GuidePedia

بقلم : ماهر اللطيف


 الغربة والاغتراب

--------------

يبدو من العنوان أن المصطلحين متشابهان إن لم نقل أنهما يؤديان نفس المعنى أو يحيلان عليه إذ أنهما مشتقان من فعل واحد أصلي هو "غ ر ب"

فغرب الشخص هو ذهب، فيما غرب فلان عن وطنه هو ابتعد عنه،(اقتصرنا على هذا التعريف لتعلقه بحديثنا دون بقية التعريفات كغربت الشمس بمعني اختفت عن مغربها وغيرها...) ،فنحن إذن هنا بصدد الحديث عن الذهاب والبعد ومشتقاتهما بالأساس.

فإن كان الأمر كذلك، فلماذا نذكر مصطلحين ولا نقتصر على مصطلح واحد فقط ما دمنا في حضرة معنى واحدا؟

ففي الحقيقة، فإننا فعلا سنحكي على البعد والهروب واعتزال الناس الذين اعتدنا التواصل معهم وغيرها من المرادفات، لكننا فعليا سنحكي على الذهاب خارج الوطن والذهاب داخل الوطن، لذلك استنجدنا بمصطلحين متشابهين ظاهريا لكنهما مختلفان واقعيا.

فمصدر غرب "غربة" يعني الذهاب أو السفر إلى خارج الوطن وهو ما نصطلح عليه بالهجرة اما للدراسة او العمل أو غيرهما. والغربة تستوجب الإقامة خارج الوطن الأم لفترة تتجاوز فترة السياحة او العطلة العادية، اي انها عادة تتجاوز ثلاثة أشهر متتالية على الأقل لتطول حسب رغبة وحاجيات المهاجر واهدافه.... ،وهي في الحقيقة ارادية في معظم الحالات (ماعدا الغربة القصرية المرتبطة بالسياسة او القضاء وغيرها) ارتآها صاحبها حلا لتغيير واقعه او تحسينه وهروبا من واقع معيش لم يرضه ولم يستحسنه لسبب ما، فيهجر حياته العادية بما فيها من عادات وتقاليد ودين أحيانا ولغة وكل مألوف وغيرها من السنن والتصرفات اليومية وغيرها....

فيما نقصد بمصطلح "اغتراب" الهروب  أو العزلة الداخلية وهي تعني ببساطة غربة زجرية فرضت على الشخص فبات يشعر بالوحدة وعدم الانتماء لمن حوله وإن شاركهم الدين واللغة والعادات والتقاليد وغيرها،فاختلف عنهم في عدة أمور - قد تمس حتى ما سلف ذكره - ، وابتعد عنهم وهو بينهم  وقد قل التواصل والتفاعل بينهم وكثر الصدام والاختلاف والعراك والسب وغيرها ،إلى أن كره المجتمع ومن وما فيه، فخير هجرهم والاستنجاد بذاته أين سينزوي ويعتكف ويعيش- اضطرارا لا اختيارا - إلى أن تتغير الأمور او تحل الساعة....

والاغتراب أصعب من الغربة فعليا، إذ يدفع هذا المصطلح إلى الوراء  و اليأس والاستسلام والخنوع والهدم وقد يصل بصاحبه إلى ما لا يحمد عقباه على نفسيته وجسده وحياته وسيرورته ورؤىته لغده وغيرها ...،عكس الغربة الدافعة إلى البناء والتفاؤل والجد والكد وغيرها...

لذا،فإنه من المفيد جدا الاعتناء بالغير عند التعامل معه خاصة إذا كان قاصرا او طفلا وايلائه ما يستحقه من أهمية وعناية وتكوين وتأهيل والاحاطة على جميع الأصعدة وخاصة منها النفسية والاجتماعية  والدينية وغيرها، فاي خلل وسوء تصرف وإن كان عفويا او تلقائيا قد يؤدي إلى كوارث ومصائب تحفر في قلوبنا وذواتنا طول حياتنا من الممكن أن تنال منا وتحبطنا أيضا متى كانت ضمائرنا حية تهاب الله وتخشاه وتسعي إلى ارضائه وارضاء عباده لنيل جنانه غدا.

_________________________________________

بقلم : ماهر اللطيف




 
Top