GuidePedia

بوركت جهودك الرائعة ودمت ذخرا للثقافة والأدب قـــــراءة تحـلـيـلـيـة
لنص "من عتم الليل" للأديب / د.عقيل درويش
يقدمها /الشاعر الناقد/سامي ناصف
******************************************

إن النقد النابه يغوص في أعماق الحروف، ويسافر عبر تصاريف الكلمات ويكشف سر الصور البيانية ، ويغازل النص بفنون النقد ليستخرج جواهره ويفك طلاسمه، ويقدم النص وجبة ثرية أمام صاحب النص والقارئين.                                                       ونحن أمام نص نثري لكاتب وسم نصه بعنوان "من عتم الليل" وهو عنوان يشي بعبقرية اختياره، ليكون مفتاحا حقيقيا لعوالم النص. فحرف الجر (من) تفيد البعضية.. أي أن لليل عتم من بعض ما سطره عبر دهاليز النص. وحبن يكون الليل معتما يشي بعمق انصهار النفس مع التجربة التي تنز أوجاعا.                             النص من ناحية الشكل نثري بامتياز ، يعتمد على التراكيب القصيرة وسُطِّـر على هيئة رسائل تلغرافية متجانسة مترابطة تحمل عمقا من خلال جلال اللغة الرامزة.                                                      النص على هيئة مقاطع متصلة غير منفصلة، ولكل مقطع عنوان هو عون للوصول إلى مقصود ومدلول الكاتب ..  رشقات في ساحة القيد يا صاح.. يا صاح.. رشقات همومي .. هذا النسق الهندسي مقصود دلالي عفوي لما يعمد إليه الكاتب.
الكاتب والجرس اللغوي ..
كان الكاتـب واعٍ جدًا في استدعاء الموسيقا الظاهرة المتمثلة في الجناس والسجع٬ الموسيقـا الخفية المتمثلة في حسن تنسيق المفردات وحرفية استدعاء التركيبة البهية المتناغمة مع الصور البيانية .. فمن الموسيقا الظاهرة التي منحت النص جرسًا جنائزيًا مرة.. وجرسًـا تفاؤليا أخرى .. منها:
من حروف الضاد.. مغلولة بالأصفاد..القيد .. كيد..ود ..عد .. سمرا.. سهرا.. غيوم ..عموم.. الحب ..جب .... هذه اللغة الموسيقية أحدثت موجاتٍ متلاحقةً لتصل حد التدافع، لتقوي التجربة بجلال الإيقاع الحزين ..
الكاتب ويجذر الثقافة العربية الأصيلة:
وذلك يكشف عن شغف الكاتب بعبق التراث ووهج الحداثة .. وذلك من خلال استدعاء التاريخ.. وتوظيف ذلك بعبقرية ليخدم التجربة ومقصودها على سبيل المثال: معلقة زهير بن أبي سلمى.. وقصيدة طرفة بن العبد وروائع المتنبي.. وأبو فراس..  كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني.. وغير ذلك. ولم ينس الكاتب حظ النص من وهج المفردة القرآنية التي منحته شيئا من الجلال وذلك يكشف عن عمق ثقافة الكاتب، وتمسكه بعقلانية المزج بين التراث واستدعاء الحداثة فى المفردة والتركيبة . فمن المفردات الموسومة بجلال الصياغة القرآنية قوله الأصفاد..بالمرصاد وأمعن الكاتب فى توظيف الرمز ليكسب الجوى العام للنص عمقا يسافر بالقعل إلى فيافي التفكير وإعمال القريحة مثال (ساحة القيد ).. رمزية قتل الحرية رمزية استدعاء التاريخ لرموز الأدب العربي لعقد
مقارنة ومقاربة بين الواقع المتردي والتاريخ البهي.. وكذلك رمزية (القهوة ).. وكذلك اهتم الكاتب بشكل حرفي استعمال اللغة المجازية ليحدث حراكا فوارا لتشظي التجربة من خلال المجاز: مثلاً: حروف الضاد هي مجاز عن اللغة العربية.. والقلم مجاز عن الكتابة..  سواعد اليد مجاز عن الجسد بلا شطآن مجاز عن البحر.. بقفص من حجرمجازية القيد والسجن .. الكاتب ومهارة استدعاء الصورة البيانية:
وهي التي تساهم في تشكيل التجربة كلوحة مرئية لها حدودها لمكون ما يسمى بالصورة الكلية، التي من عناصرها الخطوط الموزعة بين الصوت، اللون، الحركة.. فالمفردات التي تدل على الصوت داخل النص رشقات..عسس ..يناجي ..يناديني.. تسابيح ..أمواج..أرعد..         أما المفردات التي تدل على اللون وهي .. الليل.. نهارعتم..بركان .. السمر..الحجر.. دموعه .. قهوة سوداء.                                                وأما المفردات التي تحمل عنصر الحركة داخل النص وهي في مجملها معلقة بقطاف الأفعال المضارعة التى تمنح النص تجددا واستمرارا.. منها .. يوم مضي.. القادم.. تشكل ..أطلق..تلاحم .. متلاطم.. تتصارع..غليان وهذا ما يزخر به النص ..

الكاتب .. يعي ما يقول ويقول ما يعي:

النص نثري مجيد.. ولكن الاهتمام كان أكثر بعنصرين رئيسيين وهما التكثيف والتركيز.. حتى يكسب النص حالة من الفردية والميزة عن المطروح بالساحة وعلى صفحات
التواصل .. لكننا أمام كاتب يحمل من الثقافة العربية الأصيلة والحداثة ما يجعله يفك الاشتباك بين الأمرين .. تحياتي.
* من عتم الليل *

رشقات
من حروف الضاد
عرش قصيدة من القهر
لا مداد لقلم يخطها
و سواعد اليدِ
مغلولة بالأصفاد

في ساح القيدِ
كيدُ
من زمن خان كل ودٍ
يوم مضى
واخر ب عدٍ
والقادم غدُ
نهاره عتمً
و ليله بلا قمر

عسس تشكل
طيف رفيق
يناجيني سمرا
يناديني سهرا
أطلق سراح
أسرارك جهرا
تسابيح من الهموم
لَمُ شمل
تلاحمَ غيوم
امواج غموم
الجسد يمٌ
متلاطمٌ
بلا شطآن
بلا خلجان
تتصارع أعماقه
مع دمائه
غليان بركان
طيف آسير
و بقايا إنسان

ياصاح
تريدها سجعا
أم طباقا
زجل على ايقاع دف
ام موال و ناي
كلاهما يبكيان
ام معلقة زهير
وقصيدة طرفة
روائع المتنبي
أم بثوث أبو فراس
الأبجدية كانت في
ماضينا
والهجائية بحاضرنا
لن تحتاج لشرح الوافي
ولا المختصر المفيد
لا تقرب المعاجم
والعرب باتوا أعاجم
لن تحتاج لتفاسير المعاني
فما سأقوله
ليس بكتاب الأغاني
للأصفهاني

يا صاح
الأولى
الأرض عرض
والثانية
الهوية هي القضية
والثالثة
الوفاء يحقن بوباء
الرابعة
مداد حروف الضاد
الأصفاد لها بالمرصاد
الخامسة
الحرية وحدة
انت حر
انت وحيد
السادسة
البشرية إنقرضت
منها الرحمة والإنسانية
السابعة
الأرواح البريئة
دمها مستباح
الثامنة
الحب جبٌ
مهما هويت بعشقك
يلفظك بوهلة لا يجُب
التاسعة
الغربة كربةٌ
العاشرة
الأديب غريب

رشقات همومي
صعقت
طيفا اراد السمر
بقفص من الحجر
أبرق وجِلاً
إرتعدَ
و أرعدَ
إنهمرت دموعه
قهوة سوداء
مشتاق لمرارتها
اعاد لي رفيقتي
ترتشفها شفاهي
إبتسمت سعيدا
رشقات هموم
تمخضت
رشفات قهوةٍ مرةٍ
هل ستتكرر ثانية
هل سيعود الطيف
مرة تالية
الجسد آلامه متتالية
يبقى الأمل بالله
مجرة لا متناهية

د. عقيل علاء الدين درويش







 
Top