الحضارة الاسلامية واثرها في بناء الحضارة الغربية
ــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 10-5-2019
الإسلام بعالميته بزع ليعيد تشكيل الحياة الإنسانية من جديد وبخاصة على مستوى الأفكار والمشاعر الإنسانية . ...فمن ناحية الأفكار فقد وجه أتباعه نحو الاهتمام بالعلم والمعرفة مما عاد بمردود طيب على الحركة العلمية من وجوه عده أبرزها الأتي:
* إن نشر الدين كان يستتبع الحاجة إلى القراء او الكتاب حيث كانت آيات الكتاب الحكيم تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلوها من يعرف القراءة و على من لا يعرفها مع الفارق في الاستيعاب والحفظ بين الفئتين . وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحث على تشجيع تعلم القراءة والكتابة .
بل أن المصطفى عليه آفضل الصلاة والسلام حث بعض أصحابه على تعلم لغة غير اللغة العربية ، فأخذت روح العلم تنتشر تبعاً لذلك .
تضمت آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من التوجيهات المباشرة التي تحث على طلب العلم وترفع من قيمة العلم والعلماء قال تعالي : " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ "
* دعت آيات القرآن الحكيم العقل إلى التفكير في خلق الكون والوصول إلى شواطئ المعرفة والايات الكريمة التي وردت في هذا الشأن كثيرة متعددة الجوانب ومنها قوله تعالي إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
* تميزت تشريعات الإسلام بأنها ترتقي بالمستوى العقلي لمتلقي هذا الدين حيث نظمت جوانب الحياة المختلفة وفق قواعد عامة تمكن من استيعاب المتغيرات الحياتية المختلفة ، وتوجيهها بما يحافظ على المقاصد العامة للشريعة ، والتي تهدف إلى الحفاظ على الدين والنفس والمال والعقل والعرض .
وقد استفادت الحضارة الإسلامية من الحضارات السابقة سواء تلك التي انضوت تحت مظلة الحضارة الإسلامية او تواصلت معها واحتكت بها .
فالمنطقة التي نشأت فيها الحضارة الإسلامية ، هي المركز الأساسي والمجمع الرئيس لمعظم الحضارات الأساسية القديمة فقدماء المصريين أحرزوا تقدماً ملموساً في علوم الفلك والحساب والطب والصيدلة والهندسة والزارعة وغيرها ، كما أنهم مهروا في الرسم والنحت والعمارة والتحنيط . ولهم باع طويل في التعدين والصناعة بأنواعها المختلفة .
وعرفت بلاد الهلال الخصيب حضارات متعددة تركت موروثاً كبيرا في الطب والهندسة والزراعة والصناعة والتنظيمات التجارية .
واستفادت الحضارة الإسلامية خلال عصورها المختلفة من الحضارات المحيطة بها مثل الحضارة الاغريقية والهندية . وغيرها وذلك عن طريق الترجمة إلى العربية
تضافرت العوامل السابقة مع بيئة علمية مناسبة ، ففي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية اعتنى كثير من الخلفاء والعلماء بالحركة العلمية ، وهيأوا الجو الصالح لازدهار العلم وإبداع العلماء ، أنشئوا لذلك مؤسسات علمية متنوعة مثل المدارس والمكتبات وغيرها ، وبذلوا الكثير للحصول على المؤلفات والمصنفات بأنواعها المختلفة ، كما بذلوا الكثير من الأموال على العلماء الذين سموا بمكانتهم ورفعوا من قدرهم ، فقربوهم في مجالسهم . فالخليفة المأمون على سبيل المثال كان يعطى حنين بن اسحاق وزن الكتب التي يترجمها ذهباً . و السلطان مسعود الغزنوي أرسل إلى البيروني ثلاثة جمال تنوء بأحمالها من الفضة مكافأة له على كتابه ( القانون المسعودي) ولكن البيروني اعتذر عن قبولها بقولة إنه يخدم العلم للعلم وليس للمال .
للحضارة الاسلامية دوراً اً كبيراً في في بناء الحضارة الأوروبية. فالحضارة الإسلامية هي :" ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية "
كما اتسمت الحضارة العربية الإسلامية بالشمول و الواقعية و التوازن .و كان أثرها على الحضارة الغربية في ميدان العقيدة و الدين و في ميدان التشريع و العلوم التطبيقية و في ميدان اللغة و الأدب و الفلك و الكيمياء و الجغرافية و الفنون و العمارة و الرياضيات . مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر والنظام العشري، ونظرية التطور قبل "داروين" بمئات السنين، والدورة الدموية الصغرى قبل "هارفي" بأربعة قرون، والجاذبية والعلاقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون متطاولة، وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا الانعكاس والانكسار، وتقدير محيط الأرض، وتحديد أبعاد الأجرام السماوية، وابتكار الآلات الفلكية، واكتشاف أعالي البحار، ووضع أسس علم الكيمياء.
و في الفلسفة تأثرت أوروبا بابن سينا و الفارابي و ابن رشد و تم نقل كتب ابن رشد إلى اللاتينية . أما في مجال الجغرافية فقد استفاد الأوروبيون من كتاب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) لشمس الدين المقدسي و (معجم البلدان) لياقوت الحموي و ( مروح الذهب ) للمسعودي . كما استفادوا من كتب عبد الله الإدريسي . أما في الرياضيات فقد اوجد الخوارزمي علم الجبر و استفادوا منه , حتى أن كلمة جبر دخلت إلى لغتهم و استفادوا أيضاً من كتب أبو الوفا البوزجاني و نصير الدين الطوسي و ثابت بن قرة و الخازن البصري و ابن الهيثم و البيروتي و البتاني .
وفي علم الفلك هناك أسماء كثيرة أثرت على الحضارة الغربية نذكر منها رائد علم الفلك( اسحق نور الدين البطروجي )ولد في المغرب و عاش بالأندلس و كان له أثر عظيم في العلوم الفلكية في الغرب في القرن الثالث عشر . و هو فلكي و فيلسوف و من أهم مؤلفاته كتاب (الحياة ) و الذي ترجمه (ميشيل سكوت )إلى اللاتينية كما تمت ترجمته إلى العبرية في القرن السادس عشر .
و ما زالت أجزاء من كتاب (الزيج الكبير الحاكمي) الذي ألفه الفلكي ( ابن يونس أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري)، سنة 1007 في عدد من المكتبات العالمية مثل اكسفورد، وباريس، والاسكريال، وبرلين، والقاهرة.
و يعتبر قسطنطين الإفريقي أول مترجم أدخل العلم الاسلامي إلى أوروبا و هو من أصل عربي وولد بتونس و عاش بجنوب ايطالية و لقد ترجم أكثر من أربعين كتاباً منها الكتاب الملكي لعلي
و يعتبر كتاب(التصريف لمن عجز عن التأليف) الذي ترجم إلى اللاتينية للطبيب أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ( دائرة معارف طبية تقع في ثلاثين جزءاً، وتقول زغريد هونكه )عن هذا الجزء من الكتاب: وقد لعب القسم الثالث من هذا الكتاب دوراً هاماً في أوربا إذ وضع أسس الجراحة الأوربية، فقد كان لهذا لكتاب أثراً كبيراً في النهضة الأوربية على مدى خمسة قرون، حيث كان يدرس في جامعات أوروبا، كما كان الجراحون الأوربيون يرجعون إليه ويقتبسون منه.
و هكذا فقد انتشرت الثقافة العربية الإسلامية في العالم الغربي، ونهل علماء أوروبا من المصادر العربية الأصلية، ووجدوا أنها تراثٌ علميٌّ عظيمٌ. ويقول سيديو: "كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروهما أينما حلت أقدامهم، وتسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سبباً في نهضتها وارتقائها)".
"ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن العلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء"
و من أوائل الكتب التي ترجمت في عهد نابليون في مصر للفقه المالكي إلى الفرنسية ( كتاب الخليل ) الذي يعتبر نواة القانون المدني الفرنسي الذي جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي .
و مازال العرب المسلمون يساهمون في الإختراعات لغاية يومنا هذا نذكر منهم الدكتور اليمني (خالد عوض نشوان) و الذي حصل على الذهبية من هيئة كوندي العلمية المجرية عن اختراعه جهاز لتوسيع الأوعية الدموية الذي يمثل نقلة كبيرة في مجال الطب.
و هناك أيضا على سبيل المثال لا الحصر الدكتور السوري (علي بشير بطحة ) فقد اخترع جهاز يعالج تدفق البول الحالبي باستخدام الأمواج فوق الصوتية
كما أن هناك الدكتورة العاشقة للتراث العربي الاسلامي الباحثة السعودية ( حياة سندي )هي أول امرأة عربية تحصل على الدكتوراه في التقنية الحيوية من جامعة كامبردج العالمية، و ساهمت في اختراع مجس للموجات الصوتية والمغناطيسية يمكنه تحديد الدواء المطلوب لجسم الإنسان. و هذا الجهاز يكشف المراحل الأولى لمرض السكري
و نذكر أيضاً المهندس (محمود سمير فايد) و مشروعه العالمي البرمجة بدون كود الذي أحدث ثورة في عالم الكومبيوتر.
ولقد اتسعت الحضارة العربية الاسلامية لكل الشعوب و الأعراف و القوميات لإيمان المسلمين بالرسالات السماوية السابقة و تجاوزهم لما بينهم و بين باقي الأديان من اختلافات عقائدية و احترامهم لحرية التعبير و المعتقد و ايمانهم بالمجتمع التعددي الذي يحترم العقائد و الإنتماءات و يحقق العيش المشترك .
لذلك كان للإسلام دوراً في تعزيز الحوار بين الحضارات . فالدين الإسلامي هو المؤسس لثقافة الحوار و الإعتراف بالآخر فالحوار منهج قرآني و سنة نبوية تبعها الأنبياء في التواصل مع أقوامهم . و كان الحوار من أهم النوافذ التي أطل بها المسلمون على العالم .
فالرسول "محمداً صلى الله عليه وسلم جاء مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل ومتمماً لمكارم الأخلاق، والقرآن الكريم مدرسة للحوار الصريح في مختلف مستويات الحوار (يا أيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يا أهل الكتاب، يا أيها الكافرون... إلخ)، بل إن القرآن الكريم يسمي الكفر ديناً (لكم دينكم ولي دين). وفي هذه التسمية احترام كبير لحرية الاعتقاد، و لقد خاطب الله نبيه قائلاً " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن "
و يقول الله تعالى في سورة الحجرات : "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .إن الله عليم خبير " .
و التعارف هنا التفاعل المعرفي و التثاقف . و قد حاور الرسول محمد صلى الله عليه و سلم المشركين و كذلك جعفر بن أبي طالب رضي الله حاور النجاشي و أساقفته فآثر في النجاشي و حاشيته بقوة حجته و أبكاهم و أقنعهم بقضية المهاجرن
فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً . و لا يعني الحوار بين الحضارات التنازل عن الثوابت الدينية و إنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسانية و حماية حقوق الإنسان التي جاءت بها كل الشرائع السماوية .
و لقد عاشت حضارة الإسلام في اسبانيا نحو ثمانية قرون و تلك الحضارة الإنسانية لم تزل بصماتها قائمة إلى الآن و كان اليهود المسيحون يعيشون في ظل حضارة الإسلام و الحكم الإسلامي . وهذا أكبر دليل على ان الحكم الإسلامي يتميز بالسماحة و احترام خصوصية الأمم الأخرى . ففي الأندلس عاشت اسبانية في سلام و أمان و أقر أهلها بأن العرب بارعون في فنون السلم كبراعتهم في فنون الحرب و تأسست جامعة قرطبة العظيمة و توارد إليها علماء الفرنجة يطلبون العلم عند علماء المسلمين . و من قاصيديها رجل ارتقى فيما بعد كرسي البابوية وهو ( سلفستر الثاني ) و كان قد تلقى في البداية العلم عند أساتذة عرب و أوصى في كتبه بدرس اللغة العربية .
و لقد كتب على برج جيرالدا في اشبيلية و هو منارة المسجد العظيم السابق ( مكرس للأبدية ) بفضل تداخل الثقافة العربية بالثقافات الأخرى من أجل الإستمرار و الديمومة . و كان ييتس يقول في حضور أصدقائه " وددت لو أرحل إلى الشرق فأعيش فيه و أدفن فيه , فالحكمة هناك "
فالمترجم الإيطالي (جيراد ) ترجم من العربية إلى اللاتينية . ولد في كريمونة في لومبارديا بإيطاليا عام 1114م وعندما حضر إلى طليطلة انبهر بما شاهده من تقدم عل أيدي المسلمين، فعكف على دراسة العربية ثم أخذ يترجم إلى اللاتينية ، ولذلك ترجم العديد من الكتب، منها: كتاب «القانون في الطب» لابن سينا، وكتاب «الحاوي» للرازي، والمقالة الثلاثين من كتاب «التصريف» للزهراوي.
أما في صقلية التي حكمها المسلمون من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري، فقد انتشرت فيها مظاهر الحضارة الاسلامية . واستمرت العلاقات الثقافية بين المسلمين واهل صقلية بعد ذلك .كما وتبقي المساجد والاثار الاسلامية في الهند شاهدا على حضارة قديمة وعريقة اصبح معظم مبانيها ارثا تاريخيا بقيت صامدة رغم الظروف والتقلبات الدينية التي واجهتها الهند.
و يقول أول رئيس وزارء للهند بعد استقلالها ( جواهر لال نهرو ) :" فاقت أخلاق نبي الإسلام كل الحدود و نحن نعتبره قدوة لكل مصلح يود أن يسير بالعالم إلى سلام حقيقي ."
وعن طريق الحروب الصليبية التقى الغربيون بالمسلمين، فنقلوا عنهم نباتات عرفوها لأول مرة وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون
فالإسلام قائم على أساس من القيم الروحية الرفيعة و الإسلام دين حضا ري يعترف بأن التباين بين البشر سنة كونية و لقد أوصى الإسلام بمعاملة من يعيشون تحت سلطانه معاملة طيبة و حمى أموالهم و أعراضهم . فرسالة الإسلام رحمة حيث قال الله تعالى : " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "
فالإسلام استطاع أن يترك بصماته داخل أوروبا لتستفيد منه الثقافة والحضارة الغربية في مجالات عدة كانت السبب في التقدم والرقي الذي وصلت إليه اليوم.
و التلاقح بين الحضارات يتمخض عن مجتمع جديد تتدفق فيه ألوان الحضارة . فتتلاقى الشعوب و بانفتاحها تثري بعضها بعضاً طبعا مع المحافظة على الخصوصية و الإستفادة من تجارب الآخرين طالما الهدف خدمة الإنسانية .
من أهم المستشرقين و المؤرخين
و نشهد اليوم عدد من المؤتمرات و الدراسات التي تبحث عن تعزيز قيم التسامح و التعايش بين الشعوب و تدعوا للعودة لحوار الأديان و هناك كثير من المستشرقين و المؤرخين الدارسين لثقافتنا العربية الإسلامية قد أشادوا بالحضارة الإسلامية . و يقول ( أوغست كونت ) إن عبقرية الإسلام و قدرته الروحية لا يتناقضان البتة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخرى . بل و لا يتناقضان مع الفلسفة الوصفية نفسها ." و الكاتب المبدع (تولستوي ) اعترف بما في الثقافة العربية و التراث العربي من قيم إنسانية عالية و فكر راق و تعاطف مع أحاديث الرسول محمد صلى الله علية و سلم و ألف كتاباً اسماه ( حكم النبي محمد ) و نقله إلى العربية ( سليم قبعين ) و الكتاب ترجمة لأحاديث نبوية ترجمها تولستوي مع الإنجليزية إلى الروسية عن كتاب ألفه الكاتب الهندي ( عبد الله السهروري ) و نقل الأحاديث من العربية إلى الإنجليزية . و دفعه لهذا حسب رأيه تحامل جمعيات المبشرين في قازان على الدين الإسلامي و قدموا صورة مشوهة عن الثقافة العربية الإسلامية .
أما " شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فيينا"، فيقول في مؤتمر الحقوق سنة 1927 :
" إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إليها ، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون ؛ لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة " . أما الشاعرة الهندية (ساروجني ندو ) فتقول عن الإسلام :
" يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقاً للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن الله أكبر.. ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر".
و يقول العلامة برتلي سانت هيلر الألماني مستشرق ألماني ولد في درسدن 1793 ـ 1884 في كتابه ( الشرقيون وعقائدهم) ) كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.) في حديث لجريدة " ينج إنديا " تكلم (مهاتما غاندي) فيه عن صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) : " أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة" .. و كذلك الكاتب الروماني ( كريستيان تاماش ) الذي يكتب و يترجم بثمان لغات أجنبية ,قدم نظرة علمية عن الإنسان المسلم . و قال إن الإسلام لا يعني التطرف بل الإسلام يعني الثقافة و الحضارة و الحوار . و حاول كريستيان تاماش في كتاباته إبراز دور و أثر الحضارة الإسلامية في رقي الإنسانية . و في حفل عرض كتابه ( استراتيجيات التواصل مع القرآن ) حضر جمهور كبير من الرومانيين- الشعب المنفتح باتجاه الشعوب و الثقافات الأخرى – كما حضرحفل عرض الكتاب ممثلين من سفارات بعض الدول العربية و الإسلامية . و حضر أيضاً سفير المملكة العربية السعودية و الملحق الثقافي في السفارة السورية . و هناك ايضاً مستشرقون درسوا عن قرب الحضارة العربية الإسلامية و حاولوا تقريب وجهات النظر بين العالم العربي الإسلامي و العالم الغربي . فمثلاً المستعرب الروماني و المترجم و الباحث ( جورج غريغوري ) قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الرومانية ’ كما نشر بحوثاً عن القرآن و الإسلام و عن اللهجات العربية في مجلات صادرة في كل من العراق و الأردن وبولونية و بريطانية العظمى و الولايات المتحدة الاميركية و ليبيا . و من تراجمه من اللغة العربية إلى اللغة الرومانية
- القرآن الكريم
- الغزالي , مشكاة الأنوار
- ابن طفيل , حي بن يقظان
- العين الداخلية – الألوهية في المنظور الإسلامي
اما الشاعرة الرومانية ( دانييلا روديكا فيرانسكو ) فقد أسست سلسلة خاصة تدعى ( المكتبة الإسلامية ) في إحدى دور النشر في بوخاريست و يعود الفضل الكامل في تأسيس هذه السلسلة إلى الباحث جورج غريغوري المتخصص في الدراسات القرآنية بجامعة بوخاريست . و أكدت الشاعرة دانييلا في حوار معها عن هذه السلسة : " إن الكتب الصادرة في السلسلة المعنية تخدم و تسهل دراسة الفكر و الإبداع الإسلامي في رومانية ."
فبالإضافة إلى أنهم عرّفوا القارىء الروماني بأصحاب الفكر الديني و الاسلامي و الفلسفي في الإسلام ,و شرحوا أيضاً فكرة التصوف بالإسلام بسبب الإقبال الكبير على قراءة نصوص المتصوفين و السبب الأهم هو حسبما قالت الشاعرة دانييلا : " لأن التصوف بموجب فكره الروحي و الفكري و الفلسفي و عمق تساؤلاته جسراً قويا يقصر المسافة بين الثقافة الإسلامية و الثقافة الأوروبية و فضاءً خاصاً تلتقي فيه الاسئلة الكبرى حول الوجود الإلهي و الإنساني .........فالتجاوب الفكري بين ( سبينوزا ) و ( ابن عربي ) -و بفضل الثاني على الأول طبعاً –هو إنموذج لهذا الفضاء السامي المنفتح نحو الآخر و نحو أسمى التساؤلات الكامنة في ضمير الكائن الإنساني مهما كانت ديانته ."
إن الرسالات الإلهية و الفلسفات الوصفية تمتلك من المشترك العام ما يدعوا للتمسك بفضائل الأخلاق . و التنوع بين الشعوب يقتضي تعارفهم و تعاونهم لما فيه خير الإنسانية . و الحوار العالمي يجب أن يجتمع على الإتفاق على القواسم المشتركة التي تنادي بها جميع الأديان.
فازدهار أي حضارة يرتبط بمدى قدرتها على التفاعل مع الحضارات الأخرى و الإعتراف بها و تفهم ثقافة الشوب الأخرى .
حملات ضد العرب و الاسلام تعكر صفو الحوار
و لكن في الآونة الأخيرة اشتدت حملة على العرب و الإسلام مما عكر أجواء الحوار . فمثلاً بيتر غالبرت قال في كتابه ( نهاية العراق ) أن بوش في الأنبار يحاول بناء أمة لم تكن موجودة . فهل تناسى هذاالكاتب و بخبث تاريخ العراق و أهله في إطار تاريخ أمتنا العربية و الإسلامية . و لكن هنا السؤآل كيف يكون الحوار المتوازن و الهادف مع هؤلاء الذين يلغون انتمائنا و تاريخنا ووجودنا بغطرسة الجهل . فأمثال هؤلاء لا يجدي معهم لا حوار و لا موعظة . و لكن يرى المنصف المرزوقي ان هناك ثلاثة مستويات من الغرب : "غرب الأنظمة و هوقبيح , لنا الحق في مواجهته لأن غرب الاستعمار في السابق و غرب دعم الديكتاتوريات في الحاضر. و غرب القيم و التكنولوجيا و علينا ان نتعلم منه كما تعلم منا . و هناك غرب المجتمعات المدنية و هذا غرب حليف لنا و صديق و من الغباء وضعه في السلة ذاتها مع غرب الأنظمة ."
فالحضارة مشرقة و عظيمة و في نمو مستمر و الأعظم منها هو الذكاء الإنساني الذي صنع الحضارة ,و هذا الذكاء الإنساني بأن يأخذ من ثقافات العالم المعاصر أصلح و أفضل ما فيها من قيم و أفكارر و مبادىء و آداب تتفق مع ثوابت أمتنا و تنسجم مع قيمها و يفتح باب الحوار لتعزز القيم بما فيها صالح الإنسانية جمعاء و للعيش بسلام .
و هكذا فثقافتنا جميلة و الأجمل منها الروح الشرقية العربية التي تحييها لما فيه خير الإنسانية جمعاء.
و الإستقرار الدولي هو نتيجة حتمية للتعايش السلمي كفكرة و كممارسة . و إذا أراد المجتمع الدولي الحفاظ على شرعية القانون الذي يحكم الأفراد و الجماعات و الحكومات فإن ضرورة العيش بسلام تفرض التعايش السلمي لما فيه مستقبل و خير البشرية .
كما يحتاج العالم إلى مزيد من الحوار من أجل التفاهم و لمنع وقوع الصدام بين الحضارات , و على هيئة الأمم المتحدة القيام بواجبها في مواجهة ثقافة الكراهية و الصدام التي تقوض الأمن و السلام العالمي و تهدد التعايش السلمي بين الشعوب .
فالحضارات في تفاعل و تكاثر مع بعضها البعض و لا تتحضر الشعوب إلا بفتح أبواب اللقاء بين الحضارات و الإستفادة من كل جديد بعد غربلته و صهره فيتدفق النور و يتوهج العالم بأسره .
ــــــــــــــــــــــــــــ د. صالح العطوان الحيالي -العراق- 10-5-2019
الإسلام بعالميته بزع ليعيد تشكيل الحياة الإنسانية من جديد وبخاصة على مستوى الأفكار والمشاعر الإنسانية . ...فمن ناحية الأفكار فقد وجه أتباعه نحو الاهتمام بالعلم والمعرفة مما عاد بمردود طيب على الحركة العلمية من وجوه عده أبرزها الأتي:
* إن نشر الدين كان يستتبع الحاجة إلى القراء او الكتاب حيث كانت آيات الكتاب الحكيم تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتلوها من يعرف القراءة و على من لا يعرفها مع الفارق في الاستيعاب والحفظ بين الفئتين . وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحث على تشجيع تعلم القراءة والكتابة .
بل أن المصطفى عليه آفضل الصلاة والسلام حث بعض أصحابه على تعلم لغة غير اللغة العربية ، فأخذت روح العلم تنتشر تبعاً لذلك .
تضمت آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير من التوجيهات المباشرة التي تحث على طلب العلم وترفع من قيمة العلم والعلماء قال تعالي : " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ "
* دعت آيات القرآن الحكيم العقل إلى التفكير في خلق الكون والوصول إلى شواطئ المعرفة والايات الكريمة التي وردت في هذا الشأن كثيرة متعددة الجوانب ومنها قوله تعالي إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
* تميزت تشريعات الإسلام بأنها ترتقي بالمستوى العقلي لمتلقي هذا الدين حيث نظمت جوانب الحياة المختلفة وفق قواعد عامة تمكن من استيعاب المتغيرات الحياتية المختلفة ، وتوجيهها بما يحافظ على المقاصد العامة للشريعة ، والتي تهدف إلى الحفاظ على الدين والنفس والمال والعقل والعرض .
وقد استفادت الحضارة الإسلامية من الحضارات السابقة سواء تلك التي انضوت تحت مظلة الحضارة الإسلامية او تواصلت معها واحتكت بها .
فالمنطقة التي نشأت فيها الحضارة الإسلامية ، هي المركز الأساسي والمجمع الرئيس لمعظم الحضارات الأساسية القديمة فقدماء المصريين أحرزوا تقدماً ملموساً في علوم الفلك والحساب والطب والصيدلة والهندسة والزارعة وغيرها ، كما أنهم مهروا في الرسم والنحت والعمارة والتحنيط . ولهم باع طويل في التعدين والصناعة بأنواعها المختلفة .
وعرفت بلاد الهلال الخصيب حضارات متعددة تركت موروثاً كبيرا في الطب والهندسة والزراعة والصناعة والتنظيمات التجارية .
واستفادت الحضارة الإسلامية خلال عصورها المختلفة من الحضارات المحيطة بها مثل الحضارة الاغريقية والهندية . وغيرها وذلك عن طريق الترجمة إلى العربية
تضافرت العوامل السابقة مع بيئة علمية مناسبة ، ففي العصر الذهبي للحضارة الإسلامية اعتنى كثير من الخلفاء والعلماء بالحركة العلمية ، وهيأوا الجو الصالح لازدهار العلم وإبداع العلماء ، أنشئوا لذلك مؤسسات علمية متنوعة مثل المدارس والمكتبات وغيرها ، وبذلوا الكثير للحصول على المؤلفات والمصنفات بأنواعها المختلفة ، كما بذلوا الكثير من الأموال على العلماء الذين سموا بمكانتهم ورفعوا من قدرهم ، فقربوهم في مجالسهم . فالخليفة المأمون على سبيل المثال كان يعطى حنين بن اسحاق وزن الكتب التي يترجمها ذهباً . و السلطان مسعود الغزنوي أرسل إلى البيروني ثلاثة جمال تنوء بأحمالها من الفضة مكافأة له على كتابه ( القانون المسعودي) ولكن البيروني اعتذر عن قبولها بقولة إنه يخدم العلم للعلم وليس للمال .
للحضارة الاسلامية دوراً اً كبيراً في في بناء الحضارة الأوروبية. فالحضارة الإسلامية هي :" ما قدمه المجتمع الإسلامي للمجتمع البشري من قيم ومبادئ، في الجوانب الروحية والأخلاقية، فضلاً عما قدمه من منجزات واكتشافات واختراعات في الجوانب التطبيقية والتنظيمية "
كما اتسمت الحضارة العربية الإسلامية بالشمول و الواقعية و التوازن .و كان أثرها على الحضارة الغربية في ميدان العقيدة و الدين و في ميدان التشريع و العلوم التطبيقية و في ميدان اللغة و الأدب و الفلك و الكيمياء و الجغرافية و الفنون و العمارة و الرياضيات . مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر والنظام العشري، ونظرية التطور قبل "داروين" بمئات السنين، والدورة الدموية الصغرى قبل "هارفي" بأربعة قرون، والجاذبية والعلاقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون متطاولة، وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا الانعكاس والانكسار، وتقدير محيط الأرض، وتحديد أبعاد الأجرام السماوية، وابتكار الآلات الفلكية، واكتشاف أعالي البحار، ووضع أسس علم الكيمياء.
و في الفلسفة تأثرت أوروبا بابن سينا و الفارابي و ابن رشد و تم نقل كتب ابن رشد إلى اللاتينية . أما في مجال الجغرافية فقد استفاد الأوروبيون من كتاب (أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ) لشمس الدين المقدسي و (معجم البلدان) لياقوت الحموي و ( مروح الذهب ) للمسعودي . كما استفادوا من كتب عبد الله الإدريسي . أما في الرياضيات فقد اوجد الخوارزمي علم الجبر و استفادوا منه , حتى أن كلمة جبر دخلت إلى لغتهم و استفادوا أيضاً من كتب أبو الوفا البوزجاني و نصير الدين الطوسي و ثابت بن قرة و الخازن البصري و ابن الهيثم و البيروتي و البتاني .
وفي علم الفلك هناك أسماء كثيرة أثرت على الحضارة الغربية نذكر منها رائد علم الفلك( اسحق نور الدين البطروجي )ولد في المغرب و عاش بالأندلس و كان له أثر عظيم في العلوم الفلكية في الغرب في القرن الثالث عشر . و هو فلكي و فيلسوف و من أهم مؤلفاته كتاب (الحياة ) و الذي ترجمه (ميشيل سكوت )إلى اللاتينية كما تمت ترجمته إلى العبرية في القرن السادس عشر .
و ما زالت أجزاء من كتاب (الزيج الكبير الحاكمي) الذي ألفه الفلكي ( ابن يونس أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري)، سنة 1007 في عدد من المكتبات العالمية مثل اكسفورد، وباريس، والاسكريال، وبرلين، والقاهرة.
و يعتبر قسطنطين الإفريقي أول مترجم أدخل العلم الاسلامي إلى أوروبا و هو من أصل عربي وولد بتونس و عاش بجنوب ايطالية و لقد ترجم أكثر من أربعين كتاباً منها الكتاب الملكي لعلي
و يعتبر كتاب(التصريف لمن عجز عن التأليف) الذي ترجم إلى اللاتينية للطبيب أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي ( دائرة معارف طبية تقع في ثلاثين جزءاً، وتقول زغريد هونكه )عن هذا الجزء من الكتاب: وقد لعب القسم الثالث من هذا الكتاب دوراً هاماً في أوربا إذ وضع أسس الجراحة الأوربية، فقد كان لهذا لكتاب أثراً كبيراً في النهضة الأوربية على مدى خمسة قرون، حيث كان يدرس في جامعات أوروبا، كما كان الجراحون الأوربيون يرجعون إليه ويقتبسون منه.
و هكذا فقد انتشرت الثقافة العربية الإسلامية في العالم الغربي، ونهل علماء أوروبا من المصادر العربية الأصلية، ووجدوا أنها تراثٌ علميٌّ عظيمٌ. ويقول سيديو: "كان المسلمون في القرون الوسطى منفردين في العلم والفلسفة والفنون، وقد نشروهما أينما حلت أقدامهم، وتسربت منهم إلى أوروبا، فكانوا هم سبباً في نهضتها وارتقائها)".
"ويؤكد كثير من الباحثين أن "لوثر" في حركته الإصلاحية كان متأثراً بما قرأه عن العلماء المسلمين من آراء في العقيدة والوحي، وقد كانت الجامعات الأوروبية في عصره لا تزال تعتمد على كتب العلماء"
و من أوائل الكتب التي ترجمت في عهد نابليون في مصر للفقه المالكي إلى الفرنسية ( كتاب الخليل ) الذي يعتبر نواة القانون المدني الفرنسي الذي جاء متشابهاً إلى حد كبير مع أحكام الفقه المالكي .
و مازال العرب المسلمون يساهمون في الإختراعات لغاية يومنا هذا نذكر منهم الدكتور اليمني (خالد عوض نشوان) و الذي حصل على الذهبية من هيئة كوندي العلمية المجرية عن اختراعه جهاز لتوسيع الأوعية الدموية الذي يمثل نقلة كبيرة في مجال الطب.
و هناك أيضا على سبيل المثال لا الحصر الدكتور السوري (علي بشير بطحة ) فقد اخترع جهاز يعالج تدفق البول الحالبي باستخدام الأمواج فوق الصوتية
كما أن هناك الدكتورة العاشقة للتراث العربي الاسلامي الباحثة السعودية ( حياة سندي )هي أول امرأة عربية تحصل على الدكتوراه في التقنية الحيوية من جامعة كامبردج العالمية، و ساهمت في اختراع مجس للموجات الصوتية والمغناطيسية يمكنه تحديد الدواء المطلوب لجسم الإنسان. و هذا الجهاز يكشف المراحل الأولى لمرض السكري
و نذكر أيضاً المهندس (محمود سمير فايد) و مشروعه العالمي البرمجة بدون كود الذي أحدث ثورة في عالم الكومبيوتر.
ولقد اتسعت الحضارة العربية الاسلامية لكل الشعوب و الأعراف و القوميات لإيمان المسلمين بالرسالات السماوية السابقة و تجاوزهم لما بينهم و بين باقي الأديان من اختلافات عقائدية و احترامهم لحرية التعبير و المعتقد و ايمانهم بالمجتمع التعددي الذي يحترم العقائد و الإنتماءات و يحقق العيش المشترك .
لذلك كان للإسلام دوراً في تعزيز الحوار بين الحضارات . فالدين الإسلامي هو المؤسس لثقافة الحوار و الإعتراف بالآخر فالحوار منهج قرآني و سنة نبوية تبعها الأنبياء في التواصل مع أقوامهم . و كان الحوار من أهم النوافذ التي أطل بها المسلمون على العالم .
فالرسول "محمداً صلى الله عليه وسلم جاء مصدقاً لما بين يديه من التوراة والإنجيل ومتمماً لمكارم الأخلاق، والقرآن الكريم مدرسة للحوار الصريح في مختلف مستويات الحوار (يا أيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، يا أهل الكتاب، يا أيها الكافرون... إلخ)، بل إن القرآن الكريم يسمي الكفر ديناً (لكم دينكم ولي دين). وفي هذه التسمية احترام كبير لحرية الاعتقاد، و لقد خاطب الله نبيه قائلاً " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن "
و يقول الله تعالى في سورة الحجرات : "ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم .إن الله عليم خبير " .
و التعارف هنا التفاعل المعرفي و التثاقف . و قد حاور الرسول محمد صلى الله عليه و سلم المشركين و كذلك جعفر بن أبي طالب رضي الله حاور النجاشي و أساقفته فآثر في النجاشي و حاشيته بقوة حجته و أبكاهم و أقنعهم بقضية المهاجرن
فعقيدة المسلم لا تكتمل إلا إذا آمن بالرسل جميعاً . و لا يعني الحوار بين الحضارات التنازل عن الثوابت الدينية و إنما يعني التعاون على ما فيه خير الإنسانية و حماية حقوق الإنسان التي جاءت بها كل الشرائع السماوية .
و لقد عاشت حضارة الإسلام في اسبانيا نحو ثمانية قرون و تلك الحضارة الإنسانية لم تزل بصماتها قائمة إلى الآن و كان اليهود المسيحون يعيشون في ظل حضارة الإسلام و الحكم الإسلامي . وهذا أكبر دليل على ان الحكم الإسلامي يتميز بالسماحة و احترام خصوصية الأمم الأخرى . ففي الأندلس عاشت اسبانية في سلام و أمان و أقر أهلها بأن العرب بارعون في فنون السلم كبراعتهم في فنون الحرب و تأسست جامعة قرطبة العظيمة و توارد إليها علماء الفرنجة يطلبون العلم عند علماء المسلمين . و من قاصيديها رجل ارتقى فيما بعد كرسي البابوية وهو ( سلفستر الثاني ) و كان قد تلقى في البداية العلم عند أساتذة عرب و أوصى في كتبه بدرس اللغة العربية .
و لقد كتب على برج جيرالدا في اشبيلية و هو منارة المسجد العظيم السابق ( مكرس للأبدية ) بفضل تداخل الثقافة العربية بالثقافات الأخرى من أجل الإستمرار و الديمومة . و كان ييتس يقول في حضور أصدقائه " وددت لو أرحل إلى الشرق فأعيش فيه و أدفن فيه , فالحكمة هناك "
فالمترجم الإيطالي (جيراد ) ترجم من العربية إلى اللاتينية . ولد في كريمونة في لومبارديا بإيطاليا عام 1114م وعندما حضر إلى طليطلة انبهر بما شاهده من تقدم عل أيدي المسلمين، فعكف على دراسة العربية ثم أخذ يترجم إلى اللاتينية ، ولذلك ترجم العديد من الكتب، منها: كتاب «القانون في الطب» لابن سينا، وكتاب «الحاوي» للرازي، والمقالة الثلاثين من كتاب «التصريف» للزهراوي.
أما في صقلية التي حكمها المسلمون من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري، فقد انتشرت فيها مظاهر الحضارة الاسلامية . واستمرت العلاقات الثقافية بين المسلمين واهل صقلية بعد ذلك .كما وتبقي المساجد والاثار الاسلامية في الهند شاهدا على حضارة قديمة وعريقة اصبح معظم مبانيها ارثا تاريخيا بقيت صامدة رغم الظروف والتقلبات الدينية التي واجهتها الهند.
و يقول أول رئيس وزارء للهند بعد استقلالها ( جواهر لال نهرو ) :" فاقت أخلاق نبي الإسلام كل الحدود و نحن نعتبره قدوة لكل مصلح يود أن يسير بالعالم إلى سلام حقيقي ."
وعن طريق الحروب الصليبية التقى الغربيون بالمسلمين، فنقلوا عنهم نباتات عرفوها لأول مرة وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون
فالإسلام قائم على أساس من القيم الروحية الرفيعة و الإسلام دين حضا ري يعترف بأن التباين بين البشر سنة كونية و لقد أوصى الإسلام بمعاملة من يعيشون تحت سلطانه معاملة طيبة و حمى أموالهم و أعراضهم . فرسالة الإسلام رحمة حيث قال الله تعالى : " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين "
فالإسلام استطاع أن يترك بصماته داخل أوروبا لتستفيد منه الثقافة والحضارة الغربية في مجالات عدة كانت السبب في التقدم والرقي الذي وصلت إليه اليوم.
و التلاقح بين الحضارات يتمخض عن مجتمع جديد تتدفق فيه ألوان الحضارة . فتتلاقى الشعوب و بانفتاحها تثري بعضها بعضاً طبعا مع المحافظة على الخصوصية و الإستفادة من تجارب الآخرين طالما الهدف خدمة الإنسانية .
من أهم المستشرقين و المؤرخين
و نشهد اليوم عدد من المؤتمرات و الدراسات التي تبحث عن تعزيز قيم التسامح و التعايش بين الشعوب و تدعوا للعودة لحوار الأديان و هناك كثير من المستشرقين و المؤرخين الدارسين لثقافتنا العربية الإسلامية قد أشادوا بالحضارة الإسلامية . و يقول ( أوغست كونت ) إن عبقرية الإسلام و قدرته الروحية لا يتناقضان البتة مع العقل كما هو الحال في الأديان الأخرى . بل و لا يتناقضان مع الفلسفة الوصفية نفسها ." و الكاتب المبدع (تولستوي ) اعترف بما في الثقافة العربية و التراث العربي من قيم إنسانية عالية و فكر راق و تعاطف مع أحاديث الرسول محمد صلى الله علية و سلم و ألف كتاباً اسماه ( حكم النبي محمد ) و نقله إلى العربية ( سليم قبعين ) و الكتاب ترجمة لأحاديث نبوية ترجمها تولستوي مع الإنجليزية إلى الروسية عن كتاب ألفه الكاتب الهندي ( عبد الله السهروري ) و نقل الأحاديث من العربية إلى الإنجليزية . و دفعه لهذا حسب رأيه تحامل جمعيات المبشرين في قازان على الدين الإسلامي و قدموا صورة مشوهة عن الثقافة العربية الإسلامية .
أما " شبرل" عميد كلية الحقوق بجامعة "فيينا"، فيقول في مؤتمر الحقوق سنة 1927 :
" إن البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) إليها ، إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن يأتي بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون ؛ لو وصلنا إلى قمته بعد ألفي سنة " . أما الشاعرة الهندية (ساروجني ندو ) فتقول عن الإسلام :
" يعتبر الإسلام أول الأديان مناديًا ومطبقاً للديمقراطية، وتبدأ هذه الديمقراطية في المسجد خمس مرات في اليوم الواحد عندما ينادى للصلاة، ويسجد القروي والملك جنب لجنب اعترافًا بأن الله أكبر.. ما أدهشني هو هذه الوحدة غير القابلة للتقسيم والتي جعلت من كل رجل بشكل تلقائي أخًا للآخر".
و يقول العلامة برتلي سانت هيلر الألماني مستشرق ألماني ولد في درسدن 1793 ـ 1884 في كتابه ( الشرقيون وعقائدهم) ) كان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة.) في حديث لجريدة " ينج إنديا " تكلم (مهاتما غاندي) فيه عن صفات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ) : " أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر.. لقد أصبحت مقتنعا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة" .. و كذلك الكاتب الروماني ( كريستيان تاماش ) الذي يكتب و يترجم بثمان لغات أجنبية ,قدم نظرة علمية عن الإنسان المسلم . و قال إن الإسلام لا يعني التطرف بل الإسلام يعني الثقافة و الحضارة و الحوار . و حاول كريستيان تاماش في كتاباته إبراز دور و أثر الحضارة الإسلامية في رقي الإنسانية . و في حفل عرض كتابه ( استراتيجيات التواصل مع القرآن ) حضر جمهور كبير من الرومانيين- الشعب المنفتح باتجاه الشعوب و الثقافات الأخرى – كما حضرحفل عرض الكتاب ممثلين من سفارات بعض الدول العربية و الإسلامية . و حضر أيضاً سفير المملكة العربية السعودية و الملحق الثقافي في السفارة السورية . و هناك ايضاً مستشرقون درسوا عن قرب الحضارة العربية الإسلامية و حاولوا تقريب وجهات النظر بين العالم العربي الإسلامي و العالم الغربي . فمثلاً المستعرب الروماني و المترجم و الباحث ( جورج غريغوري ) قام بترجمة القرآن الكريم إلى اللغة الرومانية ’ كما نشر بحوثاً عن القرآن و الإسلام و عن اللهجات العربية في مجلات صادرة في كل من العراق و الأردن وبولونية و بريطانية العظمى و الولايات المتحدة الاميركية و ليبيا . و من تراجمه من اللغة العربية إلى اللغة الرومانية
- القرآن الكريم
- الغزالي , مشكاة الأنوار
- ابن طفيل , حي بن يقظان
- العين الداخلية – الألوهية في المنظور الإسلامي
اما الشاعرة الرومانية ( دانييلا روديكا فيرانسكو ) فقد أسست سلسلة خاصة تدعى ( المكتبة الإسلامية ) في إحدى دور النشر في بوخاريست و يعود الفضل الكامل في تأسيس هذه السلسلة إلى الباحث جورج غريغوري المتخصص في الدراسات القرآنية بجامعة بوخاريست . و أكدت الشاعرة دانييلا في حوار معها عن هذه السلسة : " إن الكتب الصادرة في السلسلة المعنية تخدم و تسهل دراسة الفكر و الإبداع الإسلامي في رومانية ."
فبالإضافة إلى أنهم عرّفوا القارىء الروماني بأصحاب الفكر الديني و الاسلامي و الفلسفي في الإسلام ,و شرحوا أيضاً فكرة التصوف بالإسلام بسبب الإقبال الكبير على قراءة نصوص المتصوفين و السبب الأهم هو حسبما قالت الشاعرة دانييلا : " لأن التصوف بموجب فكره الروحي و الفكري و الفلسفي و عمق تساؤلاته جسراً قويا يقصر المسافة بين الثقافة الإسلامية و الثقافة الأوروبية و فضاءً خاصاً تلتقي فيه الاسئلة الكبرى حول الوجود الإلهي و الإنساني .........فالتجاوب الفكري بين ( سبينوزا ) و ( ابن عربي ) -و بفضل الثاني على الأول طبعاً –هو إنموذج لهذا الفضاء السامي المنفتح نحو الآخر و نحو أسمى التساؤلات الكامنة في ضمير الكائن الإنساني مهما كانت ديانته ."
إن الرسالات الإلهية و الفلسفات الوصفية تمتلك من المشترك العام ما يدعوا للتمسك بفضائل الأخلاق . و التنوع بين الشعوب يقتضي تعارفهم و تعاونهم لما فيه خير الإنسانية . و الحوار العالمي يجب أن يجتمع على الإتفاق على القواسم المشتركة التي تنادي بها جميع الأديان.
فازدهار أي حضارة يرتبط بمدى قدرتها على التفاعل مع الحضارات الأخرى و الإعتراف بها و تفهم ثقافة الشوب الأخرى .
حملات ضد العرب و الاسلام تعكر صفو الحوار
و لكن في الآونة الأخيرة اشتدت حملة على العرب و الإسلام مما عكر أجواء الحوار . فمثلاً بيتر غالبرت قال في كتابه ( نهاية العراق ) أن بوش في الأنبار يحاول بناء أمة لم تكن موجودة . فهل تناسى هذاالكاتب و بخبث تاريخ العراق و أهله في إطار تاريخ أمتنا العربية و الإسلامية . و لكن هنا السؤآل كيف يكون الحوار المتوازن و الهادف مع هؤلاء الذين يلغون انتمائنا و تاريخنا ووجودنا بغطرسة الجهل . فأمثال هؤلاء لا يجدي معهم لا حوار و لا موعظة . و لكن يرى المنصف المرزوقي ان هناك ثلاثة مستويات من الغرب : "غرب الأنظمة و هوقبيح , لنا الحق في مواجهته لأن غرب الاستعمار في السابق و غرب دعم الديكتاتوريات في الحاضر. و غرب القيم و التكنولوجيا و علينا ان نتعلم منه كما تعلم منا . و هناك غرب المجتمعات المدنية و هذا غرب حليف لنا و صديق و من الغباء وضعه في السلة ذاتها مع غرب الأنظمة ."
فالحضارة مشرقة و عظيمة و في نمو مستمر و الأعظم منها هو الذكاء الإنساني الذي صنع الحضارة ,و هذا الذكاء الإنساني بأن يأخذ من ثقافات العالم المعاصر أصلح و أفضل ما فيها من قيم و أفكارر و مبادىء و آداب تتفق مع ثوابت أمتنا و تنسجم مع قيمها و يفتح باب الحوار لتعزز القيم بما فيها صالح الإنسانية جمعاء و للعيش بسلام .
و هكذا فثقافتنا جميلة و الأجمل منها الروح الشرقية العربية التي تحييها لما فيه خير الإنسانية جمعاء.
و الإستقرار الدولي هو نتيجة حتمية للتعايش السلمي كفكرة و كممارسة . و إذا أراد المجتمع الدولي الحفاظ على شرعية القانون الذي يحكم الأفراد و الجماعات و الحكومات فإن ضرورة العيش بسلام تفرض التعايش السلمي لما فيه مستقبل و خير البشرية .
كما يحتاج العالم إلى مزيد من الحوار من أجل التفاهم و لمنع وقوع الصدام بين الحضارات , و على هيئة الأمم المتحدة القيام بواجبها في مواجهة ثقافة الكراهية و الصدام التي تقوض الأمن و السلام العالمي و تهدد التعايش السلمي بين الشعوب .
فالحضارات في تفاعل و تكاثر مع بعضها البعض و لا تتحضر الشعوب إلا بفتح أبواب اللقاء بين الحضارات و الإستفادة من كل جديد بعد غربلته و صهره فيتدفق النور و يتوهج العالم بأسره .