السعيد أحمد عشي
الإصلاح و الإفساد
إن كون الدين يتمثل فيما يجب على المدان أن يدفعه للدائن من الأموال أو يقدمه له من الخدمات مقابل ما حصل عليه من عنده من المنتجات و الأرزاق ، و إن كون الله سبحانه تبارك و تعالى هو صاحب الأرض و السماوات و بالتالي فهو صاحب كل المنتجات و الأرزاق في الأصل و ليست الدول و العباد هم الذين خلقوا الأرزاق و ثروات أرض الله . و إن كون الله عز وجل لا حاجة له إلى استرجاع الأموال التي هي من مدده هو نفسه لعباده ، كما أنه لا حاجة له لخدماتهم فقد قضى أن يتمثل دينه في طاعة عباده له دون سواه . و قد قضى أن تكون هذه الطاعة في إنفاق العباد للأموال و الأرزاق في سبيل الله و في سبيل إحسان العباد لأنفسهم و لذويهم و لجميع إخوانهم في الإنسانية بل فرض علينا الإحسان لجميع مخلوقاته و ذلك بأمره لنا بفعل الصالحات و ترك الخبائث لأن الله ما خلق من شيء عبثا و لكنه قد خلقه لغاية . أما بقية العبادات التي فرضها الله علينا فالهدف منها هو تذكر فضل الله و كرمه و جوده و إحسانه للاقتداء به عز و جل و طاعته وحده دون سواه .
إن كون الأموال عبارة عن وسيلة لتقسيم أرزاق الله و منتجات أرضه على عباده و كون التقسيم العادل للأرزاق و المنتجات على العباد يقتضي تقسيم الأموال على جميع العباد أولا لأنه لا يمكن البيع و الشراء و الإنتاج و الحصول على المنتجات إلا بالعمل و توفر الأموال . لقد كان التعامل بين العباد عبارة عن مقايضة المنتجات بالمنتجات أو مقايضة المنتجات بالفضة و الذهب و غيرهما من المعان ذات القيمة المساوية لقيمة المنتجات التي تستبدل بها . و لتغيير هذا النظام الرباني المسمى بالدين الشرعي قام القراصنة الكفار المسيحيون و اليهود بتهريب الذهب الذي حصلوا عليه بطرق غير شرعية ثم اكتنزوه و ابتدعوا أموالا غير شرعية و أصبحوا هم الذين يقسمون أرزاق الله على عباده طبقا لما يحقق مصالحهم و مصالح الحكام الذين يسيرون تلك الأموال و ليس طبقا لشريعة الله و دينه الإسلام الذي ارتضاه الله لجميع عباده .
إن خلق العملات النقدية باسم الدول و حسب ما تملكه كل دولة من احتياطات ذهبية و حسب ما تسمح به تلك العملات من حصول أصحابها عليه من أرزاق و منتجات العالم التي نعتبرها قادمة من عند الله قد جعل الولايات المتحدة الأمريكية هي التي تحصل على أكبر مقدار من العملات و هي التي تحصل على أكبر مقدار من منتجات العالم ، و جعلها و كأنها الدولة الأكثر إنتاجا لجميع الأرزاق في العالم و جعلها و كأنها هي التي ترزق من تشاء و تحرم من تشاء بفرض العقوبات الاقتصادية على الدول و على العباد الذين لا يطأطئون رؤوسهم لنظامهم الرأسمالي اللائكي التمييزي الظالم . إن النظام الشرعي هو النظام الذي تقسم فيه أرزاق و منتجات أرض الله على عباده بواسطة ما يمد الله به عباده من الأموال . أما النظام الوضعي المخالف لشرع الله فهو النظام الذي تقسم فيه أرزاق و منتجات أرض الله بالعملات الوضعية و حسب مقادير و قيمة كل عملة . لقد أصبح أرباب العملات الوضعية هم أصحاب الأرزاق و هم المقسمون لها بعملاتهم النقدية طبقا لشريعتهم و ليس طبقا لشريعة خالق الأرزاق و الديان الوحيد للعباد . و صار العباد من أتباع فرعون و قارون الذي قال عنه الله في محكم تنزيله : ( إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم و آتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أول القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين ، و ابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة و لا تنسى نصيبك من الدنيا و أحسن كما أحسن الله إليك و لا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين ) الآيتين (76، 77) من سورة القصص .
إن سبب الفساد و وجود الفاسدين يعود لاعتبار العملات النقدية أموالا قادمة من عند الله و شعور الذين يحصلون على تلك الأموال بأنهم يرتزقون من عند الله و لا يحسون بأن الكفار المسيحيين الغربيين و اليهود هم الذين ابتدعوا هذه العملات ليسيطروا بواسطتها على جميع شعوب العالم و لكي يكون العباد جميعا مدينين لهم و ليسوا مدينين لله . و إن العودة إلى الله لا تتحقق إلا بعملة حسابية لا تصك و لا تنسب لأي دولة يتم بواسطتها تقسيم أرزاق الله بواسطتها و بالعدل و المساواة بين جميع عباد الله . مع العلم أن الله لا يطلب من العباد مقابل ما يحصلون عليه من أرزاقه إلا الإقرار بأنه هو صاحب الأرزاق التي بين أيدي عباده و أنه هو الديان الوحيد لهم بما يجود به عليهم من المنتجات و الأرزاق ، مع العلم أن الإقرار بكون الله هو الرزاق الوحيد لعبادة يقتضي الإخلاص في العمل و الاكتفاء بالحلال عن المحرم من الأرزاق التي بين أيدي العباد و التعبير بالقول و الفعل على حمد و شكر الله . مع العلم أن عملة الله التي هي قيمة أرزاقه لا تبقى مع العباد بل تنتقل إلى الله بعد إنفاقها لأن صاحب الأرزاق هو الذي يجب أن يقبض قيمة أرزاقه ، أما ما يعرف بالبضائع و المنتجات التجارية و الصناعية فيجب أن تعتبر أرزاق الله و لا يحق لأي إنسان أن يحصل من أرزاق الله إلا بقدر نصيب قسمة الأموال على جميع عباده . لقد كان التعامل بالذهب يستدعي توفية قيمة المنتجات و أجور العمال و لكن لم يكن في وسع العباد معرفة مقادير الإنتاج و لا مقادير القيمة فكانوا يخطئون في التقدير ، و لكن بتطور العلم و التكنولوجيا نستطيع أن نقسم الأرزاق و المنتجات على جميع العباد بتقسيم العملة الحسابية على الجميع بالعدل و المساواة ، و بواسطة نفس العملة نستطيع توفير نفقات الإنتاج و يكون من أنفق نصبيه من الأموال و حصل على ما يقابلها من أرزاق الله عن طريق العمل الصالح و بالجد و الاجتهاد و الإخلاص في العمل قد استوفى دين الله . و من خان الله فقد خان نفسه و يجب أن لا يفلت من عقاب تبذير أموال الأمة و أرزاق الله .
باتنة في 19/06/2019
السعيد أحمد عشي