((مقامة الحيلة الأدبية))
كتبها/د.عبدالمجيد محمد باعباد
كتبت فجر 26/نوفمبر 2018..
رقم المقامة (90)
حكى المتحايل المحيلي عاقل حارة الحيلة قال:غادرت أرض صوحلي ،وإتجهت سوانحي وبوارحي ،نواحي حي الحيلة ،خلف شواطئ القلم عند ساحل اليم، شددت رحلي ورحالي، في زمن الحيلة المحرمة في حكم الشرع ،ناهيك بحيل الأدب المحللة في سنن الإبداع، وما شددت الرحال إلا لأجل التحايل والتمحيل والمحيلة ،وأبتغي الحيلة المنتحلة من حلة الأدب المفات ،فعبرت نهر الفرات، وجبت أرض العرات الحفات ،أبحث عن أديب متحايل، في الزمن القاحل، فإستقصيت الأخبار ،عن دهاة الأدب والأشعار ،وجبت جميع الأنهار، وسافرت من أقصى الديار ،إلى أن أبحرت في جميع البحار، باحثا عن حيلة الأدب ..فمن خليج العرب المتناحل ،عصفت بي رياح السفن إلى الساحل العدني ،بعد أن أبحرت بي شراع الأزمنة في البحث عن قرائح الألسنة، وطال سفاري سنة بعد سنة ،حتى إزددت سنة ،وتقدم بي الزمان حتى شاخت بي الأعمار المسنة ،وتعمرت ألف سنة إلا هذا اليوم، فإنه لا يدخل بحسبان الأعوام بل في عمر الكلام، فقضيت عمري ربان في سفينة الأدب ،مبحر في بحار العرب، إلى أن عصفت بي رياح الجنوب، وعبرت بي من باب المندب إلى ساحل لؤلؤة العرب، وعروسة المدن عدن، فنزلت شاطئ الساحل العدني ،بعد أن غيرت ملابس بدني وإرتديت الزي العدني ،الذي كنت أحتفظ به في خرج الملابس الشعبية، وجراب الأزياء العربية ،لأني أؤمن بالعادات والتقاليد منذ زمن بعيد ،فلما وطئت ساحل عدن مشيت مشية محترز ،وأنا مرتدي الشميز والمعوز، فرأيت عجوز يجرب القارب فلاحظته عن كثب ،وهو يفك شباك الصيد ويرمي الحبال من القارب إلى البحر فدلفت إليه وبقرب سألته أين هم عمالقة الأدب ؟وصناديد الأشعار؟ هل تعرف إحد منهم في هذا الديار ؟إلتفت إلي وهو محتار وعلى وجه ملامح الذهول فقال: مش عارف إيش تقول ما تشاء وهو منشغل بفك خيوط الشباك وقاربه مليء بالأسماك فسألته مرة أخرى فلم يفهم ما أريد وأشار إلى مكان بعيد قائلا إنذكو هناك أسأل ياتوه فقلت: مها مه مالذي قلت فقال هناك صياد فإنصرفت عنه وأنا أتساءل بما قال عندما أومه بالإشارة، ونطق بأسمي إشارة، لم أجد لهما وجود في قواميس اللغة العربية ،فظننت أنها إنحرفت بالسان اللهجات الشعبية إنه ذاك إياه ذك هو وأنا وإياه أو أنا وهو ثم وصلت إلى المكان الذي أشار فرأيت جذوع أخشاب وأشجار تصنع منها القوارب فرأيت صياد طويل الشوارب مكحول الحواجب جالس بجانب صناديق من الأخشاب مليئة بالأمساك فسلمت عليه بأدب وسألته يا أخا العرب هل تعرف شخص إشتهر بالأدب ؟وأينهم جهابذة القريض ؟وأساة القول المريض ؟فقال :الصياد أفصح بتعريض' ودع التلميز وسأل سؤال وجيز؟ فقلت :له هل يوجد في هذه الديار من يروي الأشعار ؟ويصبغ القول المستعار.؟وهل تعرف أديب يجيد الحيلة الأدبية ؟ويتقن التلاعب بالأساليب العربية؟ فقال :هاه تقصد الشعراء لا وما عرفني أنا والشعراء يتبعهم الغاون خلنا نطلب الله إفتكرتك زبون تشتري الأسماك التي إصطدتها بعد ذلك إنصرفت عنه بخطوات خطوتها إلى منتهى الساحل فإسترحت من وعثاء الترحال وكنت أشعر بإرهاق الحال لأني لا أنام إلا في السواحل وطوال سفري على البحر لم أنم منذ القدم أخشى الموت بميتتين الغرق والنوم مراتين فأغفاني النعاس بالحال بعد أن إستلقيت على رمال الساحل نمت غفوة من سهر الإسفار وغمضت بعين النهار ودخلت في كوابيس أشعار وأدب وأخبار وكنت منهمك مع أضغاث أحلام بين أدباء قد ماتوا منذ قرون واعوام فإحسست بهزة على ركبتي وكنت منكب في غب الهفوت فسمعت صوت يقول :قم يا أديب الأموات وخضر الهواجس فإستفقت فرأيت شاب جالس حال الفذاذ وقلت من الفتى هل باعباد الذي رأيته في منامي قبل الفذاذ فقال: نعم جئت من أقصى البلاد لأقرؤك ما نسجته في بطون الصفاد ونثرته من أهاجيس أدبية،وصغته بالحيلة الأدبية ،وأتقنت هذه الصنعة الإدبية العربية ،ودعوت بالدعوة النبوية اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي فلما نطقها تفرجخت لحبوتي وطفقت أنفض التراب الذي جعثلني والشاب لا زال يحدثني فشبكت بأصبعي شعر لحيتي ووجفت الرميلات الصغيرة من ضجنتي والشاب يقرؤني النبذة التعريفية عندها طارت بقايا النوم الطفيفة من القيلولة :فرحبت بحفوة محفولة هذا الشاب وأحسنت إستقباله وشكرته عن سرعة إقباله في زمن القيلولة وقلت له: تفضل تفضل أرني عجائب أدبك وأسمعني فصل خطابك ؟فبدأ الشاب يرشفني أفاويق أدبه ويطعمني رحيق كتبه ويقرأ لي ما كتبه ويطلعني على ما أبدعه من بنات الأفكار، والمعاني الأبكار ،وما قدمه من إبتكار ،فعرفت أنه أديب فاضل منتهج نهج الأوائل، وأوتي فصاحة سحبان وائل وذكاء إياس في حل المسائل ووفاء السمؤل في الكروب الهوائل وحلم الأحنف في خبل الخبائل وشجاعة عمرو بين شجعان القبائل وبعد هذا الفهم والدراية وأنا منسجم معه في الحكاية قال لي :أسأل ما أردت ياخضر الهواجس وأديب النوامس. فسألته بكل ما هو أعجز وأستفهمته بما هو ألغز من الأحاجي والأمثال والغرائب والعجائب فأجاب المبهم بعلم مفعم فكنت كلما سألته أجاب وكلما إستفهمته أصاب وكلما أنصت له سمعي أسهب وأذهب وأن دقق في طرحه أغرب في الإيضاح فناهيك عن الصحاح والقاموس وتاج العروس فهي كالشموس تشرق من آفق درايته وكوكب مداراته بعقلية متعمقة وناصية محققة لأفهام العلوم فقد بلغ حد التخوم في النهل من المعارف ومتلأت يده من مغارف ما إستخرج من الدروس وإستنزاف الفكر الذي عصرته الرؤوس والشعور الذي شعرت به قرائح النفوس فهو يبين الفرائد وينقح الغرائب ويفصل الشوائب فإحترت مما له من ذكاء بعد أن شرح لي نحو الكتاب فأردت أن أنتقده بعين الإرتياب لأرى هل يتقبل العتاب هذا الشاب فقلت: له لست أعلم من سيبويه حتى تنتقد قواعد الكتاب دعك من التتطفل على أستاذ اللغة الأول فمثل هذه القامات ليس بحاجة إلا التقييم فهي مصدر الإستنباط والتعليم هكذا ردعته بالسان التحطيم والتأنيب بعنف العتاب فكتمها بصدره الرحب ولم يرد بمكره وأظهر لي إبتسامة ثغره فالله دره ما أكثر درره وكنت أسأله بدراية وتعجيز في كل الأسئلة وليست بسهلة فكان يرد ببروده تامة وبسلاسة عامة في مواجهة التحدي بفهم ناضج وحلم جدي وفكر مرتدي لباس الإقتباس ووعي ليس كبقية الناس حتى تجاوزت معه بالأسئلة من جميع الكتب في اللغة من نحو وصرف وبلاغة ومعاجم وبيان ومعاني وبديع فوجدته صاحب علم ضليع فنقلته من حدائق الكتب إلى أشعار الأدب فأطربني هذه الشاب بأجمل ما قالت العرب من أشعار في جميع العصور ولم يظهر لي أي قصور في النطق والحفظ فأردت أن أثير الغيض من هذا الفيض وأحببت أن ألقي حجرة على بحر متناحر الأطراف وبستان فكر متمعن في الإقتطاف ومتهدل الأرداف فأردت زرع الإعتساف حتى أرى غزارة الإرتشاف وأعرف حجم تدفق مجرى النبع ومستوى الينع في الأفكار ومقدار علو الباع وحجة الرد والإقناع فإستمهلته بإسترجاع بيت شعري لعمر بن ربيعة وهو يقرأ القصيدة بسرعةفَكانَ مِجَنّي دونَ مَن كُنتُ أَتَّقي ثَلاثُ شُخوصٍ كاعِبانِ وَمُعصِرُ .فقلت له أعد البيت نطقته بنكوص ونصبت شخوص وهي ترفع لأنها صفة جمع لجمع شخص وشخوص تجمع الرجال والنساء وهي صفة للجنسين لذا ترفع فقاطعني بالكلام وقال لا بل تنصب لأنها مصدر شخص من الشخوص والمصدر الثلاثي ينصب شخص يشخص شخوص فقلت له أخطأت ولعثمت ثيافي مكري وقلت له المصدر الثلاثي شخص يشخص شاخصا وليس شخوص جمع الجنسين فلم يرتاب هذا الشاب وقال لا إنها مصدر شخص والمصدر ينصب فقلت له أخطأت بل هي تمييز بعد ثلاث فقال والتمييز يكون منصوب ولماذا تجادل بأني رفعت لست متفذلك عندما إعتبرتها صفة وهي أسم فالصفات لا تجمع الأجناس وإنما الأسماء وحدها تجمع أيها اللوذعي فأحجم أنفي بحجة النحو وأعاد رشدي إلى الصحو عندما جادلني بفهم نحوي ووعي لغوي حتى أقنعني بحجة السبب وحوار مقنع بأدب فلم أرى أي سبب لتعجيزه وقد إستفهم الإحاجي الوجيزة والمساجي المعجزة والمحازي المحيزة وأجاب عن الأسئلة المنتهزة فبحثت عن سبب آخر لإحيزه وأروغ فاه بتراب النقد والعتاب فما رأيت منه إلا العجب العجاب وقد طالت في اللغة باعه، وأشربت حب الأدب طباعه فكنت لحسن إلقاءه وإبداعه أستمع بلوعة فقد أفادني من أدب الفوائد وأمتعني بأجمل الفرائد وأسمعني عيون القصائد وذكر لي أبرز ما أنتجته القرائح وأجمل ماتضمنته الأشعار من أدب فائح وأنشقني بالفوائح النثرية والشقائق الشعرية من الطرديات والإعتذارات والمعلقات والمقامات والموشحات والمغازل والمدائح والمفاخر والمهاجي والمراثي والأراجيز والآمالي والحماسات غيرها من فنون الأدب وأصناف القريض في جميع الأساليب والأغراض الشعرية والنثرية فأحببت تكرار النقد والإعتراض لأرى الرد العارض والفهم المناهض للتبليد والحجة الماحصة للكيد فقلت له بعد روعة الإمتاع وحلوة الإقناع وصفاء الإمتناع وقوة الذكاء والإطلاع وبراءة الإختراع وجراءة الإبداع بعد هذا كله أردت له الإيجاع لأرى هل سيرضى بالإيقاع في حبال المكيدة وكيف سيرد لتعقيده بحبل إكادة وعقدة مكايدة فقالت: له أنته تخطئ ولا تتعترف بالعثرات ولحنت عدة مرات عندما قرات قصيدة أبو تمام عندما كنت أسمع لك رفعت في مواضع النصب والنصبت مواطن الرفع فلا تكن مغتر بعلمك ولا تفخر بفهمك بل عليك الأخذ بنصيحة الناصح والسكوت عن شتيمة القادح فالعقل الراجع يأخذها بقلب منشرح فأجابني بذهنه المنفتح وقال حاضر ولكنك لم تظهر لي أماكن الضعف حتى نعرف ونعترف ولا نهرف ولا نقترف لوجود حقيقة الخطأ فإنك تدمن الخرف وتحب الخسف من غير تحديد مواطن الضعف بل تخططف الكلام خطف ناقد وتتناول القول بذهن قاعد ثم سكت فجادلته وقلت له لا تعاند ولا تماري بجهلك ولا تفضل خيلائك بهذا الكلام فقلد عجزت ولحنت في نطق بعض أبيات أبو تمام فلا تبرر أي كلام.فرأيت في وجهه عبوس الإنهزام فكان كلامي هذا أقرب من وجع القلب أو هو أرعب له وأنقع لأنه نقد موجع من حيلة الأدب من غير حجة ولا سبب بل نشبت ناب التأنيب وشفار التأديب على الأديب الأديب الذي يعرف ما يقول وما يؤول وما هو المغزى والمدلول في كل فضول فكان تحايل هذا الشاب غاية في الإعجاب حين أخذ بالعتاب وأجاب بحيلة الأدب ومكر مكور الثعلب وراغ بروغ العقرب وإعترف بأنه تلعثم من باب إسكات المجادل والسكوت عن الباطل في الكيد والتماطل عن الحق بصمت الكلام والنطق لكنه رد بكلام لبق فقال :لنقدك نلقي الإهتمام ولنصحك نضع الإحترام فلم أتعب لما إنتقدت من كلام تمام وعندي فطنة أبو تمام طيب وعندي أدب ابو الطيب ولا يهمك وقد جالست الكميت،لا عليك وقد سلكت مع السليك لا تقلق وقد سمعت الفرزدق لا أسهاب وقد سمرت مع السياب والمسيب لا إرتباك وقد ركبت المقفى مع إبن المبارك ولا خجل وقد داعبت الدعبل لا عرقلة وقد قرأت عن العرقلة لا خطيئه وقد تخطوت من الحطيئة لا غلطة ومعي قافية الجخظة لا عثرة وقد تحمست بشعر عنترة لا نقائض ومعي بيان الجاحظ لا إحرج وقد أدلجت مع الحلاج لا نكوص وقد توسعت مع الأحوص لا إرهاص وقد تربصط بالأبرص لا إنتكاس وعندي قريحة ابو فراس لا إقلال بعد أن عرفت إقبال ولا رمة ولساني تفوه بذو الرمة لا تجهم أن تجهمت بن الجهم لا تأبط بعد المتأبط ولا مخظل وقد تخطمت مع الأخطل ولا ثأثئه طلما أطليت على ابن الفجاءة ولا هدرة بعد أن دريت بأبن دريده ولا هراء وقد ترفأت من الفراء ولا عجز ومعي عجز أبن المعتز،ولا زعزعه أن قبعت مع كثير عزة ولا إلتواء بعد أن تلوءت من لواواء،ولا قماءة بعد أن قرأت عن إبن القميئة،،ولا تلعثم بعد أن تشنفت بالملعثم ولا تبرد وقد تبردت بالمبرد،ولا تلبد وقد دبيت مع ابن برد،وكيف أكون بليد وقد حفظت معلقة لبيد ولا تغبة وقد ولغت مع النابغة ولا تغرير ومعي أبيات زهير،ولا نكير وقد سمعت عن جرير ،ولا بهتان ومعي مدائح حسان ،ولا هذيان ولساني تروض بسحبان، ولست مظرور طالما أطليت على أبن منظور وما أن بيأس وقد أخذت من أبن فارس وهل يحق لي أن أدعي بعدما جالست الاصمعي ولا أحب أن أستشري بعدما تتلمذت على كتب الزمخشري وما أنا بذلك وقد حفظت ألفية ابن مالك ولست بذليل وقد أجرمت مع أبن عقيل وأصبحت مليق عندما تأنقت بأبن رشيق وكيف تواجهني كبوة بعدما قرأت لأبن قتيبة، ولست مجفع أن قبعت مع أبن المقفع أما علمت أن سيبويه ينساب من شفتي وتأصيل الدؤلي يصول في رئتي،وعروض الخليل يجول في ناصيتيي..،، ومع هذا تبارزني بكبوة وما إنكبت صبابتي وبعد هذا ألم تعني لك صفتي.وهل كفتك عرفتي فقصتي مع الكتاب تطول حتى ذهب نصف نظري من القراءة في الضوء الخافت وأنزفت مداد الأقلام في دجى الظلام فقد أتخذت النجم والسرج سميراً في الظلمات،وجالستُ الأمهات،حتى حفظتُ الكثير من الأشعار والأخبار والمعلقات،وهأنذا أسرد المقامات،،فأحمد الله على هذه الهبات،أنا ساجع المقالات،وكاتب الروايات،وناثر المكنونات،أنا جذيلها المحك،وعذيقها المرجب،ليت أمي ما ولدتني،ولو ذات سواراً لطمتني،لأني في زمان ليس زماني،ومع هذا يتعجبون من سني،ويستغربون من لسني،فو الله لو كتبتُ بلغة يرتاح لها حالي،لما فهم الناس مقالي،أنا الذي ترعرع الأدب بين سحر ونحري،أنا صاحب ذيل الفخر على سحبان ،أنا وضع الفرائد طرفا التمام،أنا الذي إقتديتُ بنثري بالكاتب عبدالحميد، ونظم فوائد النظام،وسرتُ على نهج الحارث بن همام، ألستُ صاحب الإنشاء والبديع ،الذي عنى له الهمذاني والحريري والثعالبي والزمخشري والزندي وإبن الصيقل ،والجوزي والجرجاني وإبن باقيا والمرغي وغيرهم من قبلي....فلنردعكم عن الإنخراط في سلك المفتخرين،(ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)) وأتم الشاب حديثه وقال فهأنذا هو وأنا أنت غير أنك إياي وإياي أنت وإياك أنا فمن أنا لولاك وشر المعارف من لم يعرفك فآذاك فصمت خضر الهواجس صمت المعترف بالذنب وخفض رأسه وقام يقبل رأس الأديب الأديب ثم قال والذي حبانا بمحبتك وساقنا إلى صحبتك ما نألوك عيبا ولا نظهر لك غيبا ولا نفارقك غيبا سبحان من أبدعك فما أعظم خدعك وأخبث بدعك وأنقى إبداعك فجزيت خيرا ووقيت ضيرا فإنك ممن لا يشقى به جليس ولا يصدر عنه تبليس إلا بحيلة الأدب فإمتدحت هذا الشاب من الغريب لأرى هل يفهم معاني الغريب فقلت له إنك أعظم غزارة من المُثْعَنْجِر الواسع وأحدق نظارة من الخرنبع وأفهم من النلقسي وأعذب من الخندريس المحتسي يوم الخميس فقال الشاب يا ناموس الأدب النفيس ونقرسيس عبس وعيس وطيسم وجديس وعنفقي وكزوهر وهزبر أسمحي وقطينب صريمحي وسميدع بني السماديع ولوذع بن البديع فلا تنفرنقع عني حينما أتثنبغقع فأحجمني بفهمه للغريب وأظهر علمه بغريب اللغة التي لم أفهم معناها ولم أستتطع نطقها إلا بثغة فإنه أفهم مني فقد ذكر لي معنى كل لفظ وصفته به ولم أفهم ما وصفني به فتعلقت بأهدابه لخصائص أدابه وغزارة غرائبه وجمال عجائبه فبايعته ولي على إمارة الأدب فهو إعجوبة العرب برغم سن شبابه لكن عقله أكبر من شيبه نابغة زمانه وأديب آوانه لذلك قلت لهذا الشباب قبل الغياب عنك والرحيل منك إليك ومغادرة مكانك والسفر إلى كنائنك والعودة إلى مستقر مسكنك فهلا ذكرت لي بعض من خدعك حتى أعرف مطامعك فقال هذا الشاب أخدع بحيلة الأدب وأخرع من غير سبب وأتعجرف لأتعرف بحجة القرف وأتغطرس لأحترس وإطلمس لإلتمس من يقرأ بدقة ومن يفهم بحقيقة فعندما أكتب أتعمد الخطأ أحيانا حتى أعرف من يقرأ ومن يرتشف ومن يميز حينما ألمز وإلغز حتى أميز النحوي الذكي والباحث الفاحص والمتمكن المتخصص من بين الألف المختلف عن خواص الناس فهذا هو القياس الذي أعتمده والذي يظهر لي إلا واحد من بين المئات فأتخذه من ذوي الثقات وأصادقه بصدق لأنه مفكر بصدق ويعرف الحق من الباطل ويميز العلم من الجهل فهو عالم في مجتمع جاهل وهذا المعيار أستخدمه لتمييز المفكر من بين البشر فقلت لهذا الشاب بعدما أجاب أف لك من صوغ اللسان وعذوبة البيان ولكنك تروغ عن الإحسان وتأمر بالبر وتعق في خفايا السر ..فقال هذا الشاب لأن الصح لا يعرف إلا بالخطأ والصدق لا يعرف إلا بوجود الكذب والتوبة لا تكون إلا بذنب والنجاح لا يكون إلا بوجود الفشل والعلم لا يتميز إلا بوجود الهجل والنهار لا ينير إلا بوجود الليل فالحياة لا تقوم إلا على وجود الإضداد في مختلف مناحي الحياة الأضداد مثل الوجود العدم الليل والنهار والظلام والنور والعدل والظلم وطبيعة نفس الأنسان مكونة من مشاعر متضادة السعد البؤس الحزن الفرح الضحك البكاء في كل شيء وهذا حكمة الخالق جل سبحانه جعل الحياة قائمة على الإضداد ولايمكن أن يسير شؤونها الإنداد لأنها للفرد الواحد الأحد سحبانه تعالى فهو الذي خلق الحيات والممات وهما متضادين ولا يمكن للمتضاد أن يخلق إلا من الفرد الصمد الواحد الأحد الذي خلق الأضداد والأنداد لذا لا ينبغي أن تكون العبادة خالصة إلا لله وحده لا شريك له ولا ند له..فلما إنتهى هذا الشاب من هذا الخطاب بكيت بكاء فرح لأن صدري إنشرح مما قال فقد تعلمت فلاسفة الحياة وحقيقة الوجود وقبل أن نفترق ونعود كلن إلى مواطنه ما كنت إلا من خبايا ظنونه فكيف أودعه وأنا خدعة من خدعه؟؟؟
كتبها/د.عبدالمجيد محمد باعباد
كتبت فجر 26/نوفمبر 2018..
رقم المقامة (90)
حكى المتحايل المحيلي عاقل حارة الحيلة قال:غادرت أرض صوحلي ،وإتجهت سوانحي وبوارحي ،نواحي حي الحيلة ،خلف شواطئ القلم عند ساحل اليم، شددت رحلي ورحالي، في زمن الحيلة المحرمة في حكم الشرع ،ناهيك بحيل الأدب المحللة في سنن الإبداع، وما شددت الرحال إلا لأجل التحايل والتمحيل والمحيلة ،وأبتغي الحيلة المنتحلة من حلة الأدب المفات ،فعبرت نهر الفرات، وجبت أرض العرات الحفات ،أبحث عن أديب متحايل، في الزمن القاحل، فإستقصيت الأخبار ،عن دهاة الأدب والأشعار ،وجبت جميع الأنهار، وسافرت من أقصى الديار ،إلى أن أبحرت في جميع البحار، باحثا عن حيلة الأدب ..فمن خليج العرب المتناحل ،عصفت بي رياح السفن إلى الساحل العدني ،بعد أن أبحرت بي شراع الأزمنة في البحث عن قرائح الألسنة، وطال سفاري سنة بعد سنة ،حتى إزددت سنة ،وتقدم بي الزمان حتى شاخت بي الأعمار المسنة ،وتعمرت ألف سنة إلا هذا اليوم، فإنه لا يدخل بحسبان الأعوام بل في عمر الكلام، فقضيت عمري ربان في سفينة الأدب ،مبحر في بحار العرب، إلى أن عصفت بي رياح الجنوب، وعبرت بي من باب المندب إلى ساحل لؤلؤة العرب، وعروسة المدن عدن، فنزلت شاطئ الساحل العدني ،بعد أن غيرت ملابس بدني وإرتديت الزي العدني ،الذي كنت أحتفظ به في خرج الملابس الشعبية، وجراب الأزياء العربية ،لأني أؤمن بالعادات والتقاليد منذ زمن بعيد ،فلما وطئت ساحل عدن مشيت مشية محترز ،وأنا مرتدي الشميز والمعوز، فرأيت عجوز يجرب القارب فلاحظته عن كثب ،وهو يفك شباك الصيد ويرمي الحبال من القارب إلى البحر فدلفت إليه وبقرب سألته أين هم عمالقة الأدب ؟وصناديد الأشعار؟ هل تعرف إحد منهم في هذا الديار ؟إلتفت إلي وهو محتار وعلى وجه ملامح الذهول فقال: مش عارف إيش تقول ما تشاء وهو منشغل بفك خيوط الشباك وقاربه مليء بالأسماك فسألته مرة أخرى فلم يفهم ما أريد وأشار إلى مكان بعيد قائلا إنذكو هناك أسأل ياتوه فقلت: مها مه مالذي قلت فقال هناك صياد فإنصرفت عنه وأنا أتساءل بما قال عندما أومه بالإشارة، ونطق بأسمي إشارة، لم أجد لهما وجود في قواميس اللغة العربية ،فظننت أنها إنحرفت بالسان اللهجات الشعبية إنه ذاك إياه ذك هو وأنا وإياه أو أنا وهو ثم وصلت إلى المكان الذي أشار فرأيت جذوع أخشاب وأشجار تصنع منها القوارب فرأيت صياد طويل الشوارب مكحول الحواجب جالس بجانب صناديق من الأخشاب مليئة بالأمساك فسلمت عليه بأدب وسألته يا أخا العرب هل تعرف شخص إشتهر بالأدب ؟وأينهم جهابذة القريض ؟وأساة القول المريض ؟فقال :الصياد أفصح بتعريض' ودع التلميز وسأل سؤال وجيز؟ فقلت :له هل يوجد في هذه الديار من يروي الأشعار ؟ويصبغ القول المستعار.؟وهل تعرف أديب يجيد الحيلة الأدبية ؟ويتقن التلاعب بالأساليب العربية؟ فقال :هاه تقصد الشعراء لا وما عرفني أنا والشعراء يتبعهم الغاون خلنا نطلب الله إفتكرتك زبون تشتري الأسماك التي إصطدتها بعد ذلك إنصرفت عنه بخطوات خطوتها إلى منتهى الساحل فإسترحت من وعثاء الترحال وكنت أشعر بإرهاق الحال لأني لا أنام إلا في السواحل وطوال سفري على البحر لم أنم منذ القدم أخشى الموت بميتتين الغرق والنوم مراتين فأغفاني النعاس بالحال بعد أن إستلقيت على رمال الساحل نمت غفوة من سهر الإسفار وغمضت بعين النهار ودخلت في كوابيس أشعار وأدب وأخبار وكنت منهمك مع أضغاث أحلام بين أدباء قد ماتوا منذ قرون واعوام فإحسست بهزة على ركبتي وكنت منكب في غب الهفوت فسمعت صوت يقول :قم يا أديب الأموات وخضر الهواجس فإستفقت فرأيت شاب جالس حال الفذاذ وقلت من الفتى هل باعباد الذي رأيته في منامي قبل الفذاذ فقال: نعم جئت من أقصى البلاد لأقرؤك ما نسجته في بطون الصفاد ونثرته من أهاجيس أدبية،وصغته بالحيلة الأدبية ،وأتقنت هذه الصنعة الإدبية العربية ،ودعوت بالدعوة النبوية اللهم أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي فلما نطقها تفرجخت لحبوتي وطفقت أنفض التراب الذي جعثلني والشاب لا زال يحدثني فشبكت بأصبعي شعر لحيتي ووجفت الرميلات الصغيرة من ضجنتي والشاب يقرؤني النبذة التعريفية عندها طارت بقايا النوم الطفيفة من القيلولة :فرحبت بحفوة محفولة هذا الشاب وأحسنت إستقباله وشكرته عن سرعة إقباله في زمن القيلولة وقلت له: تفضل تفضل أرني عجائب أدبك وأسمعني فصل خطابك ؟فبدأ الشاب يرشفني أفاويق أدبه ويطعمني رحيق كتبه ويقرأ لي ما كتبه ويطلعني على ما أبدعه من بنات الأفكار، والمعاني الأبكار ،وما قدمه من إبتكار ،فعرفت أنه أديب فاضل منتهج نهج الأوائل، وأوتي فصاحة سحبان وائل وذكاء إياس في حل المسائل ووفاء السمؤل في الكروب الهوائل وحلم الأحنف في خبل الخبائل وشجاعة عمرو بين شجعان القبائل وبعد هذا الفهم والدراية وأنا منسجم معه في الحكاية قال لي :أسأل ما أردت ياخضر الهواجس وأديب النوامس. فسألته بكل ما هو أعجز وأستفهمته بما هو ألغز من الأحاجي والأمثال والغرائب والعجائب فأجاب المبهم بعلم مفعم فكنت كلما سألته أجاب وكلما إستفهمته أصاب وكلما أنصت له سمعي أسهب وأذهب وأن دقق في طرحه أغرب في الإيضاح فناهيك عن الصحاح والقاموس وتاج العروس فهي كالشموس تشرق من آفق درايته وكوكب مداراته بعقلية متعمقة وناصية محققة لأفهام العلوم فقد بلغ حد التخوم في النهل من المعارف ومتلأت يده من مغارف ما إستخرج من الدروس وإستنزاف الفكر الذي عصرته الرؤوس والشعور الذي شعرت به قرائح النفوس فهو يبين الفرائد وينقح الغرائب ويفصل الشوائب فإحترت مما له من ذكاء بعد أن شرح لي نحو الكتاب فأردت أن أنتقده بعين الإرتياب لأرى هل يتقبل العتاب هذا الشاب فقلت: له لست أعلم من سيبويه حتى تنتقد قواعد الكتاب دعك من التتطفل على أستاذ اللغة الأول فمثل هذه القامات ليس بحاجة إلا التقييم فهي مصدر الإستنباط والتعليم هكذا ردعته بالسان التحطيم والتأنيب بعنف العتاب فكتمها بصدره الرحب ولم يرد بمكره وأظهر لي إبتسامة ثغره فالله دره ما أكثر درره وكنت أسأله بدراية وتعجيز في كل الأسئلة وليست بسهلة فكان يرد ببروده تامة وبسلاسة عامة في مواجهة التحدي بفهم ناضج وحلم جدي وفكر مرتدي لباس الإقتباس ووعي ليس كبقية الناس حتى تجاوزت معه بالأسئلة من جميع الكتب في اللغة من نحو وصرف وبلاغة ومعاجم وبيان ومعاني وبديع فوجدته صاحب علم ضليع فنقلته من حدائق الكتب إلى أشعار الأدب فأطربني هذه الشاب بأجمل ما قالت العرب من أشعار في جميع العصور ولم يظهر لي أي قصور في النطق والحفظ فأردت أن أثير الغيض من هذا الفيض وأحببت أن ألقي حجرة على بحر متناحر الأطراف وبستان فكر متمعن في الإقتطاف ومتهدل الأرداف فأردت زرع الإعتساف حتى أرى غزارة الإرتشاف وأعرف حجم تدفق مجرى النبع ومستوى الينع في الأفكار ومقدار علو الباع وحجة الرد والإقناع فإستمهلته بإسترجاع بيت شعري لعمر بن ربيعة وهو يقرأ القصيدة بسرعةفَكانَ مِجَنّي دونَ مَن كُنتُ أَتَّقي ثَلاثُ شُخوصٍ كاعِبانِ وَمُعصِرُ .فقلت له أعد البيت نطقته بنكوص ونصبت شخوص وهي ترفع لأنها صفة جمع لجمع شخص وشخوص تجمع الرجال والنساء وهي صفة للجنسين لذا ترفع فقاطعني بالكلام وقال لا بل تنصب لأنها مصدر شخص من الشخوص والمصدر الثلاثي ينصب شخص يشخص شخوص فقلت له أخطأت ولعثمت ثيافي مكري وقلت له المصدر الثلاثي شخص يشخص شاخصا وليس شخوص جمع الجنسين فلم يرتاب هذا الشاب وقال لا إنها مصدر شخص والمصدر ينصب فقلت له أخطأت بل هي تمييز بعد ثلاث فقال والتمييز يكون منصوب ولماذا تجادل بأني رفعت لست متفذلك عندما إعتبرتها صفة وهي أسم فالصفات لا تجمع الأجناس وإنما الأسماء وحدها تجمع أيها اللوذعي فأحجم أنفي بحجة النحو وأعاد رشدي إلى الصحو عندما جادلني بفهم نحوي ووعي لغوي حتى أقنعني بحجة السبب وحوار مقنع بأدب فلم أرى أي سبب لتعجيزه وقد إستفهم الإحاجي الوجيزة والمساجي المعجزة والمحازي المحيزة وأجاب عن الأسئلة المنتهزة فبحثت عن سبب آخر لإحيزه وأروغ فاه بتراب النقد والعتاب فما رأيت منه إلا العجب العجاب وقد طالت في اللغة باعه، وأشربت حب الأدب طباعه فكنت لحسن إلقاءه وإبداعه أستمع بلوعة فقد أفادني من أدب الفوائد وأمتعني بأجمل الفرائد وأسمعني عيون القصائد وذكر لي أبرز ما أنتجته القرائح وأجمل ماتضمنته الأشعار من أدب فائح وأنشقني بالفوائح النثرية والشقائق الشعرية من الطرديات والإعتذارات والمعلقات والمقامات والموشحات والمغازل والمدائح والمفاخر والمهاجي والمراثي والأراجيز والآمالي والحماسات غيرها من فنون الأدب وأصناف القريض في جميع الأساليب والأغراض الشعرية والنثرية فأحببت تكرار النقد والإعتراض لأرى الرد العارض والفهم المناهض للتبليد والحجة الماحصة للكيد فقلت له بعد روعة الإمتاع وحلوة الإقناع وصفاء الإمتناع وقوة الذكاء والإطلاع وبراءة الإختراع وجراءة الإبداع بعد هذا كله أردت له الإيجاع لأرى هل سيرضى بالإيقاع في حبال المكيدة وكيف سيرد لتعقيده بحبل إكادة وعقدة مكايدة فقالت: له أنته تخطئ ولا تتعترف بالعثرات ولحنت عدة مرات عندما قرات قصيدة أبو تمام عندما كنت أسمع لك رفعت في مواضع النصب والنصبت مواطن الرفع فلا تكن مغتر بعلمك ولا تفخر بفهمك بل عليك الأخذ بنصيحة الناصح والسكوت عن شتيمة القادح فالعقل الراجع يأخذها بقلب منشرح فأجابني بذهنه المنفتح وقال حاضر ولكنك لم تظهر لي أماكن الضعف حتى نعرف ونعترف ولا نهرف ولا نقترف لوجود حقيقة الخطأ فإنك تدمن الخرف وتحب الخسف من غير تحديد مواطن الضعف بل تخططف الكلام خطف ناقد وتتناول القول بذهن قاعد ثم سكت فجادلته وقلت له لا تعاند ولا تماري بجهلك ولا تفضل خيلائك بهذا الكلام فقلد عجزت ولحنت في نطق بعض أبيات أبو تمام فلا تبرر أي كلام.فرأيت في وجهه عبوس الإنهزام فكان كلامي هذا أقرب من وجع القلب أو هو أرعب له وأنقع لأنه نقد موجع من حيلة الأدب من غير حجة ولا سبب بل نشبت ناب التأنيب وشفار التأديب على الأديب الأديب الذي يعرف ما يقول وما يؤول وما هو المغزى والمدلول في كل فضول فكان تحايل هذا الشاب غاية في الإعجاب حين أخذ بالعتاب وأجاب بحيلة الأدب ومكر مكور الثعلب وراغ بروغ العقرب وإعترف بأنه تلعثم من باب إسكات المجادل والسكوت عن الباطل في الكيد والتماطل عن الحق بصمت الكلام والنطق لكنه رد بكلام لبق فقال :لنقدك نلقي الإهتمام ولنصحك نضع الإحترام فلم أتعب لما إنتقدت من كلام تمام وعندي فطنة أبو تمام طيب وعندي أدب ابو الطيب ولا يهمك وقد جالست الكميت،لا عليك وقد سلكت مع السليك لا تقلق وقد سمعت الفرزدق لا أسهاب وقد سمرت مع السياب والمسيب لا إرتباك وقد ركبت المقفى مع إبن المبارك ولا خجل وقد داعبت الدعبل لا عرقلة وقد قرأت عن العرقلة لا خطيئه وقد تخطوت من الحطيئة لا غلطة ومعي قافية الجخظة لا عثرة وقد تحمست بشعر عنترة لا نقائض ومعي بيان الجاحظ لا إحرج وقد أدلجت مع الحلاج لا نكوص وقد توسعت مع الأحوص لا إرهاص وقد تربصط بالأبرص لا إنتكاس وعندي قريحة ابو فراس لا إقلال بعد أن عرفت إقبال ولا رمة ولساني تفوه بذو الرمة لا تجهم أن تجهمت بن الجهم لا تأبط بعد المتأبط ولا مخظل وقد تخطمت مع الأخطل ولا ثأثئه طلما أطليت على ابن الفجاءة ولا هدرة بعد أن دريت بأبن دريده ولا هراء وقد ترفأت من الفراء ولا عجز ومعي عجز أبن المعتز،ولا زعزعه أن قبعت مع كثير عزة ولا إلتواء بعد أن تلوءت من لواواء،ولا قماءة بعد أن قرأت عن إبن القميئة،،ولا تلعثم بعد أن تشنفت بالملعثم ولا تبرد وقد تبردت بالمبرد،ولا تلبد وقد دبيت مع ابن برد،وكيف أكون بليد وقد حفظت معلقة لبيد ولا تغبة وقد ولغت مع النابغة ولا تغرير ومعي أبيات زهير،ولا نكير وقد سمعت عن جرير ،ولا بهتان ومعي مدائح حسان ،ولا هذيان ولساني تروض بسحبان، ولست مظرور طالما أطليت على أبن منظور وما أن بيأس وقد أخذت من أبن فارس وهل يحق لي أن أدعي بعدما جالست الاصمعي ولا أحب أن أستشري بعدما تتلمذت على كتب الزمخشري وما أنا بذلك وقد حفظت ألفية ابن مالك ولست بذليل وقد أجرمت مع أبن عقيل وأصبحت مليق عندما تأنقت بأبن رشيق وكيف تواجهني كبوة بعدما قرأت لأبن قتيبة، ولست مجفع أن قبعت مع أبن المقفع أما علمت أن سيبويه ينساب من شفتي وتأصيل الدؤلي يصول في رئتي،وعروض الخليل يجول في ناصيتيي..،، ومع هذا تبارزني بكبوة وما إنكبت صبابتي وبعد هذا ألم تعني لك صفتي.وهل كفتك عرفتي فقصتي مع الكتاب تطول حتى ذهب نصف نظري من القراءة في الضوء الخافت وأنزفت مداد الأقلام في دجى الظلام فقد أتخذت النجم والسرج سميراً في الظلمات،وجالستُ الأمهات،حتى حفظتُ الكثير من الأشعار والأخبار والمعلقات،وهأنذا أسرد المقامات،،فأحمد الله على هذه الهبات،أنا ساجع المقالات،وكاتب الروايات،وناثر المكنونات،أنا جذيلها المحك،وعذيقها المرجب،ليت أمي ما ولدتني،ولو ذات سواراً لطمتني،لأني في زمان ليس زماني،ومع هذا يتعجبون من سني،ويستغربون من لسني،فو الله لو كتبتُ بلغة يرتاح لها حالي،لما فهم الناس مقالي،أنا الذي ترعرع الأدب بين سحر ونحري،أنا صاحب ذيل الفخر على سحبان ،أنا وضع الفرائد طرفا التمام،أنا الذي إقتديتُ بنثري بالكاتب عبدالحميد، ونظم فوائد النظام،وسرتُ على نهج الحارث بن همام، ألستُ صاحب الإنشاء والبديع ،الذي عنى له الهمذاني والحريري والثعالبي والزمخشري والزندي وإبن الصيقل ،والجوزي والجرجاني وإبن باقيا والمرغي وغيرهم من قبلي....فلنردعكم عن الإنخراط في سلك المفتخرين،(ولاتقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)) وأتم الشاب حديثه وقال فهأنذا هو وأنا أنت غير أنك إياي وإياي أنت وإياك أنا فمن أنا لولاك وشر المعارف من لم يعرفك فآذاك فصمت خضر الهواجس صمت المعترف بالذنب وخفض رأسه وقام يقبل رأس الأديب الأديب ثم قال والذي حبانا بمحبتك وساقنا إلى صحبتك ما نألوك عيبا ولا نظهر لك غيبا ولا نفارقك غيبا سبحان من أبدعك فما أعظم خدعك وأخبث بدعك وأنقى إبداعك فجزيت خيرا ووقيت ضيرا فإنك ممن لا يشقى به جليس ولا يصدر عنه تبليس إلا بحيلة الأدب فإمتدحت هذا الشاب من الغريب لأرى هل يفهم معاني الغريب فقلت له إنك أعظم غزارة من المُثْعَنْجِر الواسع وأحدق نظارة من الخرنبع وأفهم من النلقسي وأعذب من الخندريس المحتسي يوم الخميس فقال الشاب يا ناموس الأدب النفيس ونقرسيس عبس وعيس وطيسم وجديس وعنفقي وكزوهر وهزبر أسمحي وقطينب صريمحي وسميدع بني السماديع ولوذع بن البديع فلا تنفرنقع عني حينما أتثنبغقع فأحجمني بفهمه للغريب وأظهر علمه بغريب اللغة التي لم أفهم معناها ولم أستتطع نطقها إلا بثغة فإنه أفهم مني فقد ذكر لي معنى كل لفظ وصفته به ولم أفهم ما وصفني به فتعلقت بأهدابه لخصائص أدابه وغزارة غرائبه وجمال عجائبه فبايعته ولي على إمارة الأدب فهو إعجوبة العرب برغم سن شبابه لكن عقله أكبر من شيبه نابغة زمانه وأديب آوانه لذلك قلت لهذا الشباب قبل الغياب عنك والرحيل منك إليك ومغادرة مكانك والسفر إلى كنائنك والعودة إلى مستقر مسكنك فهلا ذكرت لي بعض من خدعك حتى أعرف مطامعك فقال هذا الشاب أخدع بحيلة الأدب وأخرع من غير سبب وأتعجرف لأتعرف بحجة القرف وأتغطرس لأحترس وإطلمس لإلتمس من يقرأ بدقة ومن يفهم بحقيقة فعندما أكتب أتعمد الخطأ أحيانا حتى أعرف من يقرأ ومن يرتشف ومن يميز حينما ألمز وإلغز حتى أميز النحوي الذكي والباحث الفاحص والمتمكن المتخصص من بين الألف المختلف عن خواص الناس فهذا هو القياس الذي أعتمده والذي يظهر لي إلا واحد من بين المئات فأتخذه من ذوي الثقات وأصادقه بصدق لأنه مفكر بصدق ويعرف الحق من الباطل ويميز العلم من الجهل فهو عالم في مجتمع جاهل وهذا المعيار أستخدمه لتمييز المفكر من بين البشر فقلت لهذا الشاب بعدما أجاب أف لك من صوغ اللسان وعذوبة البيان ولكنك تروغ عن الإحسان وتأمر بالبر وتعق في خفايا السر ..فقال هذا الشاب لأن الصح لا يعرف إلا بالخطأ والصدق لا يعرف إلا بوجود الكذب والتوبة لا تكون إلا بذنب والنجاح لا يكون إلا بوجود الفشل والعلم لا يتميز إلا بوجود الهجل والنهار لا ينير إلا بوجود الليل فالحياة لا تقوم إلا على وجود الإضداد في مختلف مناحي الحياة الأضداد مثل الوجود العدم الليل والنهار والظلام والنور والعدل والظلم وطبيعة نفس الأنسان مكونة من مشاعر متضادة السعد البؤس الحزن الفرح الضحك البكاء في كل شيء وهذا حكمة الخالق جل سبحانه جعل الحياة قائمة على الإضداد ولايمكن أن يسير شؤونها الإنداد لأنها للفرد الواحد الأحد سحبانه تعالى فهو الذي خلق الحيات والممات وهما متضادين ولا يمكن للمتضاد أن يخلق إلا من الفرد الصمد الواحد الأحد الذي خلق الأضداد والأنداد لذا لا ينبغي أن تكون العبادة خالصة إلا لله وحده لا شريك له ولا ند له..فلما إنتهى هذا الشاب من هذا الخطاب بكيت بكاء فرح لأن صدري إنشرح مما قال فقد تعلمت فلاسفة الحياة وحقيقة الوجود وقبل أن نفترق ونعود كلن إلى مواطنه ما كنت إلا من خبايا ظنونه فكيف أودعه وأنا خدعة من خدعه؟؟؟