الصحابي سلمة بن الأكوع (رض)( أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع ) فارس مغوارلا يخاف الموت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ د.صالح العطوان الحيالي 12-12-2017
في السنة السادسة للهجرة .. أغار عبد الرحمن بن عيينة بن حصن الفزاري على إبل لرسول الله صل الله عليه وسلم قرب المدينة وقتل الراعي وأسر زوجته .. وكان الصحابي الجليل الذي نتحدث عنه تابعًا لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يخدمه ويعتني بفرسه .. وخرج في ذلك اليوم ليهتم بالفرس ويؤكله العشب .. فشاهد ما حدث من عيينة بن حصن وأنه استاق إبل رسول الله صل الله عليه وسلم .. فماذا فعل الصحابي الجليل ؟ .. قام على جبل يطل على المدينة فنادى في الناس أن القوم أغاروا على إبل رسول الله ليُنبههم .. ثم أرسل بفرس طلحة مع غلام يقال له رباح .. ولم يركب الفرس ويستخدمه ويقول إني في مهمة لرسول الله صل الله عليه وسلم .. بل أرسل بالفرس لصاحبه .. وذهب هو يعدو على قدميه ليلحق بالعدو .. فهل لحق بالعدو ؟ وماذا حدث بينه وبين هذا العدو ؟ وكيف كان موقف رسول الله صل الله عليه وسلم منه ؟ وماذا قال عنه ؟ وهل شارك في غزوات المسلمين ؟ وهل روي عن رسول الله صل الله عليه وسلم الأحاديث النبوية الشريفة ؟ وقبل كل هذا من هو هذا الصحابي الجليل ؟
هو الصحابي الجليل سلمة بن عمرو بن الأكوع .. واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن سلامان بن أسلم الأسلمي .. يكنى أبا مسلم .. وقيل: أبو إياس .. وقيل: أبو عامر .. والأكثر أبو إياس .. كان ممن بايع تحت الشجرة .. وكان لقرب سلمة من رسول الله صل الله عليه وسلم وعشقه له أكبر الأثر في تكوين شخصية مثالية بما غرسه النبي فيها من شجاعة .. ومروءة .. وتضحية في سبيل الله .. هذا الأثر لاحظه الصحابة .. وعرفوا أنه ما كانت هذه الصفات لتكون في سلمة إلا بتربية الرسول صل الله عليه وسلم له .. وكان يدرك الخيل عَدواً (ركضاً) أثناء الحروب .. وكان لا يسبقه أحد .. فقد كان رضي الله عنه واسع الخطوة .. ومن أمهر الذين يقاتلون مشاة ويرمون بالنبال والرماح .. و قد وصفه أهل السير بقولهم : - وكان شجاعاً رامياً .. ويقال: إنه كان يسبق الفرس شدا على قدميه - .. آتاه المولي عز وجل قوة في الجسم فكان إذا أغار على جيش هزمه وحده .. وشارك سلمة رضي الله عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام في معظم غزواته .. وكان بطلاً صنديداً .. شديد البأس على الأعداء .. عن يزيد بن أبي عبيد قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع النبي صل الله عليه وسلم سبع غزوات .. فذكر خيبر .. والحديبية .. ويوم حنين .. ويوم القرد .. قال يزيد : ونسيت بقيتها
وكان سلمة ابن الأكوع رضي الله عنه من ضمن الذين ذهبوا مع النبي صل الله عليه وسلم إلى الحديبية .. ومن الذين بايعوا النبي صل الله عليه وسلم بيعة الرضوان فرضي الله عنه .. قال تعالى ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا( الفتح: 18 .. وقصة هذه البيعة ترجع لرؤية أراها الخالق عز وجل لنبيه سيد الخلق رسول الله صل الله عليه وسلم .. فقد رأي في المنام أنه يدخل المسجد الحرام والمسلمون معه محلقين رؤوسهم ومقصرين .. وذلك في العام السادس للهجرة .. وقص النبي على الصحابة ما رأى .. ففرحوا بها واستبشروا خيرا .. لأن رؤيا الأنبياء حق .. و كان المسلمون في شوق لدخول مكة بعد أن منعهم المشركون من دخولها منذ الهجرة .. وخرج النبي صل الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب .. وكان عددهم ألفا وأربعمائة .. قاصدين البيت الحرام للزيارة .. وساق معه الهدي وأحرم بالعمرة .. وسمع المشركون بذلك فمنعوه من دخول مكة .. وتحاشى النبي عليه الصلاة والسلام الصدام معهم .. وأرسل عثمان بن عفان برسالة إليهم يعلمهم فيها أنه جاء معتمرا وليس مقاتلا .. وبدلا من أن تستجيب قريش لما أراده النبي عليه السلام .. فقد حبست عثمان عندها .. وشاع أن عثمان قتل .. وبلغ النبي ذلك فقال : " لا نبرح حتى نناجز القوم " .. فدعا المهاجرين و الأنصار ومن كان معهم إلى البيعة على الموت أو على ألا يفروا .. وعزم أن يدخل مكه حربا .. فكانت بيعة الرضوان .. ولم يتخلف عن البيعه أحد إلا الجد بن قيس .. ويقال : إنه كان من المنافقين آنذاك ثم أسلم وحسن إسلامه .. وسمع المشركون بهذه البيعة وما عزم عليه النبي صل الله عليه وسلم فأخذهم الرعب .. وأطلقوا عثمان .. وطلبوا الصلح مع النبي صل الله عليه وسلم .. ثم تبين للمسلمين أن عثمان لم يقتل .. وبعد مفاوضات بين النبي وقريش عقد صلح الحديبية وفيه : أن يأتي النبي في العام القابل ويدخل مكة ويقيم ثلاثة أيام .. ونزلت سورة الفتح بعد أن عاد النبي من الحديبية تسلية للمؤمنين الصادقين .. و تبدأ الآية الكريمة بذلك الرضوان من الله لصحابة النبي ممن بايع بيعة الرضوان .. ولم يقتصر هذا الرضوان على واحد من الصحابة دون غيره .. بل شمل كل من بايع النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة الحديبية تحت الشجرة على ألا يفروا في قتالهم مع المشركين .. و بايعوه على الموت .. بعد أن سرى بين المسلمين خبر قتل المشركين لعثمان بن عفان رضي الله عنه والذي حمل رسالة النبي صل الله عليه وسلم .. إليهم يخبرهم فيها أنه جاء ومن معه معتمرين ولم يأتوا للقتال .. ولقد كانت هذه البيعه في حقيقتها بيعة الله .. إذ يقول الله عز وجل : ) إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله( .. وكان ممن بايعوا رسول الله صل الله عليه وسلم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه .. والذي بايع النبيَ صل الله عليه وسلم ثلاث مرات في أول الناس وأوسطهم وآخرهم بأمر النبي عليه الصلاة والسلام تحت الشجرة .. وفي ذلك يقول سلمة : "فبايعتُه أولَ الناسِ .. ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسطٍ من الناسِ قال : بايِع يا سلمةُ .. قلتُ : قد بايعتُك يا رسولَ اللهِ في أولِ الناسِ .. قال : وأيضًا .. ثم بايع حتى إذا كان في آخرِ الناسِ قال : ألا تُبايِعُني؟ يا سلمةُ .. قال: قلتُ: قد بايعتُك يا رسولَ اللهِ في أولِ الناسِ .. وفي أوسطِ الناسِ .. قال: وأيضًا .. قال: فبايعتُه الثالثةَ" أخرجـه مـسـلـم .. وقد سُــئــل رضـي الله عـنـه عن تلك البيعة " على أي شيء كنتم تبايعون يومئذ؟ فقال: على الموت " أخرجـه البـخـاري .. وروى عبيد الله بن موسى عن موسى بن عبيدة عن إياس ابن سلمة عن أبيه قال: بينا نحن قائلون نادى مناد: أيها الناس البيعة البيعة فثرنا إلى رسول الله وهو تحت الشجرة فبايعناه فذلك قول الله عز وجل: " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم ". الآية .. قال يزيد بن أبي عبيد قلت لسلمة بن الأكوع : على أي شيء بايعتم رسول الله يوم الحديبية قال: على الموت وفي صحيح مسلم عن سلمة أنه بايع ثلاث مرات: في أوائل الناس .. ووسطهم .. وأواخرهم .. وبعد أن تم صلح الحديبية .. وبينما هو نائم تحت شجرة سمع مجموعة من مشركي مكة يقعون في رسول الله صل الله عليه وسلم ويسبونه .. وبعدها سمع أن رجلا من المسلمين قُتل فقام إلى هؤلاء المشركين وأسرهم وساقهم إلى النبي صل الله عليه وسلم .. ويقص سلمة رضي الله عنه هذه الواقعة .. يقول : " فلما اصطلَحْنا نحنُ وأهلُ مكةَ .. واختلط بعضُنا ببعضٍ .. أتيتُ شجرةً فكسحتُ شوكَها .. فاضطجعتُ في أصلِها .. قال: فأتاني أربعةُ من المشركين من أهلِ مكةَ .. فجعلوا يقعون في رسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ .. فأبغضتُهم .. فتحوَّلتُ إلى شجرةٍ أُخرى .. وعلَّقوا سلاحَهم .. واضطجَعوا .. فبينما هم كذلك إذ نادى مُنادي من أسفلِ الوادي : يا لَلمهاجرين قُتِلَ ابنُ زُنَيمٍ قال: فاخترتُ سَيفي .. ثم شددتُ على أولئِك الأربعةِ وهم رقودٌ .. فأخذتُ سلاحَهم .. فجعلتُه ضِغثًا في يدي .. قال: ثم قلتُ: والذي كرَّم وجهَ محمدٍ .. لا يرفعُ أحدٌ منكم رأسَه إلا ضربتُ الذي فيه عيناه .. قال: ثم جئتُ بهم أسوقُهم إلى رسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ .. قال: وجاء عمي عامرٌ برجلٌ من العبلاتِ يقالُ له مكرزٍ .. يقودُه إلى رسولِ اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ .. على فرسٍ مُجفَّفٍ .. في سبعينِ من المشركين .. فنظر إليهم رسولُ اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ وقال: }دَعوهم .. يكن لهم بدءُ الفجورِ وثناه { .. وعفا عنهم رسولُ اللهِ صلَّ اللهُ عليه وسلَّمَ .. وأنزل اللهُ تعالي قوله ( هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ) الفتح:24 الآية كلها - أخـرجـه مـسـلـم –
ويحكي سلمة بن الأكوع ما حدث في موقعة الغابة أو ذي قرد - ذِي قَرَدٍ: هو مكان به ماء على نحو مسيرة يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان - والتي حدثت في السنة السادسة من الهجرة .. فقد أخرج الإِمام أحمد عن سَلَمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: قدمنا المدينة زمن الحديبية مع رسول الله صل الله عليه وسلم فخرجت أنا وربَاح غلامُ النبي صل الله عليه وسلم ـ بظهر رسول الله صل الله عليه وسلم وخرجت بفرس لطلحة بن عبيد الله أريد أن أُنَدِّيه مع الإِبل .. فلما كان يجلَس أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول الله صل الله عليه وسلم فقتل راعيها وأخذوا زوجته .. وخرج يطردها هو وأناس معه في خيل .. فقلت: يا رباح أقعد على هذا فألْحقهُ بطلحة .. وأخبر رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قد أُغير على سَرْحه .. قال: وقمت على قِلْ .. فجعلت وجهي من قِبل المدينة .. ثم ناديت – ثلاث مرات -: يا صباحاه - هي كلمة تقال عند استنفار من كان غافلا عن عدوه - .. قال: ثم اتَّبعت القوم معي سيفي ونبلي .. فجعلت أرميهم وأعقِر بهم .. وذلك حين يكثر الشجر .. فإذا رجع إِليّ فارس جلست له في أصل شجرة ثم رميت .. فلا يُقبل إليّ فارس إلا عقرت به .. فجعلت أرميهم وأنا أقول: أنا ابن الأكوعِ واليومُ يومُ الرُّضَّع .. قال: فألحق برجل منهم فأرميه وهو على راحلة .. فيقع سهمي في الرجل حتى أنتظم كتفه فقلت خذها وأنا ابن الأكوعِ واليوم يوم الرُّضَّعِ - اليوم يوم الرضع: قالوا معناه اليوم يوم هلاك اللئام .. وهم الرضع .. من قولهم : لئيم راضع .. أي رضع اللؤم في بطن أمه .. وقيل : لأنه يمص حلمة الشاة والناقة لئلا يسمع السؤال والضيفان صوت الحلاب .. فيقصدوه .. وقيل : لأنه يرضع طرف الخلال الذي يخلل به أسنانه .. ويمص ما يتعلق به .. وقيل : معناه اليوم يعرف من رضع كريمة فأنجبته .. أو لئيمة فهجنته .. وقيل : معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره .. وتدرب بها - .. فإذا كنت في الشجر أحرقتهم بالنبل .. فإذا تضايقت الثنايا عَلَوت الجبل فردَّيتهم بالحجارة .. فما زال ذلك شأني وشأنهم أتبعهم .. وأرتجز حتى ما خلق الله شيئاً من ظَهْر رسول الله صل الله عليه وسلم إلا خلَّفته وراء ظهري .. فاستنقذته من أيديهم .. ثم لم أزل أرميهم حتى ألقَوا أكثر من ثلاثين رمحاً .. وأكثر من ثلاثين بُرْدة يَستخِفُّون منها .. ولا يُلْقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة .. وجمعته على طريق رسول الله صل الله عليه وسلم حتى إذا امتدّ الضحى أتاهم عُيَينة بن بدر الفَزاري مَدداً لهم وهم في ثنيَّة ضيِّقة .. ثم علَوت الجبل فأنا فوقهم .. فقال عيينة : ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا من هذا البُرَح ما فارقنا بسَحَر حتى الآن .. وأخذ كلَّ شيء بأيدينا وجعلته وراء ظهره .. فقال عيينة لولا أنَّ هذا يرى أن وراءه طلباً لقد ترككم .. ليَقُم إِليه نفر منكم .. فقام إليه نفر منهم أربعة فصعدوا في الجبل .. فلما أسمعتهم الصوت قلت : أتعرفونني؟ قالوا: ومن أنت؟ قلت: أنا ابن الأكوع .. والذي كرّم وجه محمد لا يطلبني رجل منكم فيدركني .. ولا أطلبه فيفوتني .. فقال رجل منهم إنّ أظنّ .. قال: فما برحت مقعدي ذلك حتى نظرت إلى فوارس رسول الله صل الله عليه وسلم يخلّلون الشجر .. وإِذ أولهم الأخرم الأسديّ .. وعلى أثره أبو قتادة فارس رسول الله صل الله عليه وسلم وعلى أثره المقداد بن الأسود الكِندي .. فولّى المشركون مدبرين .. وأنزِل من الجبل فآخذ عِنان فرسه .. فقلت: يا أخرم إئذن القوم – يعني إحذرهم – فإني لا آمن أن يقتطعوك فاتئد حتى يلحق رسول الله صل الله عليه وسلم وأصحابه .. قال: يا سلمة إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر .. وتعلم أنَّ الجنة حق والنار حق فلا تَحُل بيني وبين الشهادة .. قال: فخلّيت عنان فرسه .. فيلحق بعبد الرحمن بن عيينة .. ويعطف عليه عبد الرحمن فاختلفا طعنتين .. فعقر الأخرم بعبد الرحمن .. وطعنه عبد الرحمن فقتله .. فتحول عبد الرحمن على فرس الأخرم .. فيلحق أبو قتادة بعبد الرحمن .. فاختلف طعنتين فعقر بأبي قتادة وقتله أبو قتادة .. وتحول أبو قتادة على فرس الأخرم .. ثم إنِّي خرجت أعدو في أثر القوم حتى ما أرى من غبار صحابة النبي صل الله عليه وسلم شيئاً .. ويعرضون قبل غيبوبة الشمس إلى شِعْب فيه ماء يقال له «ذو قَرَد» .. فأرادوا أن يشربوا منه فأبصروني أعدو وراءهم فعطفوا عنه .. وأسندوا في الثنيّة ثنيّة ذي بئر» وغربت الشمس وألحق رجلاً فأرميه فقلت: خذها وأنا ابن الأكوعِ واليوم يوم الرضّعِ .. قال: فقال: يا ثُكَلْ أمِّ أكوع بكرة فقلت: نعم .. أي عدوَّ نفسه – وكان الذي رميته بكرة .. وأتبعته سهماً آخر .. فعلق به سهمان .. ويخلِّفون فرسين فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله صل الله عليه وسلم وهو على الماء الذي أجليتهم عنه – ذي قَرَد - وإذا بنبي الله صل الله عليه وسلم في خمسمائة .. وإِذا بلال قد نحر جزوراً ممَّا خلَّفت فهو يشوي لرسول الله صل الله عليه وسلم من كبدها وسنامها .. فأتيت رسول الله صل الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله خلِّني فأنتخب من أصحابك مائة .. فآخذ على الكفار بالعَشوة فلا يبقى منهم مُخْبر إلا قتلته فقال: «أكنت فاعلاً ذلك يا سلَمة؟» قال: قلت: نعم .. والذي أكرمك .. فضحك رسول الله صل الله عليه وسلم حتى رأيت نواجذه في ضوء (النار) .. ثم قال: «إنهم يُقْرَون الآن بأرض غطفان» فجاء من غطفان فقال: «مرّوا على فلان الغطفاني .. فنحر لهم جزوراً .. فلما أخذوا يكشِطون جلدها رأوا غَبَرة فتركوها وخرجوا هراباً .. فلما أصبحنا قال رسول الله صل الله عليه وسلم «خير فرساننا أبو قتادة وخير رجَّالتِنا سلمة» .. فأعطاني رسول الله صل الله عليه وسلم سَهْمَ الفارس والراجل جميعاً .. ثم أردفني وراءه على العَضْباء راجعين إلى المدينة .. فلما كان بيننا وبينها قريبٌ من ضحوة – وفي القوم رجل من الأنصار كان لا يُسبق – جعل ينادي: هل من مسبق؟ ألا رجل يسابق إِلى المدينة؟ فأعاد ذلك مراراً وأنا وراء رسول الله صل الله عليه وسلم مُرْدِفي .. فقلت له: أما تُكرم كريماً .. ولا تهاب شريفاً؟ قال: لا .. إلا رسول الله صل الله عليه وسلم قال قلت: يا رسول الله – بأبي أنت وأمِّي – خلّني فلأسبق الرجل .. قال: «إن شئت» .. قلت: اذهب إِليك .. فطفر عن راحلته .. وثنيت رجلي فطفرت عن الناقة .. ثم إنِّي ربطت عليه شَرَفاً أو شَرَفين – يعني استبقيت من نَفَسي - ثم إن عدوت حتى ألحقه فأصكَّ بين كتفيه بيدي .. قلت: سبقتك والله أو كلمة نحوها .. قال: فضحك .. قال: إِن أظنُّ .. حتى قدمنا المدينة - وهكذا رواه مسلم - عنده: فسبقته إلى المدينة .. فلم نلبث إلا ثلاثاً حتى خرجنا إلى خيبر وقد كـافـأ النبيُ صل الله عليه وسلم سلمة مكافأة مادية ومعنوية .. حيث أعطاه نصيب الراجل والفارس معا فجمعهما له وقال صل الله عليه وسلم: " كان خيرُ فَرسانِنا اليومَ أبو قتادةَ .. وخيرُ رجَّالتِنا سلمةُ" .. وأردفه النبيُ صل الله عليه وسلم وراءه على ناقته العضباء
وشارك رضي الله عنه في غزوة خيبر التي وقعت في شهر محرم من العام السابع من الهجرة .. .. وأصيب سلمة رضي الله عنه في ساقه فرقاه النبي صل الله عليه وسلم فشُفيت بإذن الله .. فعن يزيد بن أبي عبيد قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة فقلت: يا أبا مسلم .. ما هذه الضربة ؟ قال: هذه ضربة أصابتني يوم خيبر .. فقال الناس: أصيب سلمة .. فأتيت النبي فنفث فيه ثلاث نفثات .. فما اشتكيتها حتى الساعة" أخرجه أبو داوود .. وصححه الألباني
وفي يوم خيبر استشهِد أخو سلمة (عامر بن الأكوع) رضي الله عنه حيث خرج ليبارز (مرحب) الفارس اليهودي فأراد اليهودي أن يضرب عامر فوقع السيف في ترسه .. حينئذ أراد عامر رضي الله عنه أن يجهز عليه من الأسفل فأخطأ وأصاب نفسه فقتُل رضي الله عنه .. والتبس الأمر علي بعض الصحابة .. وظنوا أن عامرًا رضي الله عنه قد قتل نفسه فقالوا: بطل عملُ عامرٍ .. قتل نفسَه - فحزن سلمة رضي الله عنه لذلك .. وذهب إلى النبي صل الله عليه وسلم يسأله فطمأنه النبي عليه السلام وقال : "كذَب من قال ذلك .. بل له أجرُه مرَّتَينِ" .. ففرح بذلك سلمة رضي الله عنه .. وفي رواية أخري .. إنه ليسبح في أنهار الجنة . وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: تخلف علي رضي الله عنه عن النبي في خيبر.. وكان به رمد .. فقال: أنا أتخلف عن رسول الله .. فخرج علي فلحق بالنبي .. فلما كان مساء الليلة التي فتحها في صباحها .. فقال رسول الله: "لأعطين الراية -أو قال ليأخذن - غدًا رجلاً يحبه الله ورسوله - أو قال- يحب الله ورسوله يفتح الله عليه" .. فإذا نحن بعليٍّ وما نرجوه .. فقالوا: هذا عليٌّ .. فأعطاه رسول الله .. ففتح الله عليه وشارك في سَرِيَّةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى بَنِي كِلابٍ بِنَجْدٍ .. وهي ناحية ضربة فِي شعبان سنة سبع من مهاجر رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عن إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنُ الأَكْوَعِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ – صَلَّ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَلَيْنَا فَسَبَى نَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْنَاهُمْ .. فَكَانَ شِعَارُنَا: أَمِتْ أَمِتْ قَالَ: فَقَتَلْتُ بِيَدَيَّ سَبْعَةً أَهْلَ أَبْيَاتٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وشارك في غزوة حنين في السنة الثامنة من الهجرة .. ويحكيها سلمة رضي الله تعالي عنه .. فعن زهير بن حرب .. عن عمر بن يونس الحنفي .. عن عكرمة بن عمار .. عن إياس بن سلمة .. عن أبيه سلمة بن الأكوع رضي الله عنهم أجمعين قال: غزونا مع رسول الله حنينا .. فلما واجهنا العدو تقدمت .. فأعلو ثنية .. فاستقبلني رجل من العدو .. فأرميه بسهم .. فتوارى عني .. فلما دريت ما صنع .. ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى .. فالتقوا هم وصحابة النبي .. فولى صحابة النبي .. وأرجع منهزما .. وعلى بردتان .. متزرا بإحداهما .. مرتديا بالأخرى .. فاستطلق إزاري - أي انحل لاستعجالي - .. فجمعتهما جميعا .. ومررت على رسول الله منهزما - قال العلماء: قوله منهزما حال من ابن الأكوع كما صرح أولا بانهزامه .. ولم يرد أن النبي انهزم .. وقد قالت الصحابة كلهم : إنه ما انهزم .. ولم ينقل أحد قط أنه انهزم في موطن من المواطن .. وقد نقلوا إجماع المسلمين على أنه لا يجوز أن يعتقد انهزامه .. ولا يجوز ذلك عليه - وهو على بغلته الشهباء .. فقال رسول الله (لقد رأى ابن الأكوع فزعا) فلما غشوا رسول الله – أي أتوه من كل جانب - نزل عن البغلة .. ثم قبض قبضة من تراب من الأرض .. ثم استقبل به وجوههم .. فقال (شاهت الوجوه) فما خلف الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا .. بتلك القبضة .. فولوا مدبرين .. فهزمهم الله عز وجل .. وقسم رسول الله غنائمهم بين المسلمين
ويحكي عن مشاركته في غزوة هوازن .. يقول زهير بن حرب .. حدثنا عمر بن يونس الحنفي .. حدثنا عكرمة بن عمار .. حدثني إياس بن سلمة .. حدثني أبي سلمة بن الأكوع قال: غزونا مع رسول الله هوازن .. فبينا نحن نتضحى – نتغدي مأخوذ من الضحاء وهو بعد امتداد النهار وفوق الضحى - مع رسول الله إذ جاء رجل على جمل أحمر .. فأناخه .. ثم انتزع طلقا من حقبه - الطلق العقال من جلد .. والحقب حبل يشد على حقو البعير – الإزار من الرجل - فقيد به الجمل - .. ثم تقدم يتغدى مع القوم .. وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة – أي في حالة ضعف وهزال - في الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد - يعدو - .. فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخ وقعد عليه فأثاره - ركبه - .. فاشتد به الجمل .. فاتبعه رجل على ناقة ورقاء – لونها أسود كالغبرة - .. قال سلمة : وخرجت أشتد .. فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل .. ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته .. فلما وضع ركبته في الأرض اخترطت سيفي – سللته - فضربت رأس الرجل فندر - سقط - .. ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه .. فاستقبلني رسول الله والناس معه .. فقال (من قتل الرجل؟) قالوا : ابن الأكوع
وكان سلمة على جوده المفيض أكثر ما يكون جوادا اذا سئل بوجه الله ..
فلو أن إنسانا سأله بوجه الله أن يمنحه حياته .. لما تردد في بذلها .. ولقد عرف الناس منه ذلك .. فكان أحدهم إذا أراد أن يظفر منه بشيء قال له : " من لم يعط بوجه الله، فبم يعطي؟؟ "
ولمّا استشهد عثمان بن عفان أدرك سلمة أن الفتنة قد بدأت .. فرفض المشاركة بها .. وحمل متاعه وغادر المدينة إلى الربدة - نفس المكان الذي اختاره أبو ذر من قبل مهاجرا له ومصيرا - .. وتزوج وعاش بقية حياته فيها حتى عام أربعة وسبعين للهجرة .. فأخذه الشوق إلى مدينة رسول الله صل الله عليه وسلم فسافر إليها زائراً .. ومكث فيها يومين .. وفي اليوم الثالث توفي وهو ابن ثمانين سنة .. عن يزيدَ بنِ أبي عُبَيدٍ قال: لما قُتِل عُثمانُ بنُ عَفَّانَ .. خرَج سَلَمَةُ بنُ الأكوَعِ إلى الرَّبَذَةِ .. وتزوَّج هناك امرأةً .. وولَدَتْ له أولادًا .. فلم يَزَلْ بها .. حتى قَبلَ أن يموتَ بلَيالٍ .. نزَل المدينةَ .. أخرجه البخاري- وهكذا ناداه ثراها الحبيب الرطيب ليضمّه تحت جوانحه ويؤويه مع من آوى قبله من الرفاق المباركين .. والشهداء الصالحين .. وأراد ابنه أيّاس أن يلخص فضائله في عبارة واحدة فقال: " ماكذب أبي قط" .. ويكفي الإنسان أن يحرز هذه الفضيلة .. ليأخذ مكانه العالي بين الأبرار والصالحين .. ولقد أحرزها سلمة بن الأكوع وهو جدير بها رضي الله عنه وأرضاه و الصحابة أجمعين ..