GuidePedia

 طالب عباس هاشم .. شاعر يبحث عن السلام والزيتون ..

------   بقلم : ناظم عبدالوهاب المناصير 

   ينساب شعره في نفوسنا بدون تكلف كالماء السلسبيل ،   إيقاعاته تعطَّرَ الأماكن كلهـا بمساحات

وافرة في قلوبنا ، يأتينا منسابا بهفهفات الروح النقية ... 

  شخصيا" لم ألتقِ بالشـــاعر طالب عباس هاشم رغم أن مسكنه في أبي الخصيب ، لايبعـد عن 

مسكني في باب سليمان إلاّ بضعة أمتار .. 

   نهـر أبي الخصيب يمتـدُّ إلى مسافات بعيـــدة بعمق القرى الجالســة على شاطئيــه منذُ مئـات

السنين ، شاعرنا تلد  لديه الكلمات ندية .. هادئة .. صافية كصفاء الســــماء بيوم ربيعي .. يقرأ 

ويكتب ويدندن مع نفســه أشعار الطفولـة التي ما فتئت تكبر وتنضج ليحتويها ديوانــه الأول في  

ســنة 1987  ؛ ولعلي أقول مهما أردتُ أن أكتب عنـه فلابد من وضع خطة مفصلـة فيها يكون

معي لأستخلص تجربته الواسعة والغنية بثقافتــة العاليـــة المتدفقة بالحب والأمل والحياة  منـــذ كان في معهد المعلمين ولقائه مع 

أستاذه الشاعر محمود البريكان ..لكن أراه منشغلا" بعمله كمدير مدرســة أو أنه يفضل الأبتعاد

عن الأضواء ... 

ـــــــــــــــــ العشق 

أختارُ لنفسي زاوية" 

أجلسُ كالولد العاقل منتظرا" 

أن ْ تأتي سيدتي قبلَ الموعد ِ

يقفزُ هذا القلبُ المتعبُ 

من ألمِ البُعدِ 

ويهمسُ في أذني ،

           جاءتْ .. ؟!

أقولُ له صبرا" يا قلبُ 

               وكنْ مثلي 

وأجلسْ مثلَ الولدِ العاقلِ ، 

ـــــــــــــــــــــــــــــ

بتاريخ 15/1/2015 ألتقيتُ به في جانب مـن حفل أســــــتذكار أُقيمَ لمرور ربع قرن على وفـاة 

الشاعر المرحوم مصطفى عبدالله ، على قاعة جمعيـــة الأقتصاديين العراقيين فرع  البصرة ...

سـلّمَ عليّ وعرَّفني عن نفسه بأنه طالب عباس هاشم .. عرفته كونه أحد أقرباء صديق لي .. 

   تجربتـــــــه الشـــعرية بدأت في ثمانينات القرن الماضي .. لا يحبذ النشــر ، لذا فأنه أصدر 

مجموعتين شعريتين الأولى سنة 1987 والثانية سنة 2012 ..

   قصيدته الشيخ  تتصف باليأس من الحياة .. كتبها حينمــا أرتحل

الجميع من مدينة أبي الخصيب خلال الحرب المدمرة ( 1980 ــ 1988 ) .. الحرب أستمرت 

طويلا" ، وكانت صدمة كبيرة لـهُ  لم يعد يتحملهــا حيث كان اليأس مســــيطرا" عليه وعلى حياتــه ، التي 

أصبحت صعبة .. سكن محافظة السليمانية خلال فترة تصاعد الحرب بين العراق وإيران .. 

   نظمَ الشعرَ في مراحل مختلفة من حياته ، بدءا" من القصيــدة العمودية ، مرورا" بقصيـــدة

التفعيلة وأنتهاء" بقصيدة النثر ..

   كان رأي الشاعر كاظم الحجاج 

                                  من   " أنه لم يتفاجأ بما ســـمع من شعر طالب عباس هاشم ، كونـه

أحد الشعراء المهمين ، موضحا" بأنه كان في عزلة تشبه عزلة البريكان ، وله أسلوبه الشعري

الجميل وأنسانيته المفرطة تطغى على شعرة ، وأنّ أرتباط حياة طالب عباس بشعره وكأنهمــــا 

ينتجان في نظام واحد وليسا متفارقين لبعضهما " ... أمّـا المرحوم  الشاعر مجيـــد الموسوي ــ  فقال عنه : الشاعر طالب عباس يمثل واحدا" من شعراء نخبــة تكاد تكون منســـية ، إلاّ 

أنهــا كبيرة التأثير في المشهد الشعري البصري ، لا تسعى للشهرة ، غير أنها كبيرة العطاء " 

 الدكتور حسين فالح نجم قال عنه : أنه  أحد رهبان الشعر العراقي .. ثمّ قال : لقد أفاد شعراء 

الحداثة من عنصري المضمون والبناء في الحكاية بنقل مستوى الخطاب الشعري من المباشرة

إلى الترميز ومن الغنائية إلى الســــرد ومن الخطابيــــــة والتقرير إلى الأيحاء مع الحفاظ على 

أستراتيجية الأنطلاق في الشعر أولا" إلى تلك الأنواع الحكائية المتنوعـــــة وأستضافتها لأنجاز 

قصيدة لا تنشغل بالوصف عن السرد وبالغنائية عن الترميز ، 

         إلى محمود البريكان 

ألأَن وجهـك َ مثمرٌ 

يبقى نديّا" في الرياح ْ ؟ 

ألأنك الماشي ومُلء عيونك الدمعُ الجليل ُ

وملء جنبيكَ الرماح ْ ؟ 

ألأنكَ الباكي لودِكَ خلف نافذةِ الأسى 

لم يلحظوا فيك الجراح ْ؟ 

ألأنَ نزفكَ ــ مذ أتاك َ ــ بلا ضجيج 

يبقى هواك َ هوى" بهيجْ 

يا أيها الرجلُ المعطَّرُ بالصباحْ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ   الشيخوخـة 

من لي إذا 

هجمت بمعولهــا السنون ُ وهدَّمت ْ 

لي ما بنيتٍ ؟ 

من لي إذا 

شاخت ْ قصيدتي الكبيرةُ 

أو تداعت ْ كلّها

بيتا" 

فبيتْ ؟

والناس هلْ 

تُصغي لما سأقوله ُ

ونحنُّ إنْ 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ    الراهب 

ما زال في أوراقي الأولى الندى 

حاصرتني فيما مضى 

بالصمت .. بالوجلِ المحببِ 

في تفّتح بســمةٍ 

تأتي كسيل من مضيقٍ في الشفاه ْ

طعّمتَ وجهي بالســنا 

أيكون لي 

هذا الهوى والمهرجان ؟

هل صوتكَ المنسابُ في سمعي ، حفيفٌ 

أم صدى ؟

ذاكَ الذي أيقظتَ ــ في صدري ــ 

  (وصايا أخيرة )

خذ بندقيِتك وأمضِ إلى الغابة 

لكن لا تعــدْ بحقيبتك .. 

محشوة بالطيور وبالدماء .. 

خذ فأسك َ

 المشحوذة 

وأمضِ إلى البستان ..

لكن لا ترجع بأغصانٍ مبتورة 

تاركا" الأنين من السيقان والجذور 

خذ سلاحك وأمضِ إلى الحربِ 

الحرب التي داهمت روحك 

وأنت تكتب عن السلام وعن الزيتون 

ـــــــــــــــــــــــــ الشاعر محمد صالح عبدالرضا قال عنه : 

حيثُ الأيام تمشي صامتة أو صاخبة 

وحيثُ تغوص أصداء الشاعر على غير موعد .. كان طالب عباس يحدق في مقلتي القصيدة 

وتغيب طيوفه في جداول أبي الخصيب وأزهاره المخضلة .

وتصعد مع خطرات النسيم إلى ذرى الســعفات يعلمه الزمان كيف تكون رهافة الهوى الذي 

يدني والهوى الذي يبرح ..

قصائده أغانٍ لضمير الحياة تنث على رسلها رؤاها ومراياها أجمل ، إذ تبوح بأسرارها وبما

يشغل القلب والطموح حيث اللهفة والتبريح....!!   

ــــــــــــــــــــــــــــ

        ناظم عبدالوهاب المناصير 

البصرة / العراق



 
Top