المفرجي الحسيني
أكـــفان مـن الكـــلمات المـــيتة
----------------------------------
قالوا لي في غربتي ارجع، للوطن للأمان، للرزق المبذول حتى للجياع، ما زلت مثلما أتيت يا وطني منذ عام (ساحتك)، يشوقني سوح الوطن، ملاعب الأطفال ومرتع الشباب، ولكن الزمان ذو استبداد، وأنت يا وطني في خضمك الجسور لا تمل الانتظار وعودة الأحباب، يخترق وجداني وأنفاسي، صوتك المكابر يقتلع مجتثاً صمتي مفجراً في قلبي الحنين، وفي دمي يقتتل البحَّار والموجة الهوجاء ويستغيث المجرم القاتل في قبضة الشهيد، ـ هل من مغيث، وهل كنت تغيث أحداً يا ابن اللئام، ـ أنت يا وطني أنت، أنت لم تزل أنت في أعالك تعانق المجد التليد وأنا وأنت نغوص في قلبي ونعانق الشرف الرفيع ونغوص في قلبك اللاهب نيراناً وهدير، قلبك يا وطني المفدى لنا بلا جزر، بلا سواحل، بلا جسور، يا وطني من صوتك الهيَّاب الجيَّاش بالمتون، بالآلام، بالعذاب، أركب الموج العاتي وأتمسك بقيعان السفن وأصيح بقوافل الفقراء المستضعفين، هيا أيها الأحباب اصنعوا من ضلوعكم سفن العودة للحنين، ومن دمائكم جسراً لكل سجين، اصنعوا من جلودكم من عظامكم معابر للشمس، للناي، للمزمار، للفرح، للسرور، ولتصرخ نسورنا في أعالي الجو ومع الرياح العاتيات والأمواج، والصخور الراسيات، سنعود ونعود.
قل لي يا مهاجر يا صديقي الحميم، لم أراك متسربلاً متشحاً برداء من الكلمات، بتاريخ من الكلمات بدمع على الوجنات غزير، هل هذا ظمأ بديل؟ قل لي هل نغادر إلى وطن حبيب؟ مستقبل مضيء؟ قل لي يا حميم لم أراك منطفئ وفي كفك جرح من التواصل بعيد؟ لو طلبت دمي لأحرقته لك وأشعلت الكلمات! قل لي لم ذلك كالوجع فيك؟ كيف انهار فيك الصمت، والدم والشباب؟ نحن رغبة سنعود، هنا الأحبة، هنا قلادة الذكرى، سنعود نعانق الهوى والأشياء، ونطبع قبلة على أنامل الوطن، سنعود، يا صديقي الحميم وجهك غيَّرني علَّمني الصبر والتمهل، ولعبة الحساب، لقد علمتني كيف أن البحر يخذلنا، وكيف يعيدنا حلمنا إلى التراب! يا حميم في الغربة تعلّم قلبي البكاء بلا بكاء، يا صديقي أراك مكتفنا بكلمات ميتة، ومذعوراً من أحلامنا التي قد تأتي وأنت بلا دثار ومغلوباً على أمرك. عندما يجيء الأحبة للسفر، تسافر عيناك في النسيان، يا حميم، أنهاجر، أم نعود للوطن وللأحبة الأخيار؟ قل لي يا حميم لم لا أرَ صوتك يغني ويعانق الغيوم؟ أصابعك لا تقوى على اللحن وزندك لا يعانق العود، لم وجهك متجهم لا يهب النور والضياء المستحيل، علام يا حميم تقتلك الغربة والرحيل، والحلم وهَّاج كزنبقة، كريح النسيم؟ خوف يجيء وحلم لذيذ، عذب كالوردة يصير، تحت أشعة بلادي نموت يا حميم دون منازل الهجرة والترحال الطويل، يا حميم كيف تسند خدك الذي أمرضه الذل والصمت الطويل؟ كفى يا حميم، لا أرتل لك ولا أغني، كل شهداء الأرض يورقون في ليلة الدماء والأكف البيض. ما لمست جبيناً متعباً ولا عار، سواعدٌ ارتفعت فوق أسوار الدهور، يا وطني، يا وطن الثرى آتيك مع الحميم معتصماً بحبك، مرتدياً خوفي وآلام السنين، آتيك مقتولاً ملفوفاً بالكلمات يا وطني أعرف كل جرح فيك، وأعرف إنك الشوق، وإنك اللهب الحميم، وتظل رمالك تهتز بلا اتجاه، آه يا وطني الحميم.
*********
المفرجي الحسيني
اكفان من الكلمات الميتة
العراق/بغداد
31/5/2021