المفرجي الحسيني
أعـــادت لـي بـــسمتي
---------------------------------
كانت الى جانبي شعلة متألقة، كان فرحي بها ربيعاً، نعبر الشارع هي تسبقني بخطوتين وانا اتأمل شعرها الفاحم. أحس بغبطة لا حدود لها. التفتت الي وهي تمازحني ضاحكة: عجّل واسرع ، وانا الرجل الكهل أتأبط ذراعها ثم أجتاز الشارع. كان الشارع شبه فارغ من الحياة الا من بعض الكهول، نساء ورجال مستسلمين الى المقاعد العامة المنتشرة على الرصيف دون حركة ما الا نادراً. البعض منهم يقاوم اغفاءة والبعض يحدق في فراغ مع الصمت الذي يلف كل شيء. أحسست كأنني خارج الحاضر او كأنني أعود القهقري الى بعض سنوات العنفوان، لم أكن شغوفاً بالحركة في الشوارع وحياتها بقدر شغفي بالحياة المتحركة، ومع ذلك خضت لذات الشعر الفاحم وسرت معها في هذه الشوارع. كانت تتأمل كل شيء بانتباه فيما كنت خلفها القي نظرة عابرة على كل ما حولي ثم أعاود التأمل بذات الشعر الفاحم. مر وقت غير قليل على هذه الحال، قلت لها: إذا ظللنا على هذه الحال سنظل هنا طويلاً وأنا بتُّ كهلاً لا أقوى على هذه الحال. قالت: من الافضل أن نبقى هكذا لتجدد دمك، لقد انزويت في غرفتك طويلاً انظر الى الحياة من حولك، إنها مستمرة، ماذا إن فقدت صديقاً أو ابنا الحياة مستمرة رغم ذلك.
ثم شدتني من يدي الى احدى المحال التي تعرض بضاعة خاصة بالرجال وانا مستسلم لذلك، قلت لها اقترح ان نسرع فقد لا تتاح لي العودة الى الدار سالماً، مازحتني لا زلت شاباً. وكان بالقرب منا مصور متجول طلبت منه أن نتصور مع بعض ، أعطانا الصورة ، أنظر كم انت شاب ، عليك أن تبدل هذه الملابس. ودخلت المحل وطلبت من البائع أن يبدل كل شيء ألبسه، خرجنا من المحل أرتدي ملابس جديدة ، والتصقت بي ومررت ذراعها تحت ذراعي، أنت جميل يا والدي وأنا أتأملها، إنها تشبهني تماماً أحس أن زوجتي بكل رقتها وشعرها المخطوف من ليل بلا نجوم وعينيها الواسعتين وطولها الفارع كنخلة الفرات كل ذلك أوحى لي في هذه اللحظة أنها فعلاً أمامي، تخضبت لحيتي بالدموع، فحنان ورقة ابنتي ارجعتني الى أيامي التي دثرتها قابعاً في غرفتي بعد وفاة زوجتي، قبلتها في جبينها ومسكتها بحنان، لقد أعادت لي حياتي من جديد.
توقفت لحظات لأستعيد هدوء حياتي، ولامست كتفها بحنان ولاحظت سعادة بهية تملأ عينيها، أمسكت يدها برفق، واسرعت عائداً الى الدار.
**********
المفرجي الحسيني
اعادت لي بسمتي
العراق/بغداد
26/6/2021