(الأسبلة) السقاية نموذج رائع من نماذج الحضارة الاسلامية
----------------------- د.صالح العطوان الحيالي - العراق -7.10.2018
السبيل (الجمع: أَسْبِلَة، سُبُل) وتسمى أيضا السبيلخانه/السبيل خانه هو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة، كان المسلمون في العصور الوسطى يعدون السبيل أعظم ما يثاب عليه المرء من أعمال البر عملاً بالحديث الشريف عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " سَقْيُ الْمَاءِ " فَتِلْكَ سِقَأيَةُ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ وكانت السبيل تبنى ملحقة بمبان أخرى مثل المساجد أو المدارس أو الخانقاوات ثم غدت مستقلة بعد ذلك ويلحق بها أحياناً بناء لتحفيظ القرآن الكريم .
الأسبلة في العصور الوسطى
كان الاهتمام ببناء الأسبلة عادة قديمة عند كل الملوك والسلاطين منذ القدم ، ولكن عند المسلمين أخذت طابعاً مميزاً بحيث سارع أهل الخير والأغنياء للتنافس فيما بينهم لعمل الخير وذلك النوع من المنشآت يعتبر فعلاً من أعمال الخير، ولذلك سارع السلاطين والأمراء والحكام على إنشاء الأسبلة في الأزقة والطرقات وفي الأماكن العامة حتى يعم الخير ، وبذلك ينالون الأجر والثواب ، ونظراً لأهمية ودور تلك المنشآت المعمارية في الحياة العامة فنادراً ما نجد مدينة إسلامية تخلوا من سبيل أو عدة أسبله . ، وتعتبر الأسبلة من المنشآت الاجتماعية غير الخاصة بالمسافرين والتجار ، وكان الغرض منها تيسير الحصول على ماء الشرب ، وهي من المنشئات والأعمال الخيرية الجاري ثوابها ، وقد انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية وبلاد العرب ومكة والمدينة ومصر ودمشق ، وقد يبنون بجوارها بيوتاً تأوي إليها المارة وعابري السبيل ، وأول بناء للأسبلة في مصر في العصر المملوكي كان ابتداء من القرن السادس الهجري – الثاني عشر الميلادي وكان معظمها من أعمال الأمراء والسلاطين ونسائهم كأنها كفارة عن الذنوب والآثام كما بنى الأغنياء تلك الأسبلة صدقة جارية لأنفسهم أو لأبنائهم أو لأحد أقاربهم المتوفين وتحتها صهريج ملئ بالماء تستخدم للشرب ، وكان يسمح للمارة من كل الجنسيات والملل من المسيحيين واليهود والأجانب كذلك باستعمالها ولا ينقطع الماء عنها أبداً
(الأسبلة) السقاية نموذج رائع من نماذج الحضارة الاسلامية
----------------------- د.صالح العطوان الحيالي 7.10.2017
للماء قداسة ومكانة في الأديان السماوية، خاصة في الحضارة الإسلامية، فمن أشرف وأنبل الأعمال وأكثرها تقرباً من الله هي توفير الماء للمقيمين أو عابري السبيل. لم يسبق لحضارة من الحضارات الإنسانية، أن تركت لنا مآثر لها في تكريم الإنسان والحيوان، كتكريم الحضارة الإسلامية للإنسان ورفيق دربه على الأرض الحيوان، والموضوع المعني الحديث عنه هو الإنفاق الخيري في المجتمعات الإسلامية، فمن أهم هذه الوجوه في الإنفاق، ما عرف بالصدقة الجارية لصاحب الوقف، فالوجوب في الصدقات الجارية من الأفعال الخيرية متعددة، وقد كان منها وقف الأسبلة، فما هي هذه الأسبلة؟ وما غرضها في المجتمع المدني المسلم والإنساني أيضاً؟
تعد المنشآت المائية من العمائر التي لها صلة مباشرة بالعمائر الدينية لكونها كانت تبنى من قبل القادرين من الناس ابتغاء وجه الله و كسبا لثوابه و طمعا في مغفرته سبحانه.و الاسلام دين الطهارة، و تعتمد شعائره على الماء بشكل أساسي ، و لذا حرص المسلمون على بناء هذه المنشآت التي بقيت منها نماذج رائعة في الآثار الاسلامية ، من أهمها الأسبلة و الحمامات، و الآبار و القناطر و السقايات و أحواض الدواب و برك تخزين المياه ، و غيرها الكثير مما يشهد على عظمة المسلمين و محبتهم للانفاق في وجوه البر و العمال التي تنفع الناس
للماء قداسة ومكانة في الأديان السماوية، خاصة في الحضارة الإسلامية، فمن أشرف وأنبل الأعمال وأكثرها تقرباً من الله هي توفير الماء للمقيمين أو عابري السبيل. لم يسبق لحضارة من الحضارات الإنسانية، أن تركت لنا مآثر لها في تكريم الإنسان والحيوان، كتكريم الحضارة الإسلامية للإنسان ورفيق دربه على الأرض الحيوان، والموضوع المعني الحديث عنه هو الإنفاق الخيري في المجتمعات الإسلامية، فمن أهم هذه الوجوه في الإنفاق، ما عرف بالصدقة الجارية لصاحب الوقف، فالوجوب في الصدقات الجارية من الأفعال الخيرية متعددة، وقد كان منها وقف الأسبلة، فما هي هذه الأسبلة؟ وما غرضها في المجتمع المدني المسلم والإنساني أيضاً؟
الأسبلة:
ـــــــــ عُرفت السقاية قبل الإسلام؛ حيث كانت قريشٌ تهتم بسقاية حجَّاج بيت الله الحرام، وتنافست القبائل على شرف تقديم السقاية للحُجاج حتى استقر الأمر لبني هاشم، ثم صار الماء يُقدَّم بأساليب وطرُق مختلفة للعَطشى، وأهمُّ هذه الأساليب في العصر الإسلامي كانت (الأسبلة).والاسبلة جمع لكلمة سبيل، والسبيل في العرف القائم اليوم وقبل اليوم، هو منشأة مائية قد أقامها أحد المحسنين من المسلمين، بقصد الأجر والثواب عند الله، والأسبلة لعبت دوراً عظيماً في تاريخ الإسلام ودوله، فهي تقدم لابن الراحلة -المسافر- أعظم الخدمات، ولابن البلد من الفقراء توفر له ما يحتاجه من الماء، والأمر في هذا إنما هو قائم على شعور الغني المسلم بحق أخيه المسلم الفقير فيما له عليه من حق في مال الله الذي منحه إياه ورزقه به.
والسبيل الواحد يكلف الأموال الكثيرة والطائلة، لأنه يتكون من بناء ضخم، قاعدته الأولى صهريج مائي تحت الأرض، يتسع لمخزون مائي يمون السبيل لمدة سنة تقريباً في حالة انقطاع الماء، وبعد الصهريج تأتي حجرة التسبيل وملحقاتها (الشاذوران) وهو بلاط رخامي يمر عليه الماء ليتبرد، ومن الشاذوران هذا يخرج الماء إلى فتحات النوافذ، حيث توجد صنابير المياه المصنوعة من أنابيب رصاصية.
وهذه الظاهرة اليوم نجدها بجوار العديد من البيوت في مجتمعاتنا الإسلامية، حيث تخدم ابن السبيل وصاحب الحاجة إلى الماء، ومنه ما يعرف اليوم بالمبردات التي تحمل أسماء أصحابها.
تاريخها:
ــــــــــ يعود تاريخ ظهور الأسبلة في المجتمعات الإسلامية بشكلها المعروف إلى العهود الأيوبية والمملوكية، وقد ازدادت في العهد العثماني بشكل كبير، وحتى يكتب لهذا السبيل الديمومة، يذهب صاحب السبيل فيجعل له وقفاً من البساتين والأملاك، لتوفر له حاجاته من الأموال لإنفاقها على من يقوم بخدمته من العاملين فيه، وغير ذلك مما يحتاجه السبيل من نفقات.
ويوجد في القاهرة اليوم أكثر من ثلاثمائة سبيل عثماني ومملوكي، يظهر فيها جمالية الفن المعماري، وكذلك في القدس وفي دمشق وحلب واستنبول، بل العديد من مدن وحواضر العالم الإسلامي.
ويعتبر أول صاحب سبيل في الإسلام هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عندما اشترى بطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر رومة في المدينة المنورة، فاشتراه من صاحبه اليهودي وأوقفه لسقاية المسلمين بعد أن كان اليهودي يأخذ مبالغ طائلة من المسلمين ثمناً للمياه التي يأخذونها من البئر، وكان المسلمون يومها أهل فاقة. وتعد السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد ممن حفظ التاريخ اسمها، في شقها لقناتها المعروفة لخدمة حجيج بيت الله ولا زالت آثار هذه القناة موجودة في منى وعرفات إلى اليوم.
وقد قدمت الحضارة الإسلامية في أسمى وجه من وجوهها المتعددة قضية رعاية الحيوان والرفق فيه، فأرض ما بين النهرين في مدينة دمشق، وهي المعروفة اليوم بأرض المعرض - معرض دمشق الدولي سابقاً - هي أرض وقف جعلت للحيوانات الهرمة والمريضة والسائبة، فهذا هو الإسلام في إنسانيته وفي حضارته وسمو قيمه وفضائله الكريمة على جميع الحضارات الإنسانية، فالحضارة الإسلامية هي عطاء رسالة الإسلام، عطاء رسالة السماء إلى الأرض.
قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾ [الإنسان: 21].
عُرفت السقاية قبل الإسلام؛ حيث كانت قريشٌ تهتم بسقاية حجَّاج بيت الله الحرام، وتنافست القبائل على شرف تقديم السقاية للحُجاج حتى استقر الأمر لبني هاشم، ثم صار الماء يُقدَّم بأساليب وطرُق مختلفة للعَطشى، وأهمُّ هذه الأساليب في العصر الإسلامي كانت (الأسبلة).
والسبيل
-------- هو مُنشأة خيريَّة إسلامية لسقاية المارة كصدَقة جارية، وكان أثرياء المسلمين يَبنون الأسبلة تقرُّبًا إلى الله، وأملاً في ثواب الآخِرة؛ وذلك بتوفير الماء للسقاية والشرب، ولا سيما للمارة في الطرقات.
ويُعدُّ المماليك أول مَن شيَّد هذا النوع مِن العمارة الإسلامية كبناء مُستقِلٍّ، أو مُلحَق بمنشأة أخرى.
ويتكون السبيل مِن طابقَين:
الطابق الأول
------------: يكون تحت الأرض، ويُعرَف بالصهريج أو الخزّان، وهو مخصَّص لتخزين المياه، وتختلف مساحته حسب حجم السبيل، وقُدرة المُنشئ المالية، والمساحة المُخصَّصة، ولا يظهر مِن الصهريج سوى فتحة دائرية، ويُطلق عليها: "خرزة الصهريج"، وهي من الرخام أو الحجر، ويتمُّ أخذ الماء منها لتغذية السبيل.
الطابق الثاني
-----------: يكون أعلى سطح الأرض، ويتكون مِن حُجرة التسبيل، وتضمُّ أحواضًا للمياه مفروشة بالرخام لتبريد الماء ليشرب المارة عبر الشبابيك، كما تضم الخرستان الذى يستخدم لحفظ أكواب الشرب.
ويُعد سبيل مدرسة الظاهر بيبرس بالقاهرة، والمؤرَّخ بسنة 660هـ، أقدمَ سبيل في مصر. هذا، وقد تنوعت طرز الأسبلة، وذلك بحسب عدد الشبابيك التي بواجهتها، وغالبًا ما يعلو السبيل كُتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال.
اشتهرت الأسبلة في العصور الماضية، وتحديداً في العصر المملوكي والعثماني، فكان يوجد في كل شارع سبيل أو أكثر، لمد الفقراء من أهل المنطقة بالماء، نظراً لعدم قدرتهم على دفع الأموال لـ"السقا" الذي يوصل الماء إلى المنازل، وري عطش عابري السبيل.
وهناك سبب آخر لبناء السبيل، وهو رغبة البعض في تخليد ذكراهم سواء كانوا من الحكام أو الوزراء أو الوجهاء، لذلك كانوا يطلقون أسماءهم على تلك الأسبلة.
فالأسبلة لم تكن مجرد بناء خيري، فكل سبيل تم بناؤه سواء في العصر المملوكى أو العثماني، يوجد وراءه حكاية وقصة، كما أنه شاهد على تاريخ مضى، وأصبح في الكتب فقط، ولم يبقَ منه بين الناس إلا اسم السبيل فقط، فإذا سألت أي شخص ما هذا البناء سوف يقول: "سبيل فلان الفلاني".
نماذج من الاسبلة
سبيل أم عباس
ــــــــــــــــــ من أشهر وأجمل أسبلة القاهرة، يوجد في شارع الصليبة، وتم بناؤه على الطراز العثماني عام 1867م، ويمتاز بأن أرضه مفروشة بالرخام، وسقفه منقوش بالذهبية، وشبابيكه من النحاس الأصفر، تتخللها دوائر عليها آيات قرآنية. أمرت بإنشائه الأميرة "بنبا قادن" والدة خديو مصر "عباس حلمي الأول"، بعد 13 سنة، ترحماً على روحه، ونيلاً لدعوات "العطاش" لابنها الذى قُتل في قصره ببنها، عام 1854م، ويعد أحد آخر سبيلين تم بناؤهما فى القاهرة.ويمتاز سبيل أم عباس بأنه مزيج بين الطراز المعماري العثماني والأوروبي، بالإضافة إلى حجرة السبيل ثمانية الأضلاع، والتى تعلوها قبة مثمنة، ويرجع الفضل في ذلك التصميم إلى مهندس تركي استعانت به "بنبا قادن"، وكسيَت الواجهة كلها بالرخام الأبيض، وزينت بزخارف نباتية من الطراز الأوروبي"الباروك والركوكو"، بالإضافة إلى كتابة دقيقة بخط النسخ لآيات القرآن في أعلى السبيل بيد "عبد الله زهدي".
سبيل عبد الرحمن كتخدا
ـــــــــــــــــــــــــــ يقع في مفترق طرق شارع المعز، وتحديداً في حيّ بين القصرين، يستقبل السبيل القادمين من ناحية جامع الأقمر الفاطمي، والذى أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا، عام 1744م، أحد الشخصيات الهامة وقت حُكم "علي بك الكبير". ويذكر أن"كتخدا" كان مُهتما بالحركة المعمارية، لذلك شيد 18 مسجداً، بالإضافة إلى العديد من الأضرحة والأسبلة، والذى يأتي في مقدمتها هذا السبيل تحديداً، الذى يمتاز بثلاث وجهات مطلة على الطريق، وكل واجهة من الثلاث لها فتحات عقودها من الرخام الملون، عليها شبابيك من النحاس الجميل، ويعلو السبيل كُتاب تحيطه مظلات خشبية وحواجز من الخشب المشغول الجميل، وقد نقشت على الحواجز الخشبية كتابات بها اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء.
سبيل السلطان مصطفي الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــ في حي السيدة زينب، شيد السلطان مصطفي خان الثالث بن السلطان أحمد الثالث، سبيلاً على الطراز العثماني ذي الواجهة المقوسة، عام 1758م.
وتبرز في السبيل روعة فن العمارة العثمانية، تحديداً في الزخرفة التي على واجهة السبيل، ونمط القضبان المذهبة للشبابيك، وكسوة الجدران الداخلية، والمدخل المصنوع من البرونز الصلب، بالإضافة إلى اللوحات الخطية، التي تزين أعلى السبيل، والمنقوش عليها أبيات الشعر فى سبعة قصائد، وهي ترجع إلى شاعر مجهول وكلماتها توضح أهمية المياه وتمدح السيبل ومؤسسه، ويُعرف هذا الأمر في عهد الدولة العثمانية.
أما عن القصائد السبع المكتوبة باللغة التركية العثمانية، فهذه أبيات منها:
يخيل للشارب أنه مياه الزنجبيل .. جعل عذوبة مذاقه تماثل مياه السلسبيل
إضاءة القمر وغيرته فى لمعان هذا الطبق الفضي .. مياه تبعث النشوة والخجل فى ينبوع ممهري
سبيل محمد على
ـــــــــــــــــــــ أمام مسجد الناصر محمد بن قلاوون ومدرسة الظاهر برقوق بشارع المعز لدين الله الفاطمي، شيد محمد على باشا سبيلاً على روح ابنه إسماعيل باشا، والذى قتل خلال حروب الحبشة في السودان، عام 1822م. في عام 1828م، تم بناء السبيل، المكسوة واجهته بالرخام المحلى بنقوش وكتابات جميلة، وواجهته مكونة من أربعة أضلاع يغطي كل منها شباك نحاسي مصبوب، بالإضافة إلى النقوش النباتية والآيات القرآنية، ويغلب عليه التأثر بالفن العثماني والأوروبي، خصوصاً في التصميم الداخلي للسبيل. وفي داخل السبيل، كان الماء يُحفظ في صهريج ضخم تحت الأرض، عُمقه 9 أمتار، ويتسع لـ 455 ألف لتر من الماء، وكانت تُبطن جدرانه بمواد لا تسمح بنفاذ الماء، حتى تظل المياه صالحة للاستخدام أطول فترة مُمكنة.
سبيل خسرو باشا
ـــــــــــــــــــــــ أقدم سبيل عثماني عرفته مصر، يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي، أمام مجموعة قلاوون، شيده خسرو باشا، عام1535م.
ويغلب على هذا السبيل الطراز المملوكي، فهو يتكون من حجرة مستطيلة بها شباك تسبيل، الأول يطل على شارع المعز في الجهة الجنوبية الغربية، والآخر يطل على الجهة الشمالية الشرقية، حيث إيوان المدرسة الصالحية، الوجهتان بهما زخارف، ويعلوه كُتاب منسجم الشكل حليت أعتاب شبابيكه بالرخام، وأرضيته من الرخام، وسقفه منقوش بالذهب والألوان.
ومنقوش في شريط كتابي أعلى السبيل: "أمر بإنشاء هذا السبيل المبرور اغتنام الثواب والأجور في أيام مولانا الإمام الشريف ظل الله الوريف أفخنكار الأعظم مالك رقاب الأمم، ملك ملوك العرب والعجم، السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد حامد بن عثمان خلد الله ملكه وسلطانه وأدام أيامه. منشئ هذا السبيل مولانا الباشا الأعظم والكافل المفخم مدبر مصالح الأمم ناظم مناظم العالم خسرو باشا كافل الديار المصرية والأقطار الحجازية، غفر الله له ولمن دعا له بالمغفرة بمحمد وآله وكان الفراغ من ذلك في شهر جمادى الآخرة سنة اثنان وأربعين وتسعمائة من الهجرة النبوية".
سبيل نفيسة البيضا
ــــــــــــــــــــــــ أمام مسجد المؤيد شيخ وبجوار باب زويلة، أنشأت السيدة "نفيسة خاتون" معتوقة الأمير على بك الكبير وزوجة الأمير مراد بك، هذا السبيل والكتاب الذى يعلوه، سنة 1796م.
ويمتاز بواجهة نصف دائرية، ويطل على الشارع بثلاثة شبابيك معقودة ومشغولة بزخارف نباتية معدنية، ويختلف هذا السبيل في أن صهريجه لا يوجد أسفله وإنما أسفل مبنى مجاور له.
ونقشت على واجهة السبيل أبيات شعر تمتدح فضائل تلك السيدة، تقول كلماتها:
"سبيلُ سعادةٍ ومرادٌ عزٍ وإقبال لمحسنة رئيسة
يُسرُك منظرٌ وصنع بديع وتَعجبُ من محاسنِه الأنيسة
جري سلساله عذبٌ فرات فكم أحيت به مهجاً بئيسة
نؤرخه سبيل هدى وحسُنَ لوجه الله ما صنعت نفيسة".
سبيل السلطان قايتباي
ــــــــــــــــــــــــــــ في شارع شيخون بالقرب من ميدان صلاح الدين بالقلعة، يوجد سبيل من أجمل وأروع الأسبلة المملوكية، وهو سبيل السلطان "قايتباي"، سنة 1479م.
ويميزه الجمع بين المهابة حيث ضخامة البناء، وجمال الفن الواضح في تنوع وتناغم الزخارف، ويعلو السبيل كُتاب لتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم.
ويعلو شباك السبيل، لوحة كبيرة مربعة من الرخام والحجر الملون مقسمة إلى تسعة أقسام موزعة على ثلاثة مستويات، تحتوي على زخارف نباتية وهندسية محفورة في الحجر والرخام. وهذه الزخارف غير شائعة في المباني المملوكية، وتشبه زخارف أغلفة المخطوطات.
سبيل أم محمد على الصغير
ــــــــــــــــــــــــــــــــ خلف مسجد الفتح بميدان رمسيس بالقاهرة، يقع سبيل وكُتاب "أم محمد علي الصغير" الذي أمرت ببنائه السيدة "زيبا قادرين" سنة 1867م، صدقة على روح ابنها محمد علي، ابن محمد علي باشا والي مصر.وواجهة السبيل عبارة عن نصف دائرة مليئة بالنقوش واللوحات الرخامية والنحاسية، ويعلوه كُتاب، كما نقش عليه دعاء لمحمد علي الصغير: "اللهم يا ربنا ألهم روح محمد علي، الرشاد والسداد واقبل منه كل أعمال الخير التي قام بها وعجل له بموفور الجزاء الأوفى
" د. صالح العطوان الحيالي"
----------------------- د.صالح العطوان الحيالي - العراق -7.10.2018
السبيل (الجمع: أَسْبِلَة، سُبُل) وتسمى أيضا السبيلخانه/السبيل خانه هو وقف لسقي الماء لعابري السبيل والمارة، كان المسلمون في العصور الوسطى يعدون السبيل أعظم ما يثاب عليه المرء من أعمال البر عملاً بالحديث الشريف عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " سَقْيُ الْمَاءِ " فَتِلْكَ سِقَأيَةُ سَعْدٍ بِالْمَدِينَةِ وكانت السبيل تبنى ملحقة بمبان أخرى مثل المساجد أو المدارس أو الخانقاوات ثم غدت مستقلة بعد ذلك ويلحق بها أحياناً بناء لتحفيظ القرآن الكريم .
الأسبلة في العصور الوسطى
كان الاهتمام ببناء الأسبلة عادة قديمة عند كل الملوك والسلاطين منذ القدم ، ولكن عند المسلمين أخذت طابعاً مميزاً بحيث سارع أهل الخير والأغنياء للتنافس فيما بينهم لعمل الخير وذلك النوع من المنشآت يعتبر فعلاً من أعمال الخير، ولذلك سارع السلاطين والأمراء والحكام على إنشاء الأسبلة في الأزقة والطرقات وفي الأماكن العامة حتى يعم الخير ، وبذلك ينالون الأجر والثواب ، ونظراً لأهمية ودور تلك المنشآت المعمارية في الحياة العامة فنادراً ما نجد مدينة إسلامية تخلوا من سبيل أو عدة أسبله . ، وتعتبر الأسبلة من المنشآت الاجتماعية غير الخاصة بالمسافرين والتجار ، وكان الغرض منها تيسير الحصول على ماء الشرب ، وهي من المنشئات والأعمال الخيرية الجاري ثوابها ، وقد انتشرت في الأقطار العربية والإسلامية وبلاد العرب ومكة والمدينة ومصر ودمشق ، وقد يبنون بجوارها بيوتاً تأوي إليها المارة وعابري السبيل ، وأول بناء للأسبلة في مصر في العصر المملوكي كان ابتداء من القرن السادس الهجري – الثاني عشر الميلادي وكان معظمها من أعمال الأمراء والسلاطين ونسائهم كأنها كفارة عن الذنوب والآثام كما بنى الأغنياء تلك الأسبلة صدقة جارية لأنفسهم أو لأبنائهم أو لأحد أقاربهم المتوفين وتحتها صهريج ملئ بالماء تستخدم للشرب ، وكان يسمح للمارة من كل الجنسيات والملل من المسيحيين واليهود والأجانب كذلك باستعمالها ولا ينقطع الماء عنها أبداً
(الأسبلة) السقاية نموذج رائع من نماذج الحضارة الاسلامية
----------------------- د.صالح العطوان الحيالي 7.10.2017
للماء قداسة ومكانة في الأديان السماوية، خاصة في الحضارة الإسلامية، فمن أشرف وأنبل الأعمال وأكثرها تقرباً من الله هي توفير الماء للمقيمين أو عابري السبيل. لم يسبق لحضارة من الحضارات الإنسانية، أن تركت لنا مآثر لها في تكريم الإنسان والحيوان، كتكريم الحضارة الإسلامية للإنسان ورفيق دربه على الأرض الحيوان، والموضوع المعني الحديث عنه هو الإنفاق الخيري في المجتمعات الإسلامية، فمن أهم هذه الوجوه في الإنفاق، ما عرف بالصدقة الجارية لصاحب الوقف، فالوجوب في الصدقات الجارية من الأفعال الخيرية متعددة، وقد كان منها وقف الأسبلة، فما هي هذه الأسبلة؟ وما غرضها في المجتمع المدني المسلم والإنساني أيضاً؟
تعد المنشآت المائية من العمائر التي لها صلة مباشرة بالعمائر الدينية لكونها كانت تبنى من قبل القادرين من الناس ابتغاء وجه الله و كسبا لثوابه و طمعا في مغفرته سبحانه.و الاسلام دين الطهارة، و تعتمد شعائره على الماء بشكل أساسي ، و لذا حرص المسلمون على بناء هذه المنشآت التي بقيت منها نماذج رائعة في الآثار الاسلامية ، من أهمها الأسبلة و الحمامات، و الآبار و القناطر و السقايات و أحواض الدواب و برك تخزين المياه ، و غيرها الكثير مما يشهد على عظمة المسلمين و محبتهم للانفاق في وجوه البر و العمال التي تنفع الناس
للماء قداسة ومكانة في الأديان السماوية، خاصة في الحضارة الإسلامية، فمن أشرف وأنبل الأعمال وأكثرها تقرباً من الله هي توفير الماء للمقيمين أو عابري السبيل. لم يسبق لحضارة من الحضارات الإنسانية، أن تركت لنا مآثر لها في تكريم الإنسان والحيوان، كتكريم الحضارة الإسلامية للإنسان ورفيق دربه على الأرض الحيوان، والموضوع المعني الحديث عنه هو الإنفاق الخيري في المجتمعات الإسلامية، فمن أهم هذه الوجوه في الإنفاق، ما عرف بالصدقة الجارية لصاحب الوقف، فالوجوب في الصدقات الجارية من الأفعال الخيرية متعددة، وقد كان منها وقف الأسبلة، فما هي هذه الأسبلة؟ وما غرضها في المجتمع المدني المسلم والإنساني أيضاً؟
الأسبلة:
ـــــــــ عُرفت السقاية قبل الإسلام؛ حيث كانت قريشٌ تهتم بسقاية حجَّاج بيت الله الحرام، وتنافست القبائل على شرف تقديم السقاية للحُجاج حتى استقر الأمر لبني هاشم، ثم صار الماء يُقدَّم بأساليب وطرُق مختلفة للعَطشى، وأهمُّ هذه الأساليب في العصر الإسلامي كانت (الأسبلة).والاسبلة جمع لكلمة سبيل، والسبيل في العرف القائم اليوم وقبل اليوم، هو منشأة مائية قد أقامها أحد المحسنين من المسلمين، بقصد الأجر والثواب عند الله، والأسبلة لعبت دوراً عظيماً في تاريخ الإسلام ودوله، فهي تقدم لابن الراحلة -المسافر- أعظم الخدمات، ولابن البلد من الفقراء توفر له ما يحتاجه من الماء، والأمر في هذا إنما هو قائم على شعور الغني المسلم بحق أخيه المسلم الفقير فيما له عليه من حق في مال الله الذي منحه إياه ورزقه به.
والسبيل الواحد يكلف الأموال الكثيرة والطائلة، لأنه يتكون من بناء ضخم، قاعدته الأولى صهريج مائي تحت الأرض، يتسع لمخزون مائي يمون السبيل لمدة سنة تقريباً في حالة انقطاع الماء، وبعد الصهريج تأتي حجرة التسبيل وملحقاتها (الشاذوران) وهو بلاط رخامي يمر عليه الماء ليتبرد، ومن الشاذوران هذا يخرج الماء إلى فتحات النوافذ، حيث توجد صنابير المياه المصنوعة من أنابيب رصاصية.
وهذه الظاهرة اليوم نجدها بجوار العديد من البيوت في مجتمعاتنا الإسلامية، حيث تخدم ابن السبيل وصاحب الحاجة إلى الماء، ومنه ما يعرف اليوم بالمبردات التي تحمل أسماء أصحابها.
تاريخها:
ــــــــــ يعود تاريخ ظهور الأسبلة في المجتمعات الإسلامية بشكلها المعروف إلى العهود الأيوبية والمملوكية، وقد ازدادت في العهد العثماني بشكل كبير، وحتى يكتب لهذا السبيل الديمومة، يذهب صاحب السبيل فيجعل له وقفاً من البساتين والأملاك، لتوفر له حاجاته من الأموال لإنفاقها على من يقوم بخدمته من العاملين فيه، وغير ذلك مما يحتاجه السبيل من نفقات.
ويوجد في القاهرة اليوم أكثر من ثلاثمائة سبيل عثماني ومملوكي، يظهر فيها جمالية الفن المعماري، وكذلك في القدس وفي دمشق وحلب واستنبول، بل العديد من مدن وحواضر العالم الإسلامي.
ويعتبر أول صاحب سبيل في الإسلام هو عثمان بن عفان - رضي الله عنه - عندما اشترى بطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بئر رومة في المدينة المنورة، فاشتراه من صاحبه اليهودي وأوقفه لسقاية المسلمين بعد أن كان اليهودي يأخذ مبالغ طائلة من المسلمين ثمناً للمياه التي يأخذونها من البئر، وكان المسلمون يومها أهل فاقة. وتعد السيدة زبيدة زوجة هارون الرشيد ممن حفظ التاريخ اسمها، في شقها لقناتها المعروفة لخدمة حجيج بيت الله ولا زالت آثار هذه القناة موجودة في منى وعرفات إلى اليوم.
وقد قدمت الحضارة الإسلامية في أسمى وجه من وجوهها المتعددة قضية رعاية الحيوان والرفق فيه، فأرض ما بين النهرين في مدينة دمشق، وهي المعروفة اليوم بأرض المعرض - معرض دمشق الدولي سابقاً - هي أرض وقف جعلت للحيوانات الهرمة والمريضة والسائبة، فهذا هو الإسلام في إنسانيته وفي حضارته وسمو قيمه وفضائله الكريمة على جميع الحضارات الإنسانية، فالحضارة الإسلامية هي عطاء رسالة الإسلام، عطاء رسالة السماء إلى الأرض.
قال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا ﴾ [الإنسان: 21].
عُرفت السقاية قبل الإسلام؛ حيث كانت قريشٌ تهتم بسقاية حجَّاج بيت الله الحرام، وتنافست القبائل على شرف تقديم السقاية للحُجاج حتى استقر الأمر لبني هاشم، ثم صار الماء يُقدَّم بأساليب وطرُق مختلفة للعَطشى، وأهمُّ هذه الأساليب في العصر الإسلامي كانت (الأسبلة).
والسبيل
-------- هو مُنشأة خيريَّة إسلامية لسقاية المارة كصدَقة جارية، وكان أثرياء المسلمين يَبنون الأسبلة تقرُّبًا إلى الله، وأملاً في ثواب الآخِرة؛ وذلك بتوفير الماء للسقاية والشرب، ولا سيما للمارة في الطرقات.
ويُعدُّ المماليك أول مَن شيَّد هذا النوع مِن العمارة الإسلامية كبناء مُستقِلٍّ، أو مُلحَق بمنشأة أخرى.
ويتكون السبيل مِن طابقَين:
الطابق الأول
------------: يكون تحت الأرض، ويُعرَف بالصهريج أو الخزّان، وهو مخصَّص لتخزين المياه، وتختلف مساحته حسب حجم السبيل، وقُدرة المُنشئ المالية، والمساحة المُخصَّصة، ولا يظهر مِن الصهريج سوى فتحة دائرية، ويُطلق عليها: "خرزة الصهريج"، وهي من الرخام أو الحجر، ويتمُّ أخذ الماء منها لتغذية السبيل.
الطابق الثاني
-----------: يكون أعلى سطح الأرض، ويتكون مِن حُجرة التسبيل، وتضمُّ أحواضًا للمياه مفروشة بالرخام لتبريد الماء ليشرب المارة عبر الشبابيك، كما تضم الخرستان الذى يستخدم لحفظ أكواب الشرب.
ويُعد سبيل مدرسة الظاهر بيبرس بالقاهرة، والمؤرَّخ بسنة 660هـ، أقدمَ سبيل في مصر. هذا، وقد تنوعت طرز الأسبلة، وذلك بحسب عدد الشبابيك التي بواجهتها، وغالبًا ما يعلو السبيل كُتَّاب لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال.
اشتهرت الأسبلة في العصور الماضية، وتحديداً في العصر المملوكي والعثماني، فكان يوجد في كل شارع سبيل أو أكثر، لمد الفقراء من أهل المنطقة بالماء، نظراً لعدم قدرتهم على دفع الأموال لـ"السقا" الذي يوصل الماء إلى المنازل، وري عطش عابري السبيل.
وهناك سبب آخر لبناء السبيل، وهو رغبة البعض في تخليد ذكراهم سواء كانوا من الحكام أو الوزراء أو الوجهاء، لذلك كانوا يطلقون أسماءهم على تلك الأسبلة.
فالأسبلة لم تكن مجرد بناء خيري، فكل سبيل تم بناؤه سواء في العصر المملوكى أو العثماني، يوجد وراءه حكاية وقصة، كما أنه شاهد على تاريخ مضى، وأصبح في الكتب فقط، ولم يبقَ منه بين الناس إلا اسم السبيل فقط، فإذا سألت أي شخص ما هذا البناء سوف يقول: "سبيل فلان الفلاني".
نماذج من الاسبلة
سبيل أم عباس
ــــــــــــــــــ من أشهر وأجمل أسبلة القاهرة، يوجد في شارع الصليبة، وتم بناؤه على الطراز العثماني عام 1867م، ويمتاز بأن أرضه مفروشة بالرخام، وسقفه منقوش بالذهبية، وشبابيكه من النحاس الأصفر، تتخللها دوائر عليها آيات قرآنية. أمرت بإنشائه الأميرة "بنبا قادن" والدة خديو مصر "عباس حلمي الأول"، بعد 13 سنة، ترحماً على روحه، ونيلاً لدعوات "العطاش" لابنها الذى قُتل في قصره ببنها، عام 1854م، ويعد أحد آخر سبيلين تم بناؤهما فى القاهرة.ويمتاز سبيل أم عباس بأنه مزيج بين الطراز المعماري العثماني والأوروبي، بالإضافة إلى حجرة السبيل ثمانية الأضلاع، والتى تعلوها قبة مثمنة، ويرجع الفضل في ذلك التصميم إلى مهندس تركي استعانت به "بنبا قادن"، وكسيَت الواجهة كلها بالرخام الأبيض، وزينت بزخارف نباتية من الطراز الأوروبي"الباروك والركوكو"، بالإضافة إلى كتابة دقيقة بخط النسخ لآيات القرآن في أعلى السبيل بيد "عبد الله زهدي".
سبيل عبد الرحمن كتخدا
ـــــــــــــــــــــــــــ يقع في مفترق طرق شارع المعز، وتحديداً في حيّ بين القصرين، يستقبل السبيل القادمين من ناحية جامع الأقمر الفاطمي، والذى أنشأه الأمير عبد الرحمن كتخدا، عام 1744م، أحد الشخصيات الهامة وقت حُكم "علي بك الكبير". ويذكر أن"كتخدا" كان مُهتما بالحركة المعمارية، لذلك شيد 18 مسجداً، بالإضافة إلى العديد من الأضرحة والأسبلة، والذى يأتي في مقدمتها هذا السبيل تحديداً، الذى يمتاز بثلاث وجهات مطلة على الطريق، وكل واجهة من الثلاث لها فتحات عقودها من الرخام الملون، عليها شبابيك من النحاس الجميل، ويعلو السبيل كُتاب تحيطه مظلات خشبية وحواجز من الخشب المشغول الجميل، وقد نقشت على الحواجز الخشبية كتابات بها اسم المنشئ وتاريخ الإنشاء.
سبيل السلطان مصطفي الثالث
ــــــــــــــــــــــــــــــ في حي السيدة زينب، شيد السلطان مصطفي خان الثالث بن السلطان أحمد الثالث، سبيلاً على الطراز العثماني ذي الواجهة المقوسة، عام 1758م.
وتبرز في السبيل روعة فن العمارة العثمانية، تحديداً في الزخرفة التي على واجهة السبيل، ونمط القضبان المذهبة للشبابيك، وكسوة الجدران الداخلية، والمدخل المصنوع من البرونز الصلب، بالإضافة إلى اللوحات الخطية، التي تزين أعلى السبيل، والمنقوش عليها أبيات الشعر فى سبعة قصائد، وهي ترجع إلى شاعر مجهول وكلماتها توضح أهمية المياه وتمدح السيبل ومؤسسه، ويُعرف هذا الأمر في عهد الدولة العثمانية.
أما عن القصائد السبع المكتوبة باللغة التركية العثمانية، فهذه أبيات منها:
يخيل للشارب أنه مياه الزنجبيل .. جعل عذوبة مذاقه تماثل مياه السلسبيل
إضاءة القمر وغيرته فى لمعان هذا الطبق الفضي .. مياه تبعث النشوة والخجل فى ينبوع ممهري
سبيل محمد على
ـــــــــــــــــــــ أمام مسجد الناصر محمد بن قلاوون ومدرسة الظاهر برقوق بشارع المعز لدين الله الفاطمي، شيد محمد على باشا سبيلاً على روح ابنه إسماعيل باشا، والذى قتل خلال حروب الحبشة في السودان، عام 1822م. في عام 1828م، تم بناء السبيل، المكسوة واجهته بالرخام المحلى بنقوش وكتابات جميلة، وواجهته مكونة من أربعة أضلاع يغطي كل منها شباك نحاسي مصبوب، بالإضافة إلى النقوش النباتية والآيات القرآنية، ويغلب عليه التأثر بالفن العثماني والأوروبي، خصوصاً في التصميم الداخلي للسبيل. وفي داخل السبيل، كان الماء يُحفظ في صهريج ضخم تحت الأرض، عُمقه 9 أمتار، ويتسع لـ 455 ألف لتر من الماء، وكانت تُبطن جدرانه بمواد لا تسمح بنفاذ الماء، حتى تظل المياه صالحة للاستخدام أطول فترة مُمكنة.
سبيل خسرو باشا
ـــــــــــــــــــــــ أقدم سبيل عثماني عرفته مصر، يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي، أمام مجموعة قلاوون، شيده خسرو باشا، عام1535م.
ويغلب على هذا السبيل الطراز المملوكي، فهو يتكون من حجرة مستطيلة بها شباك تسبيل، الأول يطل على شارع المعز في الجهة الجنوبية الغربية، والآخر يطل على الجهة الشمالية الشرقية، حيث إيوان المدرسة الصالحية، الوجهتان بهما زخارف، ويعلوه كُتاب منسجم الشكل حليت أعتاب شبابيكه بالرخام، وأرضيته من الرخام، وسقفه منقوش بالذهب والألوان.
ومنقوش في شريط كتابي أعلى السبيل: "أمر بإنشاء هذا السبيل المبرور اغتنام الثواب والأجور في أيام مولانا الإمام الشريف ظل الله الوريف أفخنكار الأعظم مالك رقاب الأمم، ملك ملوك العرب والعجم، السلطان سليمان خان بن السلطان سليم خان بن السلطان بايزيد حامد بن عثمان خلد الله ملكه وسلطانه وأدام أيامه. منشئ هذا السبيل مولانا الباشا الأعظم والكافل المفخم مدبر مصالح الأمم ناظم مناظم العالم خسرو باشا كافل الديار المصرية والأقطار الحجازية، غفر الله له ولمن دعا له بالمغفرة بمحمد وآله وكان الفراغ من ذلك في شهر جمادى الآخرة سنة اثنان وأربعين وتسعمائة من الهجرة النبوية".
سبيل نفيسة البيضا
ــــــــــــــــــــــــ أمام مسجد المؤيد شيخ وبجوار باب زويلة، أنشأت السيدة "نفيسة خاتون" معتوقة الأمير على بك الكبير وزوجة الأمير مراد بك، هذا السبيل والكتاب الذى يعلوه، سنة 1796م.
ويمتاز بواجهة نصف دائرية، ويطل على الشارع بثلاثة شبابيك معقودة ومشغولة بزخارف نباتية معدنية، ويختلف هذا السبيل في أن صهريجه لا يوجد أسفله وإنما أسفل مبنى مجاور له.
ونقشت على واجهة السبيل أبيات شعر تمتدح فضائل تلك السيدة، تقول كلماتها:
"سبيلُ سعادةٍ ومرادٌ عزٍ وإقبال لمحسنة رئيسة
يُسرُك منظرٌ وصنع بديع وتَعجبُ من محاسنِه الأنيسة
جري سلساله عذبٌ فرات فكم أحيت به مهجاً بئيسة
نؤرخه سبيل هدى وحسُنَ لوجه الله ما صنعت نفيسة".
سبيل السلطان قايتباي
ــــــــــــــــــــــــــــ في شارع شيخون بالقرب من ميدان صلاح الدين بالقلعة، يوجد سبيل من أجمل وأروع الأسبلة المملوكية، وهو سبيل السلطان "قايتباي"، سنة 1479م.
ويميزه الجمع بين المهابة حيث ضخامة البناء، وجمال الفن الواضح في تنوع وتناغم الزخارف، ويعلو السبيل كُتاب لتعليم الأطفال وتحفيظهم القرآن الكريم.
ويعلو شباك السبيل، لوحة كبيرة مربعة من الرخام والحجر الملون مقسمة إلى تسعة أقسام موزعة على ثلاثة مستويات، تحتوي على زخارف نباتية وهندسية محفورة في الحجر والرخام. وهذه الزخارف غير شائعة في المباني المملوكية، وتشبه زخارف أغلفة المخطوطات.
سبيل أم محمد على الصغير
ــــــــــــــــــــــــــــــــ خلف مسجد الفتح بميدان رمسيس بالقاهرة، يقع سبيل وكُتاب "أم محمد علي الصغير" الذي أمرت ببنائه السيدة "زيبا قادرين" سنة 1867م، صدقة على روح ابنها محمد علي، ابن محمد علي باشا والي مصر.وواجهة السبيل عبارة عن نصف دائرة مليئة بالنقوش واللوحات الرخامية والنحاسية، ويعلوه كُتاب، كما نقش عليه دعاء لمحمد علي الصغير: "اللهم يا ربنا ألهم روح محمد علي، الرشاد والسداد واقبل منه كل أعمال الخير التي قام بها وعجل له بموفور الجزاء الأوفى
" د. صالح العطوان الحيالي"