بقلم محمد الفضيل جقاوة
الأساس اللغوي و مقررات الإصلاح :
أسس بناء مناهج التعليم كثيرة , ومثلها أسس بناء المقررات , و المراجع في هذا لا تعد ولا تحصى , و إن كانت الترجمة في معظمها حرفية لا تنفذ إلى المعنى المقصود , وقد تجلى لنا ذلك في العديد من المراجع التي قرأناها في هذا الصدد , فمعظم الذين تكلموا في الأساس الفلسفي , راحوا يشرحون معنى الفلسفة وأنها تتكون من كلمتين إغريقيتين هما فيلوس وسوفي ومعناهما إيثار الحكمة ... الخ , و الواقع أن الأساس الفلسفي يقصد به الفلسفة التي يقوم عليها المجتمع , و تترجمها المظاهر المختلفة لثقافته , و فلسفتنا الاجتماعية بكل اختصار هي الفلسفة الشرقية الإسلامية ..
لا تهمني هذه الأسس فقد تناولها العديد من الباحثين المختصين عالميا , وترجمها الكثيرون من المهتمين بالشأن التربوي في العالم العربي , وإنما يهمني أساس واحد , أجده مفقودا في ما قرأت من كتب متخصصة , وهو الأساس اللغوي , المهمل كلية في الدول العربية إلا قليلا .
الأساس اللغوي : إنه أهم أساس تعنى به الأمم المعتزة بلغتها القومية باعتبارها الوعاء الحامل لثقافتها والمشكّل لهويتها والمنمي لعقلها الجمعي المفكر .
ثمة علاقة جدلية قائمة بين التقدم اللغوي من جهة والتقدم الحضاري في شتى مجالاته , و ما تخلفت دولنا العربية إلا لأنها تمتهن لغة التخلف , و اقصد بها هذه اللهجات وهذه العاميات التي جثمت على الصدور منذ عهد الانحطاط إلى اليوم , إن أداة للتواصل تقوم على الفوضى لا يمكن أن تنتج إلا تفكيرا فوضويا وشخصية فوضوية وهوية مثلهما , وإنه لن تقوم لنا قائمة من مجد أو حضارة ما لم نعد إلى اللغة العربية الفصحى إن أردنا أن نحافظ على كينونتنا المتميزة , أو يمكننا أن نصنع حضارة ومجدا باختيار لغة أخرى كالانجليزية مثلا , على أن ننسلخ تماما من هويتنا ونصبح من القوم , فندخل جحر ضب خلفهم ..
والعودة إلى العربية الفصحى لا تعني العودة إلى طريق معبد محفوف بالورود والأزهار , و إنما هي عودة تقتضي التشمير الصادق المخلص الجاد على الساعدين لتطوير هذه اللغة وجعلها قادرة على المواكبة , وهي بطبيعتها تحمل كل صفات النماء والتطور والتقدم , و لكن كيف ذلك ؟؟
هنا يأتي دور المناهج و المقررات الدراسية , وهنا يأتي دور الأساس اللغوي الذي أشرت إليه سابقا , فالأساس اللغوي يعني أن تعكس المقررات الدراسية ما يزيد عن 90/00 من الكلمات والعبارات التي يحتاجها المتعلم في حياته اليومية المعاصرة, فهل كانت مقرراتنا كذلك ؟؟؟
المؤسف أنها بعيدة كل البعد عن روح العصر , إنها لا تزال غارقة في السذاجة والأوهام , ولا تزال النصوص الأسطورية القديمة تغطي معظم مساحات الكتب المدرسية في اللغتين العربية والفرنسية على سواء , وهذا يعكس بوضوح جهل واضعيها . و يدحض نظرية المؤامرة التي أجزم أنها هي الأخرى أسطورة افتعلها العاجزون عن تطوير لغتهم القومية .
يستيقظ الطفل صباحا فتطلب منه أمه أن يذهب إلى (الطاكسفون ) و ( يفليكسي ) لها 200 دج , و يشترى لها منه ( بوشات بورتابل ) من النوع الجيد , تلك عينة بسيطة لجملة من الكلمات أصبحت تدور في مجتمعنا دوران الهواء الذي نتنفسه , فهل سنجد لها مكانا في كتبنا اللغوية من الأولى ابتدائي إلى النهائي ؟؟ لا تتعب نفسك فلن تجد من هذا شيئا !!!!
فماذا لو انتقلنا إلى عينة أخرى , فقد رافق احمد أباه إلى الميكانيكي وسمعه يقول له: سيارتي (اتديراتي ) اشك في ( الفيس بلاتيني ) و في الحقيقة أريد أن افتح المحرك و ( نرابوطي الكلاس ) و استبدل ( السيقمات ) و( نريفكتي الفربلوكا ) ..إلخ. هل تتوقعون أن تجدوا هذه المسميات التي أصبحنا نحتاجها يوميا في حياتنا كحاجتنا إلى الحليب والخبز ؟؟ طبعا لا تتعبوا أنفسكم فلن تجدوا منها شيئا لا هي ولا غيرها .
و على هذا يمكن أن نخرج بحكم قاس قد لا يروق كل من ساهم في تأليف هذه الكتب والمقررات الدراسية , وهو أن القمامة أولى بكل هذا الركام العقيم , الذي لا يزيد أمتنا إلا وهنا على وهنها .
للأمانة العلمية ينبغي أن أشيد بالمجهود الجبار الذي قدمه الأستاذان الكبيران الدكتور أبو عياد والدكتورة حفيظة تازروتي المؤلفان لكتاب السنة الثانية ابتدائي , إذ يعد بحق سيد كتب الإصلاح دون منازع , كما انه يحمل مشروعا نهضويا لغويا طموحا رائدا لو وجد الاستمرار, وكان الأستاذان هما من أكملا تأليف بقية كتب المستويات الأخرى. والمؤسف أن الكتاب سحب وغُيّر سريعا.
تنعقد الملتقيات والندوات اللسانية لاجترار ما قال بيرص أو دوسيسير أو جاكبسون أو فلان وعلان، ولو سألت المجتمعين من أساتذة جامعاتنا عن اسم أي قطعة غيار أو آلة من التي أصبحت جزء من حياتنا كالماء والخبز ما وجدت جوابا من أحدهم.
يا سادة لغتنا ليست في حاجة إلى اجترار ما قاله الغربيون، فما قاله الأسلاف أعمق، لكنها ببساطة في أمس الحاجة إلى المعاصرة، في حاجة إلى تنفّس روح العصر، في حاجة إلى إيجاد مسميات للأشياء المعاصرة المهولة التي تحيط بنا، في حاجة إلى توظيف هذه المسميات في مقرّرات مدارسنا.
الموضوع لا تكفيه الصفحة ولا الصفحات , ولكن اللبيب تكفيه الإشارة ليبني على أساسها منظومة فكرية كاملة في الموضوع .
.
بقلم محمد الفضيل جقاوة
متليلي في : 22/01/2019
الأساس اللغوي و مقررات الإصلاح :
أسس بناء مناهج التعليم كثيرة , ومثلها أسس بناء المقررات , و المراجع في هذا لا تعد ولا تحصى , و إن كانت الترجمة في معظمها حرفية لا تنفذ إلى المعنى المقصود , وقد تجلى لنا ذلك في العديد من المراجع التي قرأناها في هذا الصدد , فمعظم الذين تكلموا في الأساس الفلسفي , راحوا يشرحون معنى الفلسفة وأنها تتكون من كلمتين إغريقيتين هما فيلوس وسوفي ومعناهما إيثار الحكمة ... الخ , و الواقع أن الأساس الفلسفي يقصد به الفلسفة التي يقوم عليها المجتمع , و تترجمها المظاهر المختلفة لثقافته , و فلسفتنا الاجتماعية بكل اختصار هي الفلسفة الشرقية الإسلامية ..
لا تهمني هذه الأسس فقد تناولها العديد من الباحثين المختصين عالميا , وترجمها الكثيرون من المهتمين بالشأن التربوي في العالم العربي , وإنما يهمني أساس واحد , أجده مفقودا في ما قرأت من كتب متخصصة , وهو الأساس اللغوي , المهمل كلية في الدول العربية إلا قليلا .
الأساس اللغوي : إنه أهم أساس تعنى به الأمم المعتزة بلغتها القومية باعتبارها الوعاء الحامل لثقافتها والمشكّل لهويتها والمنمي لعقلها الجمعي المفكر .
ثمة علاقة جدلية قائمة بين التقدم اللغوي من جهة والتقدم الحضاري في شتى مجالاته , و ما تخلفت دولنا العربية إلا لأنها تمتهن لغة التخلف , و اقصد بها هذه اللهجات وهذه العاميات التي جثمت على الصدور منذ عهد الانحطاط إلى اليوم , إن أداة للتواصل تقوم على الفوضى لا يمكن أن تنتج إلا تفكيرا فوضويا وشخصية فوضوية وهوية مثلهما , وإنه لن تقوم لنا قائمة من مجد أو حضارة ما لم نعد إلى اللغة العربية الفصحى إن أردنا أن نحافظ على كينونتنا المتميزة , أو يمكننا أن نصنع حضارة ومجدا باختيار لغة أخرى كالانجليزية مثلا , على أن ننسلخ تماما من هويتنا ونصبح من القوم , فندخل جحر ضب خلفهم ..
والعودة إلى العربية الفصحى لا تعني العودة إلى طريق معبد محفوف بالورود والأزهار , و إنما هي عودة تقتضي التشمير الصادق المخلص الجاد على الساعدين لتطوير هذه اللغة وجعلها قادرة على المواكبة , وهي بطبيعتها تحمل كل صفات النماء والتطور والتقدم , و لكن كيف ذلك ؟؟
هنا يأتي دور المناهج و المقررات الدراسية , وهنا يأتي دور الأساس اللغوي الذي أشرت إليه سابقا , فالأساس اللغوي يعني أن تعكس المقررات الدراسية ما يزيد عن 90/00 من الكلمات والعبارات التي يحتاجها المتعلم في حياته اليومية المعاصرة, فهل كانت مقرراتنا كذلك ؟؟؟
المؤسف أنها بعيدة كل البعد عن روح العصر , إنها لا تزال غارقة في السذاجة والأوهام , ولا تزال النصوص الأسطورية القديمة تغطي معظم مساحات الكتب المدرسية في اللغتين العربية والفرنسية على سواء , وهذا يعكس بوضوح جهل واضعيها . و يدحض نظرية المؤامرة التي أجزم أنها هي الأخرى أسطورة افتعلها العاجزون عن تطوير لغتهم القومية .
يستيقظ الطفل صباحا فتطلب منه أمه أن يذهب إلى (الطاكسفون ) و ( يفليكسي ) لها 200 دج , و يشترى لها منه ( بوشات بورتابل ) من النوع الجيد , تلك عينة بسيطة لجملة من الكلمات أصبحت تدور في مجتمعنا دوران الهواء الذي نتنفسه , فهل سنجد لها مكانا في كتبنا اللغوية من الأولى ابتدائي إلى النهائي ؟؟ لا تتعب نفسك فلن تجد من هذا شيئا !!!!
فماذا لو انتقلنا إلى عينة أخرى , فقد رافق احمد أباه إلى الميكانيكي وسمعه يقول له: سيارتي (اتديراتي ) اشك في ( الفيس بلاتيني ) و في الحقيقة أريد أن افتح المحرك و ( نرابوطي الكلاس ) و استبدل ( السيقمات ) و( نريفكتي الفربلوكا ) ..إلخ. هل تتوقعون أن تجدوا هذه المسميات التي أصبحنا نحتاجها يوميا في حياتنا كحاجتنا إلى الحليب والخبز ؟؟ طبعا لا تتعبوا أنفسكم فلن تجدوا منها شيئا لا هي ولا غيرها .
و على هذا يمكن أن نخرج بحكم قاس قد لا يروق كل من ساهم في تأليف هذه الكتب والمقررات الدراسية , وهو أن القمامة أولى بكل هذا الركام العقيم , الذي لا يزيد أمتنا إلا وهنا على وهنها .
للأمانة العلمية ينبغي أن أشيد بالمجهود الجبار الذي قدمه الأستاذان الكبيران الدكتور أبو عياد والدكتورة حفيظة تازروتي المؤلفان لكتاب السنة الثانية ابتدائي , إذ يعد بحق سيد كتب الإصلاح دون منازع , كما انه يحمل مشروعا نهضويا لغويا طموحا رائدا لو وجد الاستمرار, وكان الأستاذان هما من أكملا تأليف بقية كتب المستويات الأخرى. والمؤسف أن الكتاب سحب وغُيّر سريعا.
تنعقد الملتقيات والندوات اللسانية لاجترار ما قال بيرص أو دوسيسير أو جاكبسون أو فلان وعلان، ولو سألت المجتمعين من أساتذة جامعاتنا عن اسم أي قطعة غيار أو آلة من التي أصبحت جزء من حياتنا كالماء والخبز ما وجدت جوابا من أحدهم.
يا سادة لغتنا ليست في حاجة إلى اجترار ما قاله الغربيون، فما قاله الأسلاف أعمق، لكنها ببساطة في أمس الحاجة إلى المعاصرة، في حاجة إلى تنفّس روح العصر، في حاجة إلى إيجاد مسميات للأشياء المعاصرة المهولة التي تحيط بنا، في حاجة إلى توظيف هذه المسميات في مقرّرات مدارسنا.
الموضوع لا تكفيه الصفحة ولا الصفحات , ولكن اللبيب تكفيه الإشارة ليبني على أساسها منظومة فكرية كاملة في الموضوع .
.
بقلم محمد الفضيل جقاوة
متليلي في : 22/01/2019