GuidePedia

لينا  سميرات

الحارث  والرباب

حكي مرة في بغداد، أنه كان للملك المقداد، مهرج صغير قزم، يكاد يقاس بالقلم. ووجهه من الدمامة، كان يغطيه بالعمامة. وإن مشيته بالسرعة، كجري النعامة. إسمه الحارث إبن ميمون، إن تراه قلت مجنون، وحديثه ناعم وحنون. وإن كثر العذال حوله، يلذع كطعم الليمون. وكان للمقداد جارية، لا يداني جماله جواري. وكانت إذا ما مشت، لحقتها العيون في الحواري. وكان يحبها حبا جما، ويضمها دوما ضما، وهي صاحبة الدلال، لا تراها إلا في الخيال، وإن تأخرت عن ناظريه لحظة، إن تراه عاقلا، فهذا محال. ومرة أتى الجواب، إن سال عن الجميلة رباب، ما لاقاها كالعادة عند الباب، قد كان دوما يعاتبها فيعلو الصراخ، ولا تسمع بعدها إلا صوت طراخ. فأين راحت الحبيبة، ربما أغواها بائع في السوق، أحد أسمعها كلام الشوق، أو شمت رائحة شواء، فهي تحب الأكل ورب السماء، فجن جنونه حين تأخرت، ولا يعرف إن تاهت وتسكعت، أو كالعادة في الشوارع قد تبخترت.
والخوف أكل قلبه الحزين، فسأل جيرانه المسكين، ولا يدري أحد اين تكون. وتأخر الليل بعد أن أقبل، وتأخر الحارث عن الملك، انه بلا محالة قد هلك، وأظلمت بغداد إلا من المصابيح، والحارث يصيح. وأتى يشكو للمقداد: ليتني أموت واستريح، فالقبر الآن لي مريح. وحشاشتي من الحسرات، أفاضت معها العبرات، كنهري دجلة والفرات. ثم أنشد نائحاً:

أيا ليل العشاق أنا أولى
إن أصابني هم السهاد
ياحسرة على قلب مات
في حضرة الملك المقداد
إن غابت شمس الربابة
فلا شمس بعدها في بغداد
ومن لغير ربي أنوب
فيا حسرة على العباد

فقال المقداد له: أنا أهديك غيرها من الجواري، لا تمت وابق جاري. فإن الجوار معك غنيمة، تضحك الملك بالنميمة. والجواري عندي في القصر، كنمل الأرض وقلة الصبر. خذ ماشئت منهن اليوم، وإلا عقابك هو اللوم، في ظاهرك دمامة وشؤم.

.وأتت الأنباء من الخارج، إن الرباب قد أُختطفت، قد قيدت وربطت، وحملها الشاطر حسن، ومضى بها خلف الحصن، وهي كانت لا تهش ولا تنش، لا تدري من بعدها ان كانت تعش، وبدموع بكائها كانت ترش. ولكنها رأت من هو مفتول العضلات، فأعجبتها منه اللفتات، فبدأت بالغنج والآهات، وقد أذبلت بينهما النظرات.الحب وقع من اول نظرة، غار قلبها كأنه جرة، نظرت لصباها نظرة حسرة، لم لم تخطفي ياحسن قبل مرة. قد ضيعتني على إبن ميمون، وان كان يحبني بجنون. فانا الان مع الفارس، سأجعله على قلبي حارس، ولن ياتي الميمون ولو قتلني. فإني همت في حب الحسن، لا سبيل للرجعة ولو كان وطن. أرسل الشاطر من يفاوض، يريد بالرباب أن يقايض، بألفي دينار أو زيادة، ثلاثة أيام مهلة بلا نقصان، وإلا النحر يا ميمون. وستركض في الحواري كالمجنون، بحجارة الأولاد سترجم، إن الناس لا ترحم، وعلى الربابة تترحم. كان الحارث فقير الحال، ما عنده الكافي من المال، واستحى الطلب من الملك فالملك بخيل، لا يوهبه إلا القليل. فأخذته فكرة عجيبة، فلما لا يحررها بطريقة غريبة. ولكن ليست كعنترة بن شداد، إن حرر عبلة من الأسياد. فتنكر الحارث بثوب امرأة عجوز، يظهر عيناً وهذا يجوز، إن كنت تريد خداع القوم، إاتهم خلال النوم. فإنها ساعة غفلة ولؤم. في اليوم الثالث تنكر، وقد أعيته الحيلة في أن يتذكر، هل هو الثاني أو الثالث، ولعله كان أكثر. في تلك الأثناء إشتعل الحب، وسلم القلب على القلب. سيتنازل حسن عن الذهب، إن أخذ الربابة بكل أدب. ولما رأى العجوز تسير، أعياها طول المسير، والثوب عليها كبير. تبيع اللبن المغشوش، لا هو ماء ولا رشوش. فدخلت على الشاطر حسن ، فأراد ان يدفع لها الثمن، ومازحها بأن تكشف عن المحيا، وقال لها هيا هيا، فرفض الميمون وغضب. قال فعلك من قلة الأدب. ثم رفع السيف تدلى، من تحت الثوب وتجلى، وصرخ صرخة عنترة، لا شيئا اليوم سيخسره. فعرفته الرباب في الحال، وقالت ياسيدي هذا محال. أن تكون انت هو الرجًال. من يريد أن ينقذني، يعني إنك تحبنني. سأذهب معك يا ميمون فهكذا الرجل يكون. وأنشدت:

يا سيدي طال الفراق


 
Top