(( مُقدِّمة ديوان = الوطن في حضرة الغياب =
للشاعر الدكتور رمزي عقراوي بقلم الروائي والمترجم والناقد الكوردي الأستاذ نزار أحمد البامرني ))
يستشف القاريء ـ من عنوان هذه المجموعة الشعرية من قصائد الشاعر رمزي عقراوي المتسمة بـ (( قصائد في حضرة الوطن )) أو ((الوطن في حضرة الغياب)) ـ أن الشاعر كتبها في أجواء وفضاءات الأستفتاء المختلفة، وما أعقبها من مأساة فتضمنت آراءه وهي تتقطر حزناً على مظلومية شعبه وخوفاً من ضياع هذه الفرصة الثمينة، والتي لم يفاجأ الشعب بها ابداً، لأن المسار الصحيح له كما يقول الشاعر: هو الاختيار الحر لإرادته، وليس قدرَهُ أن يعيش الى الابد أسير القيود، يُزج بأبنائه في معتقلات الظلام، وتُغتصَب أراضيه ويُذَلّ، وهنا نرى أن الشاعر ـ في “قصيدة تحت التعذيب” ـ يتقمص روح سجين ليتمكن من تجسيد العذاب الذي يلاقيه بني جلدته كما يتحمل المسيح الآم البشرية، فيصف عزمه أمام الجلادين وشجاعته، كجندي مجهول فينال عقاب دون أن يرتكب ذنباً سوى كونه كوردياً، أو يتحدث عن طفل مرمي في حافة الصحراء وفي العراء، فيصف المشاعرالإنسانية بعمق تجاه بني جلدته في تعرضه لحرب الأنفالات التي أباحت العرض والدم.
تتمييز قصائد الشاعر، رمزي عقراوي، بالواقعية حيث يشعر المرء بذاتية الشاعر الجوهرية تذوب في كلمات قصائده في لوحة فنية يهتم بهندستها وبنائها، بما لديه من إمكانيات لغوية وإن كانت تمتاز بفضاءات مختلفة تتأرجح في صعودها ونكوصها بين قصيدة تمتلك الطاقة المعبرة عن آلام ومعانات شعبه وأخرى يشعر القاريء أن الشاعر يحاول بصدق إيصال رسائل وكلام يغصُّ في صدره فيُريد أن يُسمِع الآخرين نبضها من خلال قصائد حرة مسترسلة تم ترتيبها ضمن مجموعة تضم (42) قصيدة تحت عناوين مختلفة جلّها معنونة في نداءات الوطنية والدعوة لها، وإظهار بأس الكورد من خلال البيشمركة الأبطال الذين دافعوا عن حياض الوطن وشرف الحرائر، ذاعت شهرتهم الآفاق، كما ويحث في قصيدة ـ لحظة تقرير المصيرـ الكورد بإغتنام الفرصة وإتخاذ القرار الحاسم والمضي قدُماً لتقرير مصيرهم. وفي معظم قصائده يعرض مآساة تقسيم كوردستان الكبرى بين دول عديدة، فيدعوا الكورد لشمر ساعد الجد والكف عن اللعب واللهو والمزاح. وهنا يشير الى ظلم القرون الذي خيم على واقعه المرير من إبادة وسجون وترحيل وسبي النساء ويطالبه بالكف عن ملاحقة شعبه الذي يرنو الى الصباح.
فيا ظلم الأيام
إذهب بعيداً
فشعبي اليوم
يرنو للصباح ...
وهنا يذكِّرُنا الشاعر بقصيدة المفكر والشاعر الكوردي أحمدي خاني عندما يقول
لقد قرَّر الله منذ الأزل .. أن نكون تحت سيطرة الروم والعجم ..
حيث حينها كانت كوردستان مقسمة بين هاتين الامبراطوريتين.. فينعت الشاعر رمزي عقراوي هذا الظلم الأزلي بظلم الأيام، أي يخفف من وطأة ليالي الأضطهاد بعد التضحيات التي قدمها الكورد على مذبح الحرية وإقتراب ساعة الخلاص لأن شعبه قد وعى وهو ينظر انبلاج صبحه وإقترابه..
كما يتغنى بالسنديان وهي نوع من أشجار البلوط التي تزدان بها كوردستان وتشكل غاباتها
الكثيفة منذ ملايين السنين، دليل خلود شعب كوردستان كخلودها. فأشجار السنديان أو البلوط الجبلي لا يمكن إبادتها، لا بالحرق ولا بالقطع فعندما تقطع تسترسل ببراعمها وتتكاثر مرة أخرى، وعندما تُحرَق تتكون لها براعم من جذورها في أعماق التربة وتظهر للحياة من جديد، وكما يتغنى بكل ما هو جميل في كوردستان من طبيعة خلابة وأنهار ومدن فيصفها بأم الحضارات..
وروحُ الكوردِ
وسنديانها في طرَبِ
والزابين ---
خَمراً وشَهداً يجريانِ
وزهوَ نهرِ
خابورَ وطُغيانهِ
في موقع الكرَبِ
وكذلك فهو يصف في شعره ويصور نضال البيشمركة وشهداء كوردستان ، وصفاً بطولياً وأحيانا دراماتيكياً عندما يقول:
سَلْ كوردستان كيف إستشهد فتاها ؟!
وأسأل كوردستان مَن أصابها
على حين غَرَّةٍ ..وأخذَ السيف غِيلةً فرَماها
وكذلك يشيد الشاعر برمز الشعب الكوردي البارزاني الخالد من أن الموت هو أصغر من أن يغتال فكرهُ ونضاله الشاق والطويل ...
والموتُ أقصَرُ
أنْ يَغتالَ فِكرُكَ النَيِّر وإعتقادا
إنَّ نهجَكَ
أيّها البارزانيُّ المُعظَّمُ
خالدٌ رُغم الليالي
تَنَزَّلَ بالرِّسالةِ ثمّ عادا
والشاعر يُكيل لنفسه المديح ويُبين الى أي مدى هو مُترفِّع وواضح في قوله وإذا استصعب عليه أمرالقوافي التي لا تليق منزلتها بالقصيد فهو يرنو الى الأرقى من أن يختار توافه الكلمات وأخسِّها..
أنا لا أدَّعي
الشِّعرَ نبوَّةً
ولكنّي بهِ
أظْهِرُ للناسِ
الحقائقَ دَرْسا
أنا في الشِّعرِ
نجمٌ مُضئٌ
يَراني المَرءُ
ولا يرى اللفظَ لَبْسا ؟!
واذا ما آسْتصْعَبتْ
عليَّ القوافي
أخترْتُ منها
الأرقى وترَكتُ
الأخِّسَّا ...
المتتبع لشعر الشاعر رمزي العقراوي يرى أنه يلتزم بقافية موحدة لها إحكام في وضع لمسات قوية تدل حقاً على تمكنه اللغوي، وقوة القوافي تحافظ على نغمة القصيدة ونسقها، ولكنها تأتي بعد جمل تتفاوت في طولها أحياناً مما تجعل القصيدة أحياناً تعبر نثراً دون الأهتمام بالبناء الفني للشعر. فيضيع بين التعبير عن مضمونها والحفاظ على سليقة الاسترسال والأذن الموسيقية، ولكن الشيء الذ ي حافظ على تماسك القصيدة وترابطها، هي الفكرة والموضوع المطروح. وعادة تفيض أشعاره وهي ملتاعة بآلام شعبه، فهو يشبه أشعاره تشبيهاً جميلاً حينما يُذكِّرُنا بأن قصائده لا تكتب الا بالدماء التي تنزف من جراحات قلبه لذا فهو تشبيه مجازي في غاية الروعة..
لأن قلبي مُثخنٌ بالجراح
فسالت أشعاري دماً
كما يبدو لنا من خلال بعض من قصائده، عدم اهتمامه بالهيكلية البنائية للقصيدة بقدر إهتمامه بترابطها الموضوعاتي، كما بينا آنفاً، فهو يبحث في الحالة التي يقوم بطرحها في القصيدة، لغزارة الأفكار المتدفقة فتكون المساحة المعروضة لعرض أفكاره ممتدة أفقياً. أما العمق الدلالي الداخلي فيتأرجح بين السطحية، والشاعرية المفعمة بالأحاسيس المنتقاة من تجارب الحياة، فالمهم لدى الشاعر هو طرح الفكرة ، وهذا ما جعل من بعض قصائده ضحية لهذه الإشكالية "إشكالية الطرح"
أخيراً فمَن أراد أن يغوص في أعماق الكلمة الحرة الأبية، ويجول في فكر وفلسفة الكلمة، عليه أن يطلع على قصائد الشاعر رمزي عقراوي، وعليه أن يتمعن فيها فيحس بصدق مشاعره الدافئة والمتدفقة من قلب مثخن بالجراح والمعبرة عن روح التحرر، ويرنو الى مستقبل أمته بوضوح الرؤية وصدق الأماني والوفاء. وكذلك يشعر المرء بالعمق الفلسفي في دعوته تلك فلا ريب إنه يترك بصماته الجلية على شؤون هذا العصر السياسية والاجتماعية بما يخص شعبه الكوردي وما مرَّ ويمرُّ به من كوارث ومأساة تدين جبين الإنسانية بوصمة عارٍ لا تزول أبداً..!!
بقلم الشاعروالروائي والناقد والمترجم الكوردي نزارأحمد البامرني
محافظة دهوك- إقليم كوردستان – العراق
1-2-2019
للشاعر الدكتور رمزي عقراوي بقلم الروائي والمترجم والناقد الكوردي الأستاذ نزار أحمد البامرني ))
يستشف القاريء ـ من عنوان هذه المجموعة الشعرية من قصائد الشاعر رمزي عقراوي المتسمة بـ (( قصائد في حضرة الوطن )) أو ((الوطن في حضرة الغياب)) ـ أن الشاعر كتبها في أجواء وفضاءات الأستفتاء المختلفة، وما أعقبها من مأساة فتضمنت آراءه وهي تتقطر حزناً على مظلومية شعبه وخوفاً من ضياع هذه الفرصة الثمينة، والتي لم يفاجأ الشعب بها ابداً، لأن المسار الصحيح له كما يقول الشاعر: هو الاختيار الحر لإرادته، وليس قدرَهُ أن يعيش الى الابد أسير القيود، يُزج بأبنائه في معتقلات الظلام، وتُغتصَب أراضيه ويُذَلّ، وهنا نرى أن الشاعر ـ في “قصيدة تحت التعذيب” ـ يتقمص روح سجين ليتمكن من تجسيد العذاب الذي يلاقيه بني جلدته كما يتحمل المسيح الآم البشرية، فيصف عزمه أمام الجلادين وشجاعته، كجندي مجهول فينال عقاب دون أن يرتكب ذنباً سوى كونه كوردياً، أو يتحدث عن طفل مرمي في حافة الصحراء وفي العراء، فيصف المشاعرالإنسانية بعمق تجاه بني جلدته في تعرضه لحرب الأنفالات التي أباحت العرض والدم.
تتمييز قصائد الشاعر، رمزي عقراوي، بالواقعية حيث يشعر المرء بذاتية الشاعر الجوهرية تذوب في كلمات قصائده في لوحة فنية يهتم بهندستها وبنائها، بما لديه من إمكانيات لغوية وإن كانت تمتاز بفضاءات مختلفة تتأرجح في صعودها ونكوصها بين قصيدة تمتلك الطاقة المعبرة عن آلام ومعانات شعبه وأخرى يشعر القاريء أن الشاعر يحاول بصدق إيصال رسائل وكلام يغصُّ في صدره فيُريد أن يُسمِع الآخرين نبضها من خلال قصائد حرة مسترسلة تم ترتيبها ضمن مجموعة تضم (42) قصيدة تحت عناوين مختلفة جلّها معنونة في نداءات الوطنية والدعوة لها، وإظهار بأس الكورد من خلال البيشمركة الأبطال الذين دافعوا عن حياض الوطن وشرف الحرائر، ذاعت شهرتهم الآفاق، كما ويحث في قصيدة ـ لحظة تقرير المصيرـ الكورد بإغتنام الفرصة وإتخاذ القرار الحاسم والمضي قدُماً لتقرير مصيرهم. وفي معظم قصائده يعرض مآساة تقسيم كوردستان الكبرى بين دول عديدة، فيدعوا الكورد لشمر ساعد الجد والكف عن اللعب واللهو والمزاح. وهنا يشير الى ظلم القرون الذي خيم على واقعه المرير من إبادة وسجون وترحيل وسبي النساء ويطالبه بالكف عن ملاحقة شعبه الذي يرنو الى الصباح.
فيا ظلم الأيام
إذهب بعيداً
فشعبي اليوم
يرنو للصباح ...
وهنا يذكِّرُنا الشاعر بقصيدة المفكر والشاعر الكوردي أحمدي خاني عندما يقول
لقد قرَّر الله منذ الأزل .. أن نكون تحت سيطرة الروم والعجم ..
حيث حينها كانت كوردستان مقسمة بين هاتين الامبراطوريتين.. فينعت الشاعر رمزي عقراوي هذا الظلم الأزلي بظلم الأيام، أي يخفف من وطأة ليالي الأضطهاد بعد التضحيات التي قدمها الكورد على مذبح الحرية وإقتراب ساعة الخلاص لأن شعبه قد وعى وهو ينظر انبلاج صبحه وإقترابه..
كما يتغنى بالسنديان وهي نوع من أشجار البلوط التي تزدان بها كوردستان وتشكل غاباتها
الكثيفة منذ ملايين السنين، دليل خلود شعب كوردستان كخلودها. فأشجار السنديان أو البلوط الجبلي لا يمكن إبادتها، لا بالحرق ولا بالقطع فعندما تقطع تسترسل ببراعمها وتتكاثر مرة أخرى، وعندما تُحرَق تتكون لها براعم من جذورها في أعماق التربة وتظهر للحياة من جديد، وكما يتغنى بكل ما هو جميل في كوردستان من طبيعة خلابة وأنهار ومدن فيصفها بأم الحضارات..
وروحُ الكوردِ
وسنديانها في طرَبِ
والزابين ---
خَمراً وشَهداً يجريانِ
وزهوَ نهرِ
خابورَ وطُغيانهِ
في موقع الكرَبِ
وكذلك فهو يصف في شعره ويصور نضال البيشمركة وشهداء كوردستان ، وصفاً بطولياً وأحيانا دراماتيكياً عندما يقول:
سَلْ كوردستان كيف إستشهد فتاها ؟!
وأسأل كوردستان مَن أصابها
على حين غَرَّةٍ ..وأخذَ السيف غِيلةً فرَماها
وكذلك يشيد الشاعر برمز الشعب الكوردي البارزاني الخالد من أن الموت هو أصغر من أن يغتال فكرهُ ونضاله الشاق والطويل ...
والموتُ أقصَرُ
أنْ يَغتالَ فِكرُكَ النَيِّر وإعتقادا
إنَّ نهجَكَ
أيّها البارزانيُّ المُعظَّمُ
خالدٌ رُغم الليالي
تَنَزَّلَ بالرِّسالةِ ثمّ عادا
والشاعر يُكيل لنفسه المديح ويُبين الى أي مدى هو مُترفِّع وواضح في قوله وإذا استصعب عليه أمرالقوافي التي لا تليق منزلتها بالقصيد فهو يرنو الى الأرقى من أن يختار توافه الكلمات وأخسِّها..
أنا لا أدَّعي
الشِّعرَ نبوَّةً
ولكنّي بهِ
أظْهِرُ للناسِ
الحقائقَ دَرْسا
أنا في الشِّعرِ
نجمٌ مُضئٌ
يَراني المَرءُ
ولا يرى اللفظَ لَبْسا ؟!
واذا ما آسْتصْعَبتْ
عليَّ القوافي
أخترْتُ منها
الأرقى وترَكتُ
الأخِّسَّا ...
المتتبع لشعر الشاعر رمزي العقراوي يرى أنه يلتزم بقافية موحدة لها إحكام في وضع لمسات قوية تدل حقاً على تمكنه اللغوي، وقوة القوافي تحافظ على نغمة القصيدة ونسقها، ولكنها تأتي بعد جمل تتفاوت في طولها أحياناً مما تجعل القصيدة أحياناً تعبر نثراً دون الأهتمام بالبناء الفني للشعر. فيضيع بين التعبير عن مضمونها والحفاظ على سليقة الاسترسال والأذن الموسيقية، ولكن الشيء الذ ي حافظ على تماسك القصيدة وترابطها، هي الفكرة والموضوع المطروح. وعادة تفيض أشعاره وهي ملتاعة بآلام شعبه، فهو يشبه أشعاره تشبيهاً جميلاً حينما يُذكِّرُنا بأن قصائده لا تكتب الا بالدماء التي تنزف من جراحات قلبه لذا فهو تشبيه مجازي في غاية الروعة..
لأن قلبي مُثخنٌ بالجراح
فسالت أشعاري دماً
كما يبدو لنا من خلال بعض من قصائده، عدم اهتمامه بالهيكلية البنائية للقصيدة بقدر إهتمامه بترابطها الموضوعاتي، كما بينا آنفاً، فهو يبحث في الحالة التي يقوم بطرحها في القصيدة، لغزارة الأفكار المتدفقة فتكون المساحة المعروضة لعرض أفكاره ممتدة أفقياً. أما العمق الدلالي الداخلي فيتأرجح بين السطحية، والشاعرية المفعمة بالأحاسيس المنتقاة من تجارب الحياة، فالمهم لدى الشاعر هو طرح الفكرة ، وهذا ما جعل من بعض قصائده ضحية لهذه الإشكالية "إشكالية الطرح"
أخيراً فمَن أراد أن يغوص في أعماق الكلمة الحرة الأبية، ويجول في فكر وفلسفة الكلمة، عليه أن يطلع على قصائد الشاعر رمزي عقراوي، وعليه أن يتمعن فيها فيحس بصدق مشاعره الدافئة والمتدفقة من قلب مثخن بالجراح والمعبرة عن روح التحرر، ويرنو الى مستقبل أمته بوضوح الرؤية وصدق الأماني والوفاء. وكذلك يشعر المرء بالعمق الفلسفي في دعوته تلك فلا ريب إنه يترك بصماته الجلية على شؤون هذا العصر السياسية والاجتماعية بما يخص شعبه الكوردي وما مرَّ ويمرُّ به من كوارث ومأساة تدين جبين الإنسانية بوصمة عارٍ لا تزول أبداً..!!
بقلم الشاعروالروائي والناقد والمترجم الكوردي نزارأحمد البامرني
محافظة دهوك- إقليم كوردستان – العراق
1-2-2019