حين يبيعُ الأديب مكتبته
__________________ قاسم وداي الربيعي
ظاهرة بيع مكتبات الأدباء حدثت بكثرة ليس في العراق فحسب بل هي ممتدة للعديد من الدول العربية , فحيث العوز المادي ونقص التمويل الحكومي وانتشار الحروب والأزمات يجبر البعض على بيع مكتباتهم كي يسدوا العجز الحاصل في بيوتهم من أجل مواكبة الحياة ومتطلباتها , وحين كان العراق يعيش حصارا في تسعينات القرن الماضي لجأ البعض من الأدباء إلى بيع مكتباتهم فأزمنة الفاقة والجوع على أشدها ، وعلى أثر ذلك تحولت بعض المكاتب التي كانت تحتوي على مصنفات وعناوين لكتب قيمة إلى رفوف فارغة أصبحت فيما بعد ملتقي الغبار والصمت , والمؤلم أيضا أن هذه الكتب انتقلت إلى بعض دول الجوار عبر وسطاء من المهربين إذ وجدوا فيها إرباحا دون النضر إلى ما تشكله تلك العملية من إفراغ المكتبات العراقية من تلك الكتب ذات الثقافة العالية والمليئة بمؤلفات الرواد وبشتى العلوم من كارثة ثقافية حقا , فانحسرت الثقافة فيها وصار الباحث عن كتاب كالباحث عن لقمه العيش زمن الحصار.
وخلال حواراتي مع الأدباء اعترف بعضهم وقال ما يؤسف عليه هي بيع مكتبتي حين كنت لا أملك الأموال لأسد الجوع الذي هددني وهدد عائلتي ... بل قال احدهم وهو يتكلم بمرارةٍ أنا أول أديب عراقي باع مكتبته وكان هذا أصعب مشهد عشته في حياتي لتلتهمني فيما بعد الزنازين والقضبان , وصرح أخر قال لولا مكتبتي التي أعانتني على توفير لقمه العيش لي و لأسرتي طيلة تلك السنوات لكنت ضمن قائمة الموتى من الجوع أو أحد متسولي ( الباب الشرقي ) , أتذكر صديقي القاص (ك .م ) كانت لديه مكتبه عامرة جدا فيها من الكتب ما لا يوصف الأدب العربي , الأدب الغربي , فكنا كلما احتجنا كتابا قصدناه فيعيرنا الكتاب ويوصينا بعدم أتلاف الغلاف والمحافظة عليه , وحين طرق بابه العوز ولم يسعفه أحدا بل باع مكتبته وهو يبكي ويرثي حاله وما زلت أتذكر انه أهداني ألمجموعه الكاملة للشاعر( عبد الوهاب لبياتي ) طباعة دار العودة ألمعروفه في وقتها , اليوم وبعد تلك السنوات المضنية يكاد الأديب أن يعود ثانيه ليعيش المحنه ذاتها وسط ظروف ماديه حرجه جدا فلا يكاد البعض أن يمتلك ثمن الدواء أو الخروج للمشاركة في الجلسات والمناسبات الثقافية ، وذات يوم دعوت احدهم للقاء وهو شاعر كبير فأعتذر مني وقال "والله يا قاسم لا املك ثمن أجرة السيارة فراتبي التقاعدي لا يسد حاجة " العائلة " , وما أكثر هؤلاء الذين يعيشون المحنه نفسها ،
والأمر الخطير أيضا ما حدثني به احد الأدباء قال : لقد بعت ديواني الشعري الأخير مقابل الحصول على الأموال لأسد ما بذمتي من إيجار البيت الذي اسكن فيه .
ترى من يهتم في هذه الشريحة المثقفة وأعضائها وهي من أهم الشرائح في البلد و ما نخشاه أن تعود ثانيه ظاهرة بيع المكتبات وربما تزدهر تجارة بيع المؤلفات لأسماء ( فيسبكية ) لا قيمه لها تحت ضغوط ماديه مخيفه كما حدث مع أديب كبير بعد أن أقسم عليه بعدم ذكر أسم المشتري , فباع ديوانه وكتم صوته , إذاً كيف نصنع جيلا يعيدُ لنا مملكة الأدب الناصع والفكر الحي ونحنُ على أعتاب حضارة هما أن تغادر سنوات الجهل والخرافات .ونحنُ أديبنا لا يملك إلا سجاره ومساحات من البؤسِ ووطن أسمه الصمت ..
.............................................. بغداد \ 2018