الاعلام في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ـــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي-العراق - 13-10-2019
الإعلام لغة من مادة علم، یعلم علما و یدل على أثر بالشيء یتمیز به فتقول أعلمته بكذا أي استشعرته و علمته تعلیما و العلم من صفات االله عز وجل فاالله العالم، العلیم العلام و العلم نقیض الجهل، ویقال إستعلم لي خبر فلان و أعلمیه حتى أعلمه و استعلمني الخبر فأعلمته إیاه و علمت الشيء أعلمه علماء عرفته و جاء في اللغة بمعنى التبلیغ یقال بلغني القوم بلاغا أي أوصلتهم الشيء المطلوب و البلاغ إیصال الشيء للمتلقي أو السامع لقوله صلى االله علیه وسلم ( بلغوا عني ولو
آیة و حدثوا عني بني إسرائیل و لا حرج و من كذب علي متعمدا فلیتبوأ مقعده من النار) و بلغ و أنبأ و بین و أوصل بمعنى أعلم و تعني إشاعة المعلومات و افهامها لهم وبثها و تعمیمها و نشرها و إذاعتها على الناس.و الإعلام غیر التعلیم لأن الإعلام إختص بما كان أخبارا سریعة و أما التعلیم فقد ینطوي على التكرار و التكثیر.و خلاصة القول في تعریف الإعلام لغة: تحصیل العلم عند المتلقي أو المخاطب،فقد یكون جاهلا به فیعلمه، و قد یكون عالما به فیثبت في ذهنه، فیحصل المقصود منه، والأصل هو تحقیق غایة العلم و هي حصول حقیقة للمتلقي
أما الإعلام اصطلاحا فقد تعددت التعاریف فیه و إختلفت في المضمون و الشمول
للإعلام حسب المفهوم المعاصر و ذلك لإختلاف التصورات و تباین الأفكار و تضاد الأهداف التي أنیطت بهذا العلم و بوسائله المعاصرة و الحدیثة و هي كثیرة جدا لكن تقتصر على التعریف الذي أخذ به الكثیر من الكتاب المعاصرین و قالوا بأنه أوضح تعر یف وهوتعریف العالم الألماني ( توجروت) حیث عرفه بأنه التعبیر الموضوعي لعقلیة الجماهیروروحها و میولها و إتجاهاتها في نفس الوقت.
أي أن الإعلام لابد أن یكون صادقا مجردا عن المیول و الأهواء غیر متحیز قائما
على أساس من التجربة الصادقة متمشیا مع الجمهور الذي یوجه إلیه
و الإعلام أیضا هو تزوید الناس بالأخبار الصحیحة و المعلومات السلیمة، و الحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوین رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات، بحیث یصیر هذا الرأي معتبرا موضوعیا عن عقلیة الجماهیر و إتجاهاتهم ومیولهم.
إن انتشار أي فكرة وظهور أي حزب وشيوع أي معتقد لا يتم إلا بتوفير القاعدة القوية من الإعلام...
ومن هنا لم يتوان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة، وإنما استخدم كل وسائل الإعلام وذللها لهذه المهمة، بل سارع في استخدام وسائل أو صور جديدة لتبليغ الدعوة ونشر الرسالة التي عهد الله بها إليه، وفي هذه الورقات نشير لنماذج من جهد رسول الله في إعلامه وإبلاغه لرسالة الإسلام..
ا كان الإعلام يتبع قوة الدولة وضعفها، فإذا قويت قوي إعلامها، وإذا ضعفت ضعف، فإن إعلام رسول الله تميز بين عهدين مكي ومدني وذلك تبعاً لقوة الدولة وكمال سيادتها.
أساليب الإعلام النبوي في العهد المكي:
العهد المكي عهد بداية وضعف وسرية ومسالمة، وقد تميز ذلك العهد عموماً باضطهاد الدعوة وأتباعها، ولذلك كان رسول الله يعتمد على تبليغ دعوته بالأساليب الفردية السرية، أو العاطفية والعصبية القبلية... ومن هذه الأساليب:
أ ـ الخطاب الدعوي الإعلامي المعتمد على العاطفة والعصبية القبلية:
إن أي خطيب إعلامي أو سياسي يرتكز لنشر أي فكرة أو أي خبر على قوة البيان الإعلامي عنده.. ورسول الله قد تخير أفضل السبل وأقوى الأساليب لمرحلة إعلان الجهر بالدعوة، كما وشح إعلانه بالخطاب العاطفي والعصبية القبلية مع الحملة الدعائية الصادقة لشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم .
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما نزلت " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " (الشعراء:214) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر! يا بني عدي! لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا.ً قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
ب ـ الاجتماعات السرية في العرض على القبائل:
لما يئس النبي صلى الله عليه وسلم من إيمان أهل مكة عمد لنشر الدعوة بطرق جديدة، فاختار لذلك عرض الدعوة على القبائل في موسم الحج، ولما أن هيأ الله تعالى له الأنصار من الأوس والخزرج فقبلوا الدعوة وآمنوا به بدأ النبي تحركه الدعوي والسياسي والإعلامي معهم في موسوم الحج، وكانت الاجتماعات بينه وبينهم تعقد سراً، وهذا ما تقوم به جميع حركات الإصلاح في العالم حيث تبدأ نشاطها سراً للتوعية والتحذير من وضع راهن أو مستقبل مخيف، وخاصة إذا لم تكن في موضع القوة والغلبة كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ج ـ الجهر بالقرآن الكريم على مسامع قريش :
روى أنه لما نزلت سورة (الرحمن علم القرآن) قال عليه السلام : لأصحابه من يقرؤها منكم على رؤساء قريش ، فتثاقلوا مخافة أذيتهم ، فقام ابن مسعود وقال : أنا يا رسول الله ، فأجلسه عليه السلام ، ثم قال : من يقرؤها عليهم فلم يقم إلا ابن مسعود ، ثم ثالثاً كذلك إلى أن أذن له ، وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته ، ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة ، فافتتح قراءة السورة ، فقام أبوجهل فلطمه فشق أذنه وأدماه ، فانصرف وعيناه تدمع ، فلما رآه النبي عليه السلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموما.(تفسير الرازي عند تفسير قوله تعالى : لنسفعن بالناصية)
د ـ السفراء ومهمة الإعلام والتعليم:
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بإيمان أصحاب العقبتين قبل الهجرة إلى المدينة، بل أراد أن يطمئن على نشر الدعوة وتهيئة الأجواء لرسوخ الدين وملاءمة الحال للهجرة، فأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة مع من أسلم من أهلها، سفيراً يبلغ الدعوة وينشر رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة
أساليب الإعلام النبوي في العهد المدني:
لما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بدأ عصر النهضة والقوة لدولة الإسلام، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بأساليب إعلامية جديدة تواكب عصر القوة والنهضة هذا، فبدلاً من الاجتماعات السرية في جوف الليل والخطب المتفرقة جعل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والأذان فوقه والخطبة في وضح النهار ... بل وجهر بدعوته أمام ملوك الأرض
1ـ وسيلة المسجد وخطبة الجمعة:
فقد كان النبي يوجه خطابه الدعوي والتربوي للأمة من خلالهما... حيث هما السبيل القويم لنشر الدعوة وتبليغ الرسالة
وهما أول وسيلتين استخدمهما النبي في هذا العهد الجديد، بل وقبل أن يدخل المدينة إذ كانت أول خطبة جمعة له في قباء بعد بناء مسجدها . وبذلك ينتقل إلى أسلوب الخطاب الجماعي واللقاءات العامة.
2-وسيلة الأذان:
الأذان لغة: الإعلام. واصطلاحاً: هو الإعلام بدخول وقت الصلاة .
والأذان دعوة صريحة في قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح لشهود الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم... وقد أجاب هذه الدعوة الصحابة فما كان يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق... ولقد كان يؤتى بالرجل يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ... وقد وفّر الأذان السبل لاجتماع الصحابة الكرام كل يوم خمس مرات مع صيحات الأذان، فإذا عقد الاجتماع المبارك هذا جاء دور النبي صلى الله عليه وسلم ليشرح للأمة قواعد بناء الدين والدنيا...وهكذا، فمن خلال الأذان نشر الدين وعمم
3ـ وسيلة المنبر الإسلامي:
استخدم الخطباء المنبر قديماً وحديثاً، فلا نكاد ترى خطبة إلا ولها منبر... ولقد سارع رسول الله في اتخاذ المنبر كي تكون الخطبة أوقع في النفس، لا سيما ما يصاحب المنبر من مكانه...، وما يصاحب حال رسول الله في خطبته... فجعل رسول الله المنبر الإسلامي في المسجد وسيلة إعلامية جديدة، وكان حال رسول الله في خطبته من انفعاله واحمرار عينه كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم .
وبلغ من اهتمام رسول الله بالمنبر ورسالته أنه وقف يخطب على جذع نخلة قبل أن يصنع له المنبر، وهذا تأكيد نبوي لدور المنبر وما يلقى عليه من بليغ النصح والإرشاد
4ـ وسيلة إرسال الكتب ومخاطبة الملوك :
ومن وسائل الإعلام النبوي مخاطبة النبي لملوك الدنيا وإرساله الكتب وبعث الرسائل إليهم، حيث بدأ النبي في العام السادس للهجرة بمخاطبة الملوك للدخول في الإسلام، وذلك بعد أنْ أمّن جانب قريش حين أبرم معها اتفاقية الصلح والسلام في الحديبية ، واتخذ الخاتم ليمهر به الكتب التي أرسلها إلى الملوك .
ومن يتأمل في كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجهة للملوك يعلم أن النبي قد دعاهم للانضمام لدولته العظيمة، فضلاً عن الاعتراف بها وهذا أقوى وأظهر للعيان لعزة ومكانة الأمة الإسلامية.
إن إرسال الكتب ومخاطبة الملوك هو إعلان وإعلام نبوي لدعوته المطهرة للدنيا بأسرها، فأين قنوات إعلامنا الإسلامي اليوم من مخاطبة أمم وشعوب ومسئولي الأرض.هذه نماذج من وسائل وأساليب الإعلام النبوي في حالة السلم في كل من مكة والمدينة
إعلام رسول الله الحربي:
ــــــــــــــ
من البديهي القول: إن اشتعال الحروب ونشوبها واستعار أوارها تغاير أحوالها حال السلم في أغلب الأمور... ومنها الإعلام... لذلك نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعلامه الحربي سبلاً تناسب مقام القتال والمعارك.. ونشير لبعض ذلك في هذه المطالب:
1ـ سبل التضليل الإعلامي زمن الحرب، "الحرب خدعة"
هذا المصطلح (الحرب خدعة) هو مصطلح نبوي حربي عسكري، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب وأرشد إليه نعيم بن مسعود رضي الله عنه بعدما هداه الله للإسلام، فأمره أن يخذل عن المسلمين ما استطاع وأذن له في التقول....
* كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم التورية في الحرب أيضاً، وذلك في غزوة بدر عندما ورّى عن الشيخ البدري الذي سأله عن قريش وأخبارها؟ فقال ذاك الشيخ: لا أخبرك حتى تخبرني من أنت: فقال له رسول الله: أخبرني أخبرك. فلما أخبره سأل النبي: من أنت؟ فقال له: ( نحن من ماء) ثم انصرف .
ولا زالت الدنيا إلى يومنا هذا تعمل بهذا المبدأ من الخداع والتمويه في الحروب، ولعل أقرب مثال مر بنا في عصرنا ما تناقلته وكالات الأنباء عن تزويد روسيا للعراق بأخبار الحرب الكاذبة من عدد للقوات والأسلحة وغير ذلك. فالتضليل الإعلامي في الحرب سبق فيه رسولُ الله قادة الحروب وإعلامييها بأسرهم... حرصاً على النصر، وللمحافظة على الأرواح كما فعل يوم الفتح ، يقول كعب بن مالك: كان رسول الله إذا أراد حرباً ورّى بغيرها .
2ـ إعلان الحرب من أجل الحرية والتحرر:
شاع في الآونة الأخيرة مصطلح الحرب من أجل التحرر أو الحرية أو استرجاع الحقوق، ولا داعي لضرب الأمثلة على ذلك فما حروب العصر الراهن إلا تحت هذا المسمى... ولو كانت كاذبة فيه.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم روح هذا المبدأ بحق وصدق، فكانت حروبه من أجل الحرية والتحرير واسترجاع الحقوق...
فمن غزوة بدر إلى فتح مكة، كانت حروبه صلى الله عليه وسلم وسراياه كلها تحافظ على هذا المبدأ وهذا الشعار... لا تخالفه أبداً.
ولعل أصدق مثال وأوضح شاهد على صدق رسول الله في شعاره الحرب من أجل الحرية : فتح مكة، فقد أعلن الحرية لأهل مكة بقوله لهم أمام البيت الحرام: اذهبوا فأنتم الطلقاء .... فما كانت حروبه للغنائم وجمع الأموال والأطماع في خيرات البلاد من نفط وغيره، بل كان يعطي من يحاربهم عطاء من لا يخشى الفقر...
3ـ وسيلة إرهاب العدو:
قال تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم ) (الأنفال : 60) وقد أعلن رسول الله في عمرة القضاء هذا المبدأ أيضاً عندما قال: "رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة" كما إن رسول الله أراد أن يعلم أبا سفيان قوة المسلمين في فتح مكة ويدخل في قلبه الرعب، فأمر أن يوقف به على ثنية على طريق المسلمين وهو ينظر إلى جيش المسلمين كتيبة كتيبة، فلما مرت به كتيبة رسول الله قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ فقال العباس بن عبد المطلب: هذا رسول الله في كتيبته الخضراء في المهاجرين والأنصار. فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة .
وما فعلته قوات التحالف في غزوها الأخير للعراق من محاولة إنزال الرعب بين صفوف العراقيين، والإعلان عن استخدام قوات التحالف الأسلحة الذكية أو الإشعاعات تحت الحمراء أو البنفسجية هو من هذا القبيل.
إذن، فأول مراحل النصر هي هزيمة العدو نفسياً وهي البشائر لهزيمته فعلياً وهذا ما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على فعله.... حيث سخر الإعلام للمعركة.
4ـ وسيلة نشيد الموت أو غناء النصر:
إذا كان الحداء يبعث بالجمال على الغذ بالسير، فإن الغناء أو النشيد بالحروب يبعث بالنفس على الثبات والإقدام... وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الوسيلة الإعلامية لنشر الروح المعنوية الداعية للثبات والإقدام، فارتجز رسول الله لنفسه بقوله عليه الصلاة والسلام:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب *
وذلك حين انكشف المسلمون في ساحة حنين، فرددها رسول الله مثبتاً من بقي من أصحابه معه. كما كان عليه الصلاة والسلام يحرص على التغني بالشعر والملاحم أثناء المعارك لأثرها البالغ في نفس المجاهد.... وهذا رسول الله يحض حسان بن ثابت على هجاء المشركين بقوله: "اهج المشركين فإن روح القدس معك ".
ومازالت العرب قديماً وحديثاُ تتفاخر بمعاركها وملاحمها مع أعدائها، ومن هذا القبيل تغنت الأنصار بيوم بعاث...
وما تردده وتبثه وسائل الإعلام أثناء المعارك والحروب من الغناء الحماسي والأشعار المهيجة من هذا الباب كي تدعو النفوس إلى الثبات والإقدام.
الإسلام هو دين الإعلام بامتياز، فقلما تجد دينًا في الدنيا يحظى بهذه التغطية الإعلامية الكبيرة التي يحظى بها الإسلام، بل إن الإسلام والإعلام مرتبطان ببعضهما البعض منذ فجر الرسالة، فالحرب الحقيقية التي خاضها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بداية الدعوة هي الحرب الإعلامية، هذه الحرب هي أصعب ألف مرة من الحرب التقليدية، فهي حربٌ مفتوحة دائمًا من الطرف المعادي للإسلام، يستخدم فيها العدو أشرس أنواع الأسلحة الإعلامية في بعض الأحيان، وفي أكثر الأحيان يستخدم أقذرها ، لذلك انتبه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحكمته المعهودة لهذه الحرب، فأسس وحدة من المجاهدين الأبطال، مهمة هذه الوحدة كانت تفوق باقي المهمات العسكرية بالأهمية في كثيرٍ من الأحيان، هذه الوحدة هي وحدة الإعلام الإسلامي، شكَّلها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الشعراء بالتحديد، وسبب اختيار الشعراء بالذات يكمن في أن الشعر كان هو وسيلة الإعلام الوحيدة بين العرب، وليس عندي من الشك أدناه، بأنه لو كانت هناك صحفٌ في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لجنّد لها بعض الصحافيين الإسلاميين، فقوة الكلمة في الإسلام لا تقل عن قوة السيف أبدًا، بل إنها كما وصفها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشد على الكفار من نضح الإبل! وما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية إلا بكلمات خرجت من فم محمد بن عبد اللَّه، وما حكمنا العالم من أقصاه إلى أقصاه إلا بكلمات من أفواه الدعاة، وما تخلفت هذه الأمة إلّا بعد إهمال المسلمين للإعلام والإعلاميين، فصارت أمنية الوالد المسلم أن يجعل من ولده طبيبًا أو مهندسًا، أم الإعلامي فهي مهنة ابتعد عنها المسلمون، مع العلم أن الإعلام الإسلامي يعتبر فرضًا من الفروض! فالإعلام هو الكلمة المرادفة للدعوة، ودعوة البشر للإسلام وتوضيح صورة الإسلام لغير المسلمين هو فرض على المسلمين، فأقوى سلاح يملكه المسلم هو الكلمة، فبالكلمة أسلم عمر بن الخطاب الذي كان يريد قتل الرسول، وبالكلمة تحول خالد بن الوليد من أشد أعداء الإسلام إلى أعظم فاتحٍ في تاريخه، وبالكلمة ناظر موسى فرعون أشرس جبارٍ في الأرض، وبالكلمة دعا إبراهيم أباه، وبالكلمة كان عيسى، وبالكلمة طار هُدهُد سليمان إلى بلقيس، وبالكلمة دعا يونس ربه في بطن الحوت، وبالكلمة نادى زكريا ربه نداء خفيًا، وبالكلمة -لا بالسلاح- دعا نوح قومه 950 سنة! وبالكلمة ملكنا قلوب الشرق والغرب، وبالكلمة بنينا حضارتنا العظيمة، وبالكلمة كتبنا أعظم كتب الدنيا، وبالكلمة دافع إعلاميو الرسول عن الإسلام ، فلقد كون أعظم قائدٍ سياسيٍ في تاريخ الإنسانية -رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وزارة للإعلام الإسلامي المجاهد، مهمتها الدفاع عن سمعة الإسلام والمسلمين، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن كقادة بعض الجماعات الإسلامية الذين لا يحركون ساكنًا لشرف الصحابة وأمهات المؤمنين، بل كان رسول اللَّه غيورًا على شرف أصحابه ونسائه، فشكل على الفور مجموعة من خيرة شعراء الإسلام على رأسهم الأسماء العملاقة التالية:
(حسان بن ثابت - عبد اللَّه بن أبي رواحة - كعب بن مالك - كعب بن زهير بن أبي سلمى) ...هؤلاء الإعلاميون الإسلاميون قاموا بالدفاع عن الإسلام والمسلمين خير دفاع بكلامهم وشعرهم، فالشعر في الإسلام ليس حرامًا، ولكن الإسلام حدد الاتجاهات الشعرية التي يجوز فيها للمسلم أن ينظم الشعر، وهو يتلخص بقول اللَّه عز وجل في سورة الشعراء: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}، وهذه الآيات لا تنطبق فقط على الشعراء، بل تنطبق جميع الكتّاب والمؤلفين بل وعلى جميع الإعلاميين بشكلٍ عام، فنصرة الإسلام تعتبر شرطًا أساسيًا في شرعية العمل الإعلامي، فليسأل كل أديبٍ وكل شاعرٍ وكل مذيعٍ نفسه سؤالًا، هل العمل الذي أقوم به فيه نصرة للإسلام أم لا؟ فإذا كان كذلك فبها ونِعم، وإلا فإنه يعرض نفسه للخطر، فلقد جاء الوقت للأمة الإسلامية أن تنهض إعلاميًا، وأن تهتم بكليات الإعلام، ففي هذا الوقت بالتحديد، يستخدم أعداء الإسلام الإعلام بشكلٍ بشعٍ للغاية لتشويه صورة الإسلام ورسوله، ونحن ما زلنا في سباتنا العميق، فدونكم رسول اللَّه احموه بالإعلام! فأين أنتم يا إعلامي الإسلام، أين أنتم يا كتّاب المسلمين، فشرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة إلى من يدافع عليه، فهل من مدافع؟ وكما كان الشاعر الإسلامي أديبًا عظيمًا ينسج من الكلمات ما يزلزل به كيان المشركين، فقد كان الشاعر أيضًا مجاهدًا عسكريًا عظيمًا، يحمل السلاح وقت الحاجة للدفاع بروحه عن دين اللَّه، فلقد برز من بين شعراء الرسول قائدٌ عسكريٌ بطلٌ حمل راية الإسلام عاليًا، فسقاها بدمائه تضحية، كما سقاها قبل ذلك بمداده شعرًا، فكان هذا الشاعر الإسلامي البطل أحد ثلاثة قوّادٍ إسلاميين، قدّموا حياتهم وهم يحملون نفس الراية، فكانوا وبحق أعظم ثلاثة قِوادٍ في تاريخ الجنس البشري يسقطون دفعة واحدة: فأوَّلهم كان أحد العشرة المبشرين بالجنّة! وثانيهم كان "الطيّار" وثالثهم كان شاعر رسول اللَّه شخصيًا....وكانت الشاعرات النسوة لهن دورا كبيرا في هذا المجال وهن أروى بنت الحارث، وأروى بنت عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس، وأم البراء، وأم ذرّ، وأم رعلة القشيرية، وأم سلمة، ولبابة بنت الحارث، وأم نبيط، وأم الهيثم النخعية، وأمامة الزبذية، وأميمة بنت رفيقة، وبركة بنت ثعلبة، وبكارة الهلالية، والبيضاء بنت عبد المطلب، والخنساء، وحفصة بنت عمر، وخولة بنت الأزور، وخولة بنت ثابت، ودرة بنت أبي لهب، ورقيقة بنت أبي صيفي، ورقية بنت عبد المطلب، وزينب بنت علي، وزينب بنت العوام، وسعدى بنت كريز، وسودة بنت عمارة، والشيماء بنت الحارث، وصفية بنت عبد المطلب، وضباعة بنت عامر، وضبيعة بنت خزيمة، وعائشة بنت أبي بكر، وعاتكة بنت زيد، وعاتكة بنت عبد المطلب، وعمرة بنت دريد، وعمرة بنت رواحة، وفاطمة بنت محمد، وقتيلة بنت النضر، وكبشة بنت رافع، ولبابة بنت الحارث، وميمونة بنت عبد الله، ونعم بنت حسان، وهند بنت أنانة، وهند بنت الحارث، وهند بنت سهيل، وهند بنت عتبة.عندما هجا عبد الله بن الزبعرى شاعر المشركين آنذاك الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما هجاه أبو سفيان وكان على شركه، فسأل يومها الرسول أصحابه، من يدافع عنه، فتقدم علي رضي الله عنه، وتقدم كعب بن مالك وسواهما، وبقي الرسول صامتًا حتى جاء حسان بن ثابت وأخرج لسانه، فسأله الرسول كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال له: أسُلك منهم كما تسلُّ الشعرة من العجين، فقال له: اذهب وروح القدس تؤيدك، والزم أبا بكر فإنه نسابة العرب، أي أعلم الناس بالأنساب، ويمكن أن يرشده إلى الصلات والأرحام. وأمام الرسول صلى الله عليه وسلم قال النابغة الجعدي:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فسأله الرسول: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة.. فأجابه: لا فُض فوك..
ويومها قال لبيد بن ربيعة شاعر المعلقة وقد أسن، وهو من المؤلفة قلوبهم: أبدلني الله البقرة وآل عمران بالشعر..
فذهب الكاتب إلى أن الشعر لم يكن محرمًا في الإسلام، والرسول لم يقف منه موقفًا سلبيًا.. والشاعر الإسلامي- حسان خاصة- كان وزير إعلام الرسول والدين الإسلامي، ونجح في ذلك أي نجاح في الدفاع عن الدعوة الإسلامية وصاحبها. أما ما يقال عن هذا الموضوع فهو خلاف حول مضامين الشعر الأخلاقية وما سواها..حيث روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسن بن ثابت فشفى واشتفى.
وأما نقد الرسول الكريم للشعر، فينبغي أن نلاحظ أن الرسول الكريم قد جاء بدين قويم يدعو إلى الفضائل، وينهى عن الرذائل، ويدعو - قبل ذلك وبعده - إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وأن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له - هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس تتصل بالمعاني التي يجب أن يدور حولها الشعر.
وإذا كان الرسول الكريم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياسا وأساسا ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه - فإنه صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من القرآن الكريم - أيضا - أسلوبا ولفظا ونظما أساسا له ومنهاجا؛ لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو.
ولا نعجب إذ رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم - على اختلاف فنونه وأغراضه - يتمثلونه معنى وموضوعا، وأسلوبا ونظما، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم على أسس من المبادئ الإسلامية، والقيم الأخلاقية الرفيعة التي استحدثها الدين الإسلامي، في هذا المجتمع الجديد، وعلى دعامة من الفضائل العربية التي أقرها الإسلام، كما كانوا يتخذون من بلاغة القرآن وسحر بيانه أساسا لنظمهم ودعامة لبيانهم.
المصادر
ــــــــــــ
1- القران الكريم
2- الاعلام في صدر الاسلام - هيئة الكتاب في مصر
3- الاعلام في صدر الاسلام - عبد اللطيف حمزة
4- الاعلام في صدر الاسلام - ا-د- محمد عجاج الخطيب
ـــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي-العراق - 13-10-2019
الإعلام لغة من مادة علم، یعلم علما و یدل على أثر بالشيء یتمیز به فتقول أعلمته بكذا أي استشعرته و علمته تعلیما و العلم من صفات االله عز وجل فاالله العالم، العلیم العلام و العلم نقیض الجهل، ویقال إستعلم لي خبر فلان و أعلمیه حتى أعلمه و استعلمني الخبر فأعلمته إیاه و علمت الشيء أعلمه علماء عرفته و جاء في اللغة بمعنى التبلیغ یقال بلغني القوم بلاغا أي أوصلتهم الشيء المطلوب و البلاغ إیصال الشيء للمتلقي أو السامع لقوله صلى االله علیه وسلم ( بلغوا عني ولو
آیة و حدثوا عني بني إسرائیل و لا حرج و من كذب علي متعمدا فلیتبوأ مقعده من النار) و بلغ و أنبأ و بین و أوصل بمعنى أعلم و تعني إشاعة المعلومات و افهامها لهم وبثها و تعمیمها و نشرها و إذاعتها على الناس.و الإعلام غیر التعلیم لأن الإعلام إختص بما كان أخبارا سریعة و أما التعلیم فقد ینطوي على التكرار و التكثیر.و خلاصة القول في تعریف الإعلام لغة: تحصیل العلم عند المتلقي أو المخاطب،فقد یكون جاهلا به فیعلمه، و قد یكون عالما به فیثبت في ذهنه، فیحصل المقصود منه، والأصل هو تحقیق غایة العلم و هي حصول حقیقة للمتلقي
أما الإعلام اصطلاحا فقد تعددت التعاریف فیه و إختلفت في المضمون و الشمول
للإعلام حسب المفهوم المعاصر و ذلك لإختلاف التصورات و تباین الأفكار و تضاد الأهداف التي أنیطت بهذا العلم و بوسائله المعاصرة و الحدیثة و هي كثیرة جدا لكن تقتصر على التعریف الذي أخذ به الكثیر من الكتاب المعاصرین و قالوا بأنه أوضح تعر یف وهوتعریف العالم الألماني ( توجروت) حیث عرفه بأنه التعبیر الموضوعي لعقلیة الجماهیروروحها و میولها و إتجاهاتها في نفس الوقت.
أي أن الإعلام لابد أن یكون صادقا مجردا عن المیول و الأهواء غیر متحیز قائما
على أساس من التجربة الصادقة متمشیا مع الجمهور الذي یوجه إلیه
و الإعلام أیضا هو تزوید الناس بالأخبار الصحیحة و المعلومات السلیمة، و الحقائق الثابتة التي تساعدهم على تكوین رأي صائب في واقعة من الوقائع أو مشكلة من المشكلات، بحیث یصیر هذا الرأي معتبرا موضوعیا عن عقلیة الجماهیر و إتجاهاتهم ومیولهم.
إن انتشار أي فكرة وظهور أي حزب وشيوع أي معتقد لا يتم إلا بتوفير القاعدة القوية من الإعلام...
ومن هنا لم يتوان رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغ الدعوة، وإنما استخدم كل وسائل الإعلام وذللها لهذه المهمة، بل سارع في استخدام وسائل أو صور جديدة لتبليغ الدعوة ونشر الرسالة التي عهد الله بها إليه، وفي هذه الورقات نشير لنماذج من جهد رسول الله في إعلامه وإبلاغه لرسالة الإسلام..
ا كان الإعلام يتبع قوة الدولة وضعفها، فإذا قويت قوي إعلامها، وإذا ضعفت ضعف، فإن إعلام رسول الله تميز بين عهدين مكي ومدني وذلك تبعاً لقوة الدولة وكمال سيادتها.
أساليب الإعلام النبوي في العهد المكي:
العهد المكي عهد بداية وضعف وسرية ومسالمة، وقد تميز ذلك العهد عموماً باضطهاد الدعوة وأتباعها، ولذلك كان رسول الله يعتمد على تبليغ دعوته بالأساليب الفردية السرية، أو العاطفية والعصبية القبلية... ومن هذه الأساليب:
أ ـ الخطاب الدعوي الإعلامي المعتمد على العاطفة والعصبية القبلية:
إن أي خطيب إعلامي أو سياسي يرتكز لنشر أي فكرة أو أي خبر على قوة البيان الإعلامي عنده.. ورسول الله قد تخير أفضل السبل وأقوى الأساليب لمرحلة إعلان الجهر بالدعوة، كما وشح إعلانه بالخطاب العاطفي والعصبية القبلية مع الحملة الدعائية الصادقة لشخصه الكريم صلى الله عليه وسلم .
فقد أخرج البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال لما نزلت " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " (الشعراء:214) صعد النبي صلى الله عليه وسلم على الصفا، فجعل ينادي: يا بني فهر! يا بني عدي! لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقيَّ؟ قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقا.ً قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
ب ـ الاجتماعات السرية في العرض على القبائل:
لما يئس النبي صلى الله عليه وسلم من إيمان أهل مكة عمد لنشر الدعوة بطرق جديدة، فاختار لذلك عرض الدعوة على القبائل في موسم الحج، ولما أن هيأ الله تعالى له الأنصار من الأوس والخزرج فقبلوا الدعوة وآمنوا به بدأ النبي تحركه الدعوي والسياسي والإعلامي معهم في موسوم الحج، وكانت الاجتماعات بينه وبينهم تعقد سراً، وهذا ما تقوم به جميع حركات الإصلاح في العالم حيث تبدأ نشاطها سراً للتوعية والتحذير من وضع راهن أو مستقبل مخيف، وخاصة إذا لم تكن في موضع القوة والغلبة كما كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ج ـ الجهر بالقرآن الكريم على مسامع قريش :
روى أنه لما نزلت سورة (الرحمن علم القرآن) قال عليه السلام : لأصحابه من يقرؤها منكم على رؤساء قريش ، فتثاقلوا مخافة أذيتهم ، فقام ابن مسعود وقال : أنا يا رسول الله ، فأجلسه عليه السلام ، ثم قال : من يقرؤها عليهم فلم يقم إلا ابن مسعود ، ثم ثالثاً كذلك إلى أن أذن له ، وكان عليه السلام يبقى عليه لما كان يعلم من ضعفه وصغر جثته ، ثم إنه وصل إليهم فرآهم مجتمعين حول الكعبة ، فافتتح قراءة السورة ، فقام أبوجهل فلطمه فشق أذنه وأدماه ، فانصرف وعيناه تدمع ، فلما رآه النبي عليه السلام رق قلبه وأطرق رأسه مغموما.(تفسير الرازي عند تفسير قوله تعالى : لنسفعن بالناصية)
د ـ السفراء ومهمة الإعلام والتعليم:
لم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بإيمان أصحاب العقبتين قبل الهجرة إلى المدينة، بل أراد أن يطمئن على نشر الدعوة وتهيئة الأجواء لرسوخ الدين وملاءمة الحال للهجرة، فأرسل مصعب بن عمير رضي الله عنه إلى المدينة مع من أسلم من أهلها، سفيراً يبلغ الدعوة وينشر رسالة الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة
أساليب الإعلام النبوي في العهد المدني:
لما استقر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة المنورة بدأ عصر النهضة والقوة لدولة الإسلام، وبدأ النبي صلى الله عليه وسلم بأساليب إعلامية جديدة تواكب عصر القوة والنهضة هذا، فبدلاً من الاجتماعات السرية في جوف الليل والخطب المتفرقة جعل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد والأذان فوقه والخطبة في وضح النهار ... بل وجهر بدعوته أمام ملوك الأرض
1ـ وسيلة المسجد وخطبة الجمعة:
فقد كان النبي يوجه خطابه الدعوي والتربوي للأمة من خلالهما... حيث هما السبيل القويم لنشر الدعوة وتبليغ الرسالة
وهما أول وسيلتين استخدمهما النبي في هذا العهد الجديد، بل وقبل أن يدخل المدينة إذ كانت أول خطبة جمعة له في قباء بعد بناء مسجدها . وبذلك ينتقل إلى أسلوب الخطاب الجماعي واللقاءات العامة.
2-وسيلة الأذان:
الأذان لغة: الإعلام. واصطلاحاً: هو الإعلام بدخول وقت الصلاة .
والأذان دعوة صريحة في قول المؤذن: حي على الصلاة حي على الفلاح لشهود الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم... وقد أجاب هذه الدعوة الصحابة فما كان يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق... ولقد كان يؤتى بالرجل يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ... وقد وفّر الأذان السبل لاجتماع الصحابة الكرام كل يوم خمس مرات مع صيحات الأذان، فإذا عقد الاجتماع المبارك هذا جاء دور النبي صلى الله عليه وسلم ليشرح للأمة قواعد بناء الدين والدنيا...وهكذا، فمن خلال الأذان نشر الدين وعمم
3ـ وسيلة المنبر الإسلامي:
استخدم الخطباء المنبر قديماً وحديثاً، فلا نكاد ترى خطبة إلا ولها منبر... ولقد سارع رسول الله في اتخاذ المنبر كي تكون الخطبة أوقع في النفس، لا سيما ما يصاحب المنبر من مكانه...، وما يصاحب حال رسول الله في خطبته... فجعل رسول الله المنبر الإسلامي في المسجد وسيلة إعلامية جديدة، وكان حال رسول الله في خطبته من انفعاله واحمرار عينه كأنه منذر جيش، يقول: صبحكم ومساكم .
وبلغ من اهتمام رسول الله بالمنبر ورسالته أنه وقف يخطب على جذع نخلة قبل أن يصنع له المنبر، وهذا تأكيد نبوي لدور المنبر وما يلقى عليه من بليغ النصح والإرشاد
4ـ وسيلة إرسال الكتب ومخاطبة الملوك :
ومن وسائل الإعلام النبوي مخاطبة النبي لملوك الدنيا وإرساله الكتب وبعث الرسائل إليهم، حيث بدأ النبي في العام السادس للهجرة بمخاطبة الملوك للدخول في الإسلام، وذلك بعد أنْ أمّن جانب قريش حين أبرم معها اتفاقية الصلح والسلام في الحديبية ، واتخذ الخاتم ليمهر به الكتب التي أرسلها إلى الملوك .
ومن يتأمل في كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الموجهة للملوك يعلم أن النبي قد دعاهم للانضمام لدولته العظيمة، فضلاً عن الاعتراف بها وهذا أقوى وأظهر للعيان لعزة ومكانة الأمة الإسلامية.
إن إرسال الكتب ومخاطبة الملوك هو إعلان وإعلام نبوي لدعوته المطهرة للدنيا بأسرها، فأين قنوات إعلامنا الإسلامي اليوم من مخاطبة أمم وشعوب ومسئولي الأرض.هذه نماذج من وسائل وأساليب الإعلام النبوي في حالة السلم في كل من مكة والمدينة
إعلام رسول الله الحربي:
ــــــــــــــ
من البديهي القول: إن اشتعال الحروب ونشوبها واستعار أوارها تغاير أحوالها حال السلم في أغلب الأمور... ومنها الإعلام... لذلك نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إعلامه الحربي سبلاً تناسب مقام القتال والمعارك.. ونشير لبعض ذلك في هذه المطالب:
1ـ سبل التضليل الإعلامي زمن الحرب، "الحرب خدعة"
هذا المصطلح (الحرب خدعة) هو مصطلح نبوي حربي عسكري، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب وأرشد إليه نعيم بن مسعود رضي الله عنه بعدما هداه الله للإسلام، فأمره أن يخذل عن المسلمين ما استطاع وأذن له في التقول....
* كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم التورية في الحرب أيضاً، وذلك في غزوة بدر عندما ورّى عن الشيخ البدري الذي سأله عن قريش وأخبارها؟ فقال ذاك الشيخ: لا أخبرك حتى تخبرني من أنت: فقال له رسول الله: أخبرني أخبرك. فلما أخبره سأل النبي: من أنت؟ فقال له: ( نحن من ماء) ثم انصرف .
ولا زالت الدنيا إلى يومنا هذا تعمل بهذا المبدأ من الخداع والتمويه في الحروب، ولعل أقرب مثال مر بنا في عصرنا ما تناقلته وكالات الأنباء عن تزويد روسيا للعراق بأخبار الحرب الكاذبة من عدد للقوات والأسلحة وغير ذلك. فالتضليل الإعلامي في الحرب سبق فيه رسولُ الله قادة الحروب وإعلامييها بأسرهم... حرصاً على النصر، وللمحافظة على الأرواح كما فعل يوم الفتح ، يقول كعب بن مالك: كان رسول الله إذا أراد حرباً ورّى بغيرها .
2ـ إعلان الحرب من أجل الحرية والتحرر:
شاع في الآونة الأخيرة مصطلح الحرب من أجل التحرر أو الحرية أو استرجاع الحقوق، ولا داعي لضرب الأمثلة على ذلك فما حروب العصر الراهن إلا تحت هذا المسمى... ولو كانت كاذبة فيه.
وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استخدم روح هذا المبدأ بحق وصدق، فكانت حروبه من أجل الحرية والتحرير واسترجاع الحقوق...
فمن غزوة بدر إلى فتح مكة، كانت حروبه صلى الله عليه وسلم وسراياه كلها تحافظ على هذا المبدأ وهذا الشعار... لا تخالفه أبداً.
ولعل أصدق مثال وأوضح شاهد على صدق رسول الله في شعاره الحرب من أجل الحرية : فتح مكة، فقد أعلن الحرية لأهل مكة بقوله لهم أمام البيت الحرام: اذهبوا فأنتم الطلقاء .... فما كانت حروبه للغنائم وجمع الأموال والأطماع في خيرات البلاد من نفط وغيره، بل كان يعطي من يحاربهم عطاء من لا يخشى الفقر...
3ـ وسيلة إرهاب العدو:
قال تعالى (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم ) (الأنفال : 60) وقد أعلن رسول الله في عمرة القضاء هذا المبدأ أيضاً عندما قال: "رحم الله امرأ أراهم من نفسه قوة" كما إن رسول الله أراد أن يعلم أبا سفيان قوة المسلمين في فتح مكة ويدخل في قلبه الرعب، فأمر أن يوقف به على ثنية على طريق المسلمين وهو ينظر إلى جيش المسلمين كتيبة كتيبة، فلما مرت به كتيبة رسول الله قال أبو سفيان: من هؤلاء؟ فقال العباس بن عبد المطلب: هذا رسول الله في كتيبته الخضراء في المهاجرين والأنصار. فقال أبو سفيان: ما لأحد بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة .
وما فعلته قوات التحالف في غزوها الأخير للعراق من محاولة إنزال الرعب بين صفوف العراقيين، والإعلان عن استخدام قوات التحالف الأسلحة الذكية أو الإشعاعات تحت الحمراء أو البنفسجية هو من هذا القبيل.
إذن، فأول مراحل النصر هي هزيمة العدو نفسياً وهي البشائر لهزيمته فعلياً وهذا ما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على فعله.... حيث سخر الإعلام للمعركة.
4ـ وسيلة نشيد الموت أو غناء النصر:
إذا كان الحداء يبعث بالجمال على الغذ بالسير، فإن الغناء أو النشيد بالحروب يبعث بالنفس على الثبات والإقدام... وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستخدم هذه الوسيلة الإعلامية لنشر الروح المعنوية الداعية للثبات والإقدام، فارتجز رسول الله لنفسه بقوله عليه الصلاة والسلام:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب *
وذلك حين انكشف المسلمون في ساحة حنين، فرددها رسول الله مثبتاً من بقي من أصحابه معه. كما كان عليه الصلاة والسلام يحرص على التغني بالشعر والملاحم أثناء المعارك لأثرها البالغ في نفس المجاهد.... وهذا رسول الله يحض حسان بن ثابت على هجاء المشركين بقوله: "اهج المشركين فإن روح القدس معك ".
ومازالت العرب قديماً وحديثاُ تتفاخر بمعاركها وملاحمها مع أعدائها، ومن هذا القبيل تغنت الأنصار بيوم بعاث...
وما تردده وتبثه وسائل الإعلام أثناء المعارك والحروب من الغناء الحماسي والأشعار المهيجة من هذا الباب كي تدعو النفوس إلى الثبات والإقدام.
الإسلام هو دين الإعلام بامتياز، فقلما تجد دينًا في الدنيا يحظى بهذه التغطية الإعلامية الكبيرة التي يحظى بها الإسلام، بل إن الإسلام والإعلام مرتبطان ببعضهما البعض منذ فجر الرسالة، فالحرب الحقيقية التي خاضها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في بداية الدعوة هي الحرب الإعلامية، هذه الحرب هي أصعب ألف مرة من الحرب التقليدية، فهي حربٌ مفتوحة دائمًا من الطرف المعادي للإسلام، يستخدم فيها العدو أشرس أنواع الأسلحة الإعلامية في بعض الأحيان، وفي أكثر الأحيان يستخدم أقذرها ، لذلك انتبه رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحكمته المعهودة لهذه الحرب، فأسس وحدة من المجاهدين الأبطال، مهمة هذه الوحدة كانت تفوق باقي المهمات العسكرية بالأهمية في كثيرٍ من الأحيان، هذه الوحدة هي وحدة الإعلام الإسلامي، شكَّلها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من الشعراء بالتحديد، وسبب اختيار الشعراء بالذات يكمن في أن الشعر كان هو وسيلة الإعلام الوحيدة بين العرب، وليس عندي من الشك أدناه، بأنه لو كانت هناك صحفٌ في عهد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، لجنّد لها بعض الصحافيين الإسلاميين، فقوة الكلمة في الإسلام لا تقل عن قوة السيف أبدًا، بل إنها كما وصفها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أشد على الكفار من نضح الإبل! وما انتشر الإسلام في الجزيرة العربية إلا بكلمات خرجت من فم محمد بن عبد اللَّه، وما حكمنا العالم من أقصاه إلى أقصاه إلا بكلمات من أفواه الدعاة، وما تخلفت هذه الأمة إلّا بعد إهمال المسلمين للإعلام والإعلاميين، فصارت أمنية الوالد المسلم أن يجعل من ولده طبيبًا أو مهندسًا، أم الإعلامي فهي مهنة ابتعد عنها المسلمون، مع العلم أن الإعلام الإسلامي يعتبر فرضًا من الفروض! فالإعلام هو الكلمة المرادفة للدعوة، ودعوة البشر للإسلام وتوضيح صورة الإسلام لغير المسلمين هو فرض على المسلمين، فأقوى سلاح يملكه المسلم هو الكلمة، فبالكلمة أسلم عمر بن الخطاب الذي كان يريد قتل الرسول، وبالكلمة تحول خالد بن الوليد من أشد أعداء الإسلام إلى أعظم فاتحٍ في تاريخه، وبالكلمة ناظر موسى فرعون أشرس جبارٍ في الأرض، وبالكلمة دعا إبراهيم أباه، وبالكلمة كان عيسى، وبالكلمة طار هُدهُد سليمان إلى بلقيس، وبالكلمة دعا يونس ربه في بطن الحوت، وبالكلمة نادى زكريا ربه نداء خفيًا، وبالكلمة -لا بالسلاح- دعا نوح قومه 950 سنة! وبالكلمة ملكنا قلوب الشرق والغرب، وبالكلمة بنينا حضارتنا العظيمة، وبالكلمة كتبنا أعظم كتب الدنيا، وبالكلمة دافع إعلاميو الرسول عن الإسلام ، فلقد كون أعظم قائدٍ سياسيٍ في تاريخ الإنسانية -رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وزارة للإعلام الإسلامي المجاهد، مهمتها الدفاع عن سمعة الإسلام والمسلمين، فرسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يكن كقادة بعض الجماعات الإسلامية الذين لا يحركون ساكنًا لشرف الصحابة وأمهات المؤمنين، بل كان رسول اللَّه غيورًا على شرف أصحابه ونسائه، فشكل على الفور مجموعة من خيرة شعراء الإسلام على رأسهم الأسماء العملاقة التالية:
(حسان بن ثابت - عبد اللَّه بن أبي رواحة - كعب بن مالك - كعب بن زهير بن أبي سلمى) ...هؤلاء الإعلاميون الإسلاميون قاموا بالدفاع عن الإسلام والمسلمين خير دفاع بكلامهم وشعرهم، فالشعر في الإسلام ليس حرامًا، ولكن الإسلام حدد الاتجاهات الشعرية التي يجوز فيها للمسلم أن ينظم الشعر، وهو يتلخص بقول اللَّه عز وجل في سورة الشعراء: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ (226) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (227)}، وهذه الآيات لا تنطبق فقط على الشعراء، بل تنطبق جميع الكتّاب والمؤلفين بل وعلى جميع الإعلاميين بشكلٍ عام، فنصرة الإسلام تعتبر شرطًا أساسيًا في شرعية العمل الإعلامي، فليسأل كل أديبٍ وكل شاعرٍ وكل مذيعٍ نفسه سؤالًا، هل العمل الذي أقوم به فيه نصرة للإسلام أم لا؟ فإذا كان كذلك فبها ونِعم، وإلا فإنه يعرض نفسه للخطر، فلقد جاء الوقت للأمة الإسلامية أن تنهض إعلاميًا، وأن تهتم بكليات الإعلام، ففي هذا الوقت بالتحديد، يستخدم أعداء الإسلام الإعلام بشكلٍ بشعٍ للغاية لتشويه صورة الإسلام ورسوله، ونحن ما زلنا في سباتنا العميق، فدونكم رسول اللَّه احموه بالإعلام! فأين أنتم يا إعلامي الإسلام، أين أنتم يا كتّاب المسلمين، فشرف رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حاجة إلى من يدافع عليه، فهل من مدافع؟ وكما كان الشاعر الإسلامي أديبًا عظيمًا ينسج من الكلمات ما يزلزل به كيان المشركين، فقد كان الشاعر أيضًا مجاهدًا عسكريًا عظيمًا، يحمل السلاح وقت الحاجة للدفاع بروحه عن دين اللَّه، فلقد برز من بين شعراء الرسول قائدٌ عسكريٌ بطلٌ حمل راية الإسلام عاليًا، فسقاها بدمائه تضحية، كما سقاها قبل ذلك بمداده شعرًا، فكان هذا الشاعر الإسلامي البطل أحد ثلاثة قوّادٍ إسلاميين، قدّموا حياتهم وهم يحملون نفس الراية، فكانوا وبحق أعظم ثلاثة قِوادٍ في تاريخ الجنس البشري يسقطون دفعة واحدة: فأوَّلهم كان أحد العشرة المبشرين بالجنّة! وثانيهم كان "الطيّار" وثالثهم كان شاعر رسول اللَّه شخصيًا....وكانت الشاعرات النسوة لهن دورا كبيرا في هذا المجال وهن أروى بنت الحارث، وأروى بنت عبد المطلب، وأسماء بنت أبي بكر، وأسماء بنت عميس، وأم البراء، وأم ذرّ، وأم رعلة القشيرية، وأم سلمة، ولبابة بنت الحارث، وأم نبيط، وأم الهيثم النخعية، وأمامة الزبذية، وأميمة بنت رفيقة، وبركة بنت ثعلبة، وبكارة الهلالية، والبيضاء بنت عبد المطلب، والخنساء، وحفصة بنت عمر، وخولة بنت الأزور، وخولة بنت ثابت، ودرة بنت أبي لهب، ورقيقة بنت أبي صيفي، ورقية بنت عبد المطلب، وزينب بنت علي، وزينب بنت العوام، وسعدى بنت كريز، وسودة بنت عمارة، والشيماء بنت الحارث، وصفية بنت عبد المطلب، وضباعة بنت عامر، وضبيعة بنت خزيمة، وعائشة بنت أبي بكر، وعاتكة بنت زيد، وعاتكة بنت عبد المطلب، وعمرة بنت دريد، وعمرة بنت رواحة، وفاطمة بنت محمد، وقتيلة بنت النضر، وكبشة بنت رافع، ولبابة بنت الحارث، وميمونة بنت عبد الله، ونعم بنت حسان، وهند بنت أنانة، وهند بنت الحارث، وهند بنت سهيل، وهند بنت عتبة.عندما هجا عبد الله بن الزبعرى شاعر المشركين آنذاك الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عندما هجاه أبو سفيان وكان على شركه، فسأل يومها الرسول أصحابه، من يدافع عنه، فتقدم علي رضي الله عنه، وتقدم كعب بن مالك وسواهما، وبقي الرسول صامتًا حتى جاء حسان بن ثابت وأخرج لسانه، فسأله الرسول كيف تهجوهم وأنا منهم؟ فقال له: أسُلك منهم كما تسلُّ الشعرة من العجين، فقال له: اذهب وروح القدس تؤيدك، والزم أبا بكر فإنه نسابة العرب، أي أعلم الناس بالأنساب، ويمكن أن يرشده إلى الصلات والأرحام. وأمام الرسول صلى الله عليه وسلم قال النابغة الجعدي:
بلغنا السماء مجدنا وسناؤنا وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا
فسأله الرسول: إلى أين يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة.. فأجابه: لا فُض فوك..
ويومها قال لبيد بن ربيعة شاعر المعلقة وقد أسن، وهو من المؤلفة قلوبهم: أبدلني الله البقرة وآل عمران بالشعر..
فذهب الكاتب إلى أن الشعر لم يكن محرمًا في الإسلام، والرسول لم يقف منه موقفًا سلبيًا.. والشاعر الإسلامي- حسان خاصة- كان وزير إعلام الرسول والدين الإسلامي، ونجح في ذلك أي نجاح في الدفاع عن الدعوة الإسلامية وصاحبها. أما ما يقال عن هذا الموضوع فهو خلاف حول مضامين الشعر الأخلاقية وما سواها..حيث روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت عبد الله بن رواحة، فقال وأحسن، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن، وأمرت حسن بن ثابت فشفى واشتفى.
وأما نقد الرسول الكريم للشعر، فينبغي أن نلاحظ أن الرسول الكريم قد جاء بدين قويم يدعو إلى الفضائل، وينهى عن الرذائل، ويدعو - قبل ذلك وبعده - إلى عبادة إله واحد لا شريك له، وأن المقاييس النقدية التي كان على أساسها يحكم الرسول على الشعر ويبني نقده وتوجيهه له - هي المقاييس والأسس الإسلامية التي جاء بها القرآن الكريم، من التسامح والتواضع والعدل والإحسان والخلق الحسن، وهي الأسس والمقاييس العربية التي أقرها الإسلام، كالكلام والشجاعة والنجدة وحفظ الجوار، وهذه الأسس تتصل بالمعاني التي يجب أن يدور حولها الشعر.
وإذا كان الرسول الكريم قد اتخذ من المعاني الإسلامية والتوجيهات الخلقية لهذا الدين مقياسا وأساسا ينقد الشعر على أساسه، ويصلح منه - فإنه صلى الله عليه وسلم قد اتخذ من القرآن الكريم - أيضا - أسلوبا ولفظا ونظما أساسا له ومنهاجا؛ لما امتاز به من سماحة في القول، وسلامة في التعبير، وطبعية في الأسلوب، وبعد عن التكلف والغلو.
ولا نعجب إذ رأينا شعراء المسلمين يتمثلون القرآن الكريم في شعرهم - على اختلاف فنونه وأغراضه - يتمثلونه معنى وموضوعا، وأسلوبا ونظما، فيبنون فخرهم ومدحهم وهجاءهم على أسس من المبادئ الإسلامية، والقيم الأخلاقية الرفيعة التي استحدثها الدين الإسلامي، في هذا المجتمع الجديد، وعلى دعامة من الفضائل العربية التي أقرها الإسلام، كما كانوا يتخذون من بلاغة القرآن وسحر بيانه أساسا لنظمهم ودعامة لبيانهم.
المصادر
ــــــــــــ
1- القران الكريم
2- الاعلام في صدر الاسلام - هيئة الكتاب في مصر
3- الاعلام في صدر الاسلام - عبد اللطيف حمزة
4- الاعلام في صدر الاسلام - ا-د- محمد عجاج الخطيب