانت أشقى ولا أقل عدداً ولا أسوأ ذات البين منكم قد كنا نوكّل بكم قرى الضواحي فيكفونناكم لاتغزوكم فلرس ولاتطمعون أن تقوموا لهم فإن كان عدد لحق فلا يغرنكم منا وإن كان الجهد دعاكم فرضنا لكم قوتاً الى خِصبكم و أكرمنا وجوهكم وكسوناكم وملكنا عليكم ملكاً يرفق بكم فأسكت القوم فقام المغيرة بن زرارة بن النباش الأسيدي فقال : أيها الملك أن هؤلاء رؤوس العرب ووجوههم وهم أشراف يستحيون من الأشراف وإمنا يكرم الأشراف الأشراف ويعظم حقوق الأشراف الأشراف ويفخم الأشراف الأشراف وليس كل ما أرسلوا به جمعوه لك ولا كل ما تكلمت به أجابوك عليه ولا يحسن بمثلهم إلا ذلك فجاوبني لأكون الذي أبلغك ويشهدون على ذلك إنك قد وصفتنا صفة لم تكن بها عالماً فأما ما ذكرت من سوء الحال فما كان أسوء حالاً منا وأما جوعنا فما كان يشبه الجوع كان نأكل الخنافس والجعلان والعقارب والحيات فنرى ذلك طعامنا وأما المنازل فإنما هي ظهر الأرض ولا نلبس إلا ماغزلنا من أوبار الإبل وأشعار الغنم ديننا أن يقتل بعضنا بعضاً ويغير بعضنا على بعض وإن كان أحدنا ليدفن إبنته حية كراهية أن تأكل من طعامنا فكانت علنا قبل اليوم على ماذكرت لك فبعث الله إلينا رجلاً معروفاً نعرف حسبه ونعرف وجهه ومولده فأرضه خير أرضنا وحسبه خير أحسابنا وبيته أعظم بيوتنا وقبيلته خير قبائلنا وهو بنفسه كان خيرنا في الحال التي كان فيها أصدقنا وأحلمنا فدعانا الى أمر فلم يجبه أحد قبل ترب كان له وكان الخليفة من بعده فقال وقلنا وصدق وكذبنا وزاد ونقصنا فلم يقل شيء إلا كان فقذف الله في قلوبنا التصديق له وإتباعه فصار فيما بيننا وبين رب العالمين فما قال لنا فهو قول لله وما أمرنا فهو أمر الله فقال لنا إن ربكم يقول : إني أنا الله وحدي لاشريك لي كنت إذ لم يكن شيء ، وكل شيء هالك إلا وجهي وأنا خلقت كل شيء وإلي يصير كل شيء وإن رحمتي أدركتكم بعثت إليكم هذا الرجل لأدلكم على السبيل الذي أنجيكم بها بعد الموت من عذابي ولأحلكم داري ، دار السلام ، فنشهد أنه جاء بالحق من عند الحق وفال: من تابعكم على هذا فله ما لكم وعليه ما عليكم ومن أبى فاعرضوا عليه الجزية ثم امنعوه مما تمنعون منه أنفسكم ومن أبى فقاتلوه فأنا الحكم بينكم فمن قتل منكم أدخلته جنتي ومن بقي منكم أعقبته النصر على من ناوأه ، فاختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر وإن شئت فالسيف أو تسلم فتنجي نفسك فقال (الملك ) أتستقبلني بمثل هذا !فقال ما أستقبلت إلا من كلمني ولو كلمني غيرك ما استقبلتك به فقال لولا أن الرسل لاتُقتل لقتلتكم ، لا شيء لكم عندي وقال أتوني بوقر من تراب ، فقال أحملوه على أشرف هؤلاء ثم سوقوه حتى يخرج من باب المدائن ، أرجعوا الى صاحبكم فأعلموه أني مرسل إليكم رستم حتى يدفيكم ويدفيه في جندق القادسية وينكل به وبكم من بعد ثم أورده بلادكم حتى أشغلكم في أنفسكم بأشد مما نالكم من سابور
ثم قال من أشرفكم ؟ فسكت القوم ، فقال عاصم بن عمرو ، وافتات ليأخذ التراب : أنا أشرفهم أنا سيدهؤلاء فحملنيه فقال أكذاك ؟ قالوا نعم فحمله على عنقه فخرج به من الإيوان والدار حتى أتى راحلته فحمله عليها ثم أنجذب في السير فأتوا به سعداً وسبقهم عاصم فمر بباب قديس فطواه فقال يشروا الأمير بالظفر ظفرنا إنشاء الله ثم مضى حتى جعل التراب في الحِجر ثم رجع فدخل على سعد فأخبره الخبر فقال : أبشروا فقد والله أعطانا الله أقاليد ملكهم
وجاء أصحابه وجعلوا يزدادون في كل يوم قوة ويزداد عدوهم في كل يوم وهناً وأشتد ما صنع المسلمون وما صنع الملك من قبول التراب على جلساء الملك وراح رستم من ساباط الى الملك يسأله عما كان من أمره وأمرهم وكيف رآهم فقال الملك : ما كنت أرى أن في العرب مثل رجال رأيتهم دخلوا علي وما أنتم بأعقل منهم ولا أحسن جواباً منهم وأخبره بكلام متكلمهم وقال لقد صدقني القوم لقد وعد القوم أمراً ليدركنه أو ليموتون عليه على أني وجدت أفضلهم أحمقهم لما ذكروا اللجزية أعطيته تر اباً فحمله على رأسه فخرج به ولوشاء أتقى بغيره وأنا لا أعلم
فقال رستم أيها الملك إنه لأعقلهم وتطير الى ذلك وأيصرها دون أصحابه
المصادر
ــــــــــ
1-الطبري - تاريخ الملوك والرسل
2-ابن الاثير - الكامل في التاريخ
3-ابن كثير - البدايه والنهاية
4-د.جميل المصري - تاريخ الدعوة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم
5-المسعودي - مروج الذهب
6-احمد بن يحي - فتوح البلدان
7-ابن حبان - السيرة النبوية
 
Top