GuidePedia

أنا سيّء يا دنيا :
  البشير الشّيحي / تونس

 أنا سيّء جدّا في هذا العصر
  كأشجارحديقة تغطّي آهات النّوافذ
 ولا تخبر عنها الشّوارع.
 مرّ كسنواتي المطويّة داخل شفتين لا تحجبان أنفاس الحبر.
 وأنا لا أشبه عطري أو بياض الماء الوافد من العروق...
 سيّء لأني أحضن ضحكة البرتقال بقلبي
وأصغي إلى أنامل البحر وهي  تتحسّس الوافدين
 تعدّ لهم ممشى ناعما
كي يبرق في الخطوات لحن رقيق..
 وأيضا كنهر دجلة يصادرالرّمل المبلّل بالنّسيان.
يا سيّء الزّمان أنت مذنب
 مادمت تزوّد عينيك بضوء القبلات 
 ولا تجرّ خلفك حقائب الرّيح.
فأنا أخرج من العروق سماحة الفجر
 لأستقبل من به أرق يتمطّط في الدّماء...
أنا سيّء كجذور يطربها هديل الصّبر
كخبب الفرح المنغّم في العيون.
 أو كجنوني المجادل الرّهيب للحبيب.
أنا سيّء هذا العصر
عاشق يفرش لخطو عينيها قلبا لا يتوب
عن زلال الحبّ
 لرائحة عطرها  الرّشيق ينمو ويحتفل
 يتشظّى في الألوان لأشرب مزاياه....
وأكثر سيّئاتي أنّني أغضب وأثور..
 ألطم الأحزان المتسلّلة إلى عناقيد ضحكتها
 وأنهر الدخّان عن شفة يخضرّ فيها نشيدي
حين  أتوهّج  كالأقمار...
 وأنا أسوأ العشّاق صبرا
 وأكثر المجانين سفرا في الذّكرى
احتراما للوردة
اشتهاء لحريق كي أخلّص الشّوق من الشّتات.
أغارعليها من الصّباح المنشور
من ابتسامة النّور تداعب ظلّها
تجعلني أكره الضّوء
من التّمتات
 وإيحاءات الغربة...
فأنا أغار من الجدار
من فساتين النّهار
 وعيون تطارد ساعتها اليدويّة كلّ لحظة
 وأغار من رقيب يمرّ قرب نظرة
 وفنجان قهوتها يسدّ أصابعها فأهذي
كما أغار من صديقتها التّي تنادم وجع السّرير
 تسرد لها طرفة لتضحك هي عاليا
وأنا بعيد عن حضنها الوثير.
 وأنا أتخيّل عطرها يسكر بين شفتيّ فأطير...
سيّء أيضا أنا لأنيّ لا أنسى ذكراها..
أبلّل بالكلام نداها لتزهر في الظّلام نرجسة
أو زهر لوز  بديع البياض.
فأشرب نداها كأنّها كوثر وهّاج
 ولا أبوح يا رحيق..
كم من صديق خان ليلاه
كم من طريق أحرق موتاه.
 وكم من جليل هام فوق ربوة الحبّ
 ليطهّر الماء والسّلام والكلام...
 سيّء أنا لأني لا أنام  ولا يتداعي
 صوتي المبثوث في الظّلمة
يطارد " خيط دخان"
لست أعمى عن الإنسان.
سيّء أنا يا دنيا....
  البشير الشّيحي / تونس
 
Top