GuidePedia

 الأمنية المستحيلة ...

ووسائل تحققها...

في ومضة ...

(دنت القطوف )


للمبدعة الدكتورة : رواء العلي

قراءة : د. أحمد بدير


تقول الومضة....

دنت القطوف

فكيف أستقبلها؟

هل دنت بداية خريفها؟

ليتني أمتلك أفقا

من السنابل لأحتضنها

وبجميع اللغات أكتبها

فحنجرتي المملوءة

غريقة بأوراقها

شجرة من الكلمات أرسمها

لأستظل القادم من ربيعها.


بداية ...

أود أن أشير إلى أنني قرأت كثيرا للمبدعةالرائعة الدكتورة الفاضلة : رواء العلي...

وحاولت جاهدا في كل مرة أن أترجم قراءاتي إلى كلمات مكتوبة ولكنني كنت أتراجع في آخر لحظة للخصوصية الشديدة في كتاباتهاحيث تتميز ...

بالإيجاز الشديد والتركيز ...وعق التجربة...وقوة التعبير ...والغوص في أعماق المعاني لاستخراج دررها ...والجمع بين المتباعدات في عقد واحد لتكون كلماتها كاللؤلؤ ابهارا تسحر بهاالقاريء والسامع بجمال بيانها وروعة تصويرها...

ونحن الان أمام ومضة من هذه الومضات التي تحمل بين ثناياها كل ماسبق ...

لذا سأحاول الوقوف علي ساحل شاطئها المفعم بالمعاني والصور للإشارة إلى بعض دلالاتها الرمزية دون الغوص في غمارها لان ذلك يحتاج الي دراسة مستفيضة ...


وقد مهدت المبدعة لأمنيتها ووسائل تحقيقها بأمور منها


1 - براعة الاستهلال حيث بدأت ومضتها بجملة افتتاحية شديدة الإيجاز والتركيزوهي جملة (دنت  القطوف )وجاءت جملة خبرية لإفادة التقريروالتثبيت والتمكين وبداتها بالفعل الماضي (دنت )ليفيد تحقق الحدوث والوقوع فدنوها أمر حادث محقق لايشك فيه احد ، واختيار (دنت)دون (قربت )للدلالة علي أن هذه (القطوف )في المتناول دائما وأنها لم تكن بعيدة يوما لتقترب بل هي دائمة الدنو ، حتي وإن ظهر للغير بعدها الحسي فهي ملتصقة بالروح ، والدنو الروحي أسمي وأقدس وادوم من الحسي

وفيه مسرة وبهجة تملان القلب، وفرحة وسعادة تسيطران على الوجدان فقد أخذ من الدنيا زينتها وجاذبيتها...


ثم جاء التعبير ب ( القطوف)دون (الثمار )للدلالة علي تنوعهاوكثرتهاوتفاوت مواضعها واحجامها ...

وفي إسناد (الدنو )ل( القطوف )استعارة حيث شبهت القطوف بفتاة جميلة تدنو من حبيبها وسر جمالها التشخيص حيث أضفت المبدعة علي عناصر الطبيعة صفات الأشخاص...


2- الاستفهام ب (كيف ) ودلالته علي الحال فكأن المبدعة حينما شاهدت هذا (الرمز )وهو (دنت القطوف )بجمال الدنو وجلاله تساءلت في نفسها عن الحالة التي يمكن ان تستقبله بها ...

وفي التعبير بالمضارع (أستقبلها)للدلالة علي التجدد والحدوث فكأن الدنو في كل مرة مختلف عن سابقه ولاحقه ، فله في كل لحظة شأن عجيب وهذا ماسبب حيرة المبدعة والتي عبرت عنها بسؤالها (كيف أستقبلها)؟

 ثم خرجت من دهشتها وحيرتها بعد أن نطقت بأداة الاستفهام (هل )والتي وجدت بعدها إجابة يمكن ان تكون شافية لحيرتها وهي جملة (دنت بداية خريفها )

فكأنها بعدنطقها لهذه الجملة تيقنت تماما من هذا التغير ،لان (بداية الخريف ) فيها من الذوابع وتغير الأحوال وتبدلها مايلفت النظر...

فكأنها تحاول 

 - وهي الحكيمة - التي  عركتها الحياة وتعلمت من تجاربها ان تلفت نظر القاريء والسامع إلي إحساسها القوى والذي جعلها تطلق امنيتها في قولها:-


ليتني أمتلك أفقا 

من السنابل لأحتضنها 

وقد جاءت ب (ليت ) في اول جملتها لتبين أن أمنيتها محببة إلى نفسها ومسيطرة على تفكيرها وكل مشاعرها وتتمني حصولها رغم استحالته...

لأن امتلاك أفق من السنابل فضلا عن احتضان المبدعة لهذا الأفق ليس في مقدور البشر...

وأظن أن المبدعة جعلت (أفقا من السنابل )كناية عما في قلبها ومايحمله من خير فكأنها (سنبلات يوسف عليه السلام )ففيها من الخير مافيها وأيضا من الجمال والجلال والنضارة والبريق مايتناسب مع مشاعر المبدعة الراقية ومع هذه الأمنية الغالية

لذا أخذت قرارها الصعب الذي لايستطيعه الا أصحاب الهمم العالية حينما قالت(وبجميع اللغات أكتبها ) فكأنها تريد أن يعرف العالم أجمع هذه الأمنية ، لذا ستبذل قصاري جهدها لتكتبها بجميع اللغات...


وتحقق هذه الأمنية - رغم استحالة حدوثها ظاهريا أمامنا- ليس بالأمر المستغرب علي المبدعة... لأن من يقرأ سيرتها الذاتية يعرف أنها امرأة المستحيل ، وأنها في كل شيء تفعله تقوم بتحويل المستحيل الي ممكن والدليل علي ذلك مافعلته في (لمة شمل) وهو ديوان يجمع بين دفتيه إبداعات شعراء عرب من المحيط إلى الخليج  استطاعت بكل اقتدار أن تحقق من خلاله ماعجزت عنه السياسة وهو توحيد الصف العربي ولم شمله ...


لذا فإن أمنيتها التي أطلقتها في ومضتها هذه إن كانت مستحيلة الحدوث عند بعض البشر بمقايسهم المحدودة فهي بمقاييس مبدعتنا وحساباتها ليست مستحيلة ...

وقد جاءت بوسائلها التي تقربها من الحدوث وامكانية تواجدها علي أرض الواقع فقالت : -

فحنجرتي المملوءة

غريقة بأوراقها

شجرة من الكلمات أرسمها


فقد تحول المستحيل إلي ممكن من خلال اقوالها التي تخرج من حنجرتهافترسم- هذه الأقوال - شجرة من الكلمات...

وقد.جاءت بها في صورة كلية لتؤكد علي مقدرتها الفائقة في تحقيق أمنيتها وتحويلها إلى واقع ملموس معاش وقد اجادت في اشتمال الصورة علي خطوطها الفنية الثلاثة من ( لون وصوت وحركة)

فجاء اللون في (شجرة)للتتآذر مع(السنابل) في تحقيق الخير والنماء والتفاؤل بجميل الأيام من خلال اخضرار الشجرة ولون الذهب في السنابل

وكلاهما رمز للفرح الذي سيحل علي المبدعة يتحقق هذه الامنية

ثم جاءت بها نكرة لتفخيم شأنها

فهي ليست كباقي الشجر بل هي شجرة مرسومة من الكلمات.


وجاء الصوت في (حنجرتي )وهو هنا في غاية العلو والانفعال لان الحنجرة ممتلئة به فخرج ليملا الكون وليقنع كل العالم بأمكانية تحقق الامنية


وجاءت الحركة في قولها (أرسمها )وجاءت بها في صيغة المضارع لتدل علي تفننها في رسمها وأن لها في كل لحظة ميلادا جديدا وصورة مبتكرة جاءت من خيالها الخصب لتجعل هذا الشجرة ممكنة الحصول.


وهذه الصورة كانت نتيجتها إيجابية فتحول المستحيل إلي ممكن والخريف إلى ربيع وتحققت الأمنية وصارت واقعا لذا ختمت ومضتها بقولها 

لأستظل القادم من ربيعها


دام التميز وجميل الابداع

 
Top