GuidePedia


View : counter

محمية الذكريات
——————
لن أتناول العامل النفسي في موضوع كتابة الذكريات في الأماكن العامة وعلى جذوع الأشجار في الحدائق والمتنزهات ، بقدر ما أتناوله بأسلوب أدبي نحتاج إلى الخوض فيه لأجل معرفة مدى تأثيره على الذوق العام ومردوده على الحاجة الذاتيةِ للتعبير عن صمتٍ قابع في دواخل الإنسان .
كلنا نتذكر في الدراسة الابتدائية والثانوية أنواع الاسماء والرموز والكتابات على الجدران الخلفية ومقاعد الدراسة الخشبية وحيطان الحمامات الصحية
وأنواع التعليقات منها الإشارة الوقتية تكتب على السبورة التي تذهب سدىً مع أدراج الرياح حال دخول المدرس وهناك حوادث كثيرة جرت من جراء أخطر تعليق تمت كتابته على السبورة تنتهي بالعقوبة .
يبدو هذه الظاهرة تعبر عن ارتياح أو قلق أو ترقب في آن واحد عندما يشعر به المرء خاصة في مرحلة الشباب والمراهقة عند الأولاد ، ولا أعلم ما تفعله الفتيات في مدارسهن ، ربما تكون هناك خاطرة أو قصة أو حدث في بال الكاتب فيجد المكان المناسب في تدوينه من خلال حروف ورموز أو إشارة من بعيد أو قريب في تخليد تلك اللحظة المهمة التي مرت عليه ليجبر الأخرين على مشاركته في تخليدها من خلال الاطلاع عليها .
قبل سنوات وبحكم وظيفتي كنت أراقب عن كثب الكتابات المثبتة على الأوراق النقدية المتداولة في الأسواق تجد فيها توقيع أو ختم أمين الصندوق أو أرقام مبالغ أو أسماء زبائن كذلك الحال بالنسبة للمؤسسات المالية مما يدل على تسهيل تحديد العائدية لتلك النقود ، لكن الغريب فيها وجدت في أحد الاوراق النقدية دعاءً ، أو توصية للأخرين - بقصد أو غير قصد - أن يدعوا له بقضاء حوائجه . رغم التوعية الكاملة على المحافظة في سلامة العملة الوطنية من التلف وعدم الاساءة إليها لأنها تمثل رمزاً وطنياً.
هناك أماكن قد يعرفها الجميع حينما نمرّ من تحت الجسور نجد أشكال الأسماء والتواريخ ومقولات وحِكم وأعلانات الحب والهجران من الحبيبات رغم أن الفتيات بريئات من فعل هذا ، إضافة الى أصحاب المصلحة الخاصة بالتهديم والتفليش وحدل الأراضي وغيرها ، والدعاية لتقديم الخدمات  عندما تقرأ رقم هاتف في الطريق الدولي مثبت على صخرة أو دعامة كونكريتية بعجلة إنقاذ ولو بخط متوسط كأن ( عرين يعني كرين ) .
مقارنة مع أيام دراستنا للتحضير الى الامتحانات النهائية نتخذ دعامات الجسر ملاذاً آمناً من أشعة الشمس وضجيج العجلات لكنها لم تخلص من كتابة قصيدة أو تجربة عملية لمسألة كيمياوية أو حلول تمرين رياضيات أو معادلات هندسية وأنا على يقين أن هذه الظاهرة قد انتهت بتقدم البلدان والتطور الذي أصاب البيوت والدور من جانب توفير كافة الأجواء المناسبة للدراسة من أمارة وغرف وكراسي وسبورات.
لا ننسى ذكر الأسماء المحفورة على جذوع الأشجار في الحدائق العامة أو المتنزهات وكذلك الحفر على أعمدة الأنارة ولو أنها تقتصر على تواريخ وأسماء الحبيبات .
وأيام الدراسة الجامعية تبلورت الفكرة من الجدران والمقاعد الى الكتابة في  كتبنا الدراسية حيث يتم تثبيت الوقت والزمان والموقف وقد تحصل على توقيع أحدهم من أجل أن تذكره بعد حين ، كما فعلت في الأيام الأخيرة من الدراسة الجامعية حينما كتب لي معظم زميلاتي وزملائي ذكريات على متن مذكرات عام ١٩٧٤ ٠
من هنا تعددت الأغراض في الكتابة طبقاً لحاجة المرء بصورة تليق وتلائم متطلباته وأغراضه النفسية والمادية وحتى ذكر أسماء معلميه ومدرسيه سواء سلباً أو إيجاباً.
لكن هل يتساوى كل ما ذكر آنفاً مع الأقفال وقطع القماش المثبت على دعائم الجسور أو أي مكان يقال أن للعشق شؤون قد يخلده قفل ثقيل يصعب على اللصوص فتحه أو كسره حيث المفتاح رمي في وسط النهر .
—————————
عبدالزهرة خالد
البصرة / ١٨-٢-٢٠١٨

 
Top